دعت جماعات يمنية معارضة المحتجين إلى تنظيم مسيرة غدا الجمعة إلى القصر الرئاسي لمطالبة الرئيس علي عبد الله صالح بالتنحي، آملين في إنهاء أزمة يخشى حلفاؤه في الخارج أن تنتهي في مصلحة الإسلاميين المتشددين. وقال محمد قحطان المتحدث باسم المعارضة موجها حديثه إلى رئيس اليمن "الجمعة القادمة ستكون "جمعة الزحف".. ستزحف مئات الآلاف بصدورها العارية إلى قصرك الرئاسي". على صعيد آخر، أكد النائب العام اليمني الدكتور عبد الله العلفي "أن النيابة العامة لن تتهاون في ملاحقة الجناة المتورطين في جريمة الاعتداء على المعتصمين أمام بوابة جامعة صنعاء الجمعة الماضية، والتي نتج عنها استشهاد وإصابة عديد منهم". وأضاف الدكتور العلفي "لقد حققت النيابة مع عدد من المتهمين الذين تم إلقاء القبض عليهم من قبل الشباب المعتصمين، وأمرت بحبسهم سبعة أيام على ذمة التحقيق"، موضحا أن النيابة العامة وجهت أيضا بالقبض على عشرة مطلوبين آخرين من المتهمين في هذه القضية. من جهتها، طعنت المعارضة اليمنية في نصاب وشرعية الجلسة التي أقر فيها البرلمان الأربعاء حالة الطوارئ في البلاد، حسبما أفاد النائب الإسلامي عبد الرزاق الهجري لوكالة الأنباء الفرنسية.
وقال الهجري العضو في تجمع الإصلاح (إسلامي، معارضة)، إن "تزويرا فاضحا" حصل في جلسة البرلمان، مؤكدا أن 133 نائبا فقط من أصل 301 حضروا الجلسة، وليس 164 كما أعلن رسميا.
وأوضح أنه "لم يحضر إلا 133 نائبا، ورئيس المجلس قام بتزوير المحضر تزويرا فاضحا والقول بأنهم 164 نائبا. ما قاموا به ليمرروا حالة الطوارئ تزوير، ونحن نطعن في ذلك".
كما أشار إلى أنه "ليس هناك مشروعية لقرار الطوارئ، إذ لا يوجد هناك قانون للطوارئ في اليمن". وذكر أن القانون الذي استند إليه التصويت يعود إلى زمن جمهورية اليمن الشمالي ما قبل الوحدة مع الجنوب في 1990.
واعتبر الهجري أن "النظام ارتكب أمس مخالفة وفضيحة كبيرة، إذ استندوا إلى قانون يعود لعام 1963 وهم بالتالي ينسفون توحيد الوطن في أيار(مايو) 1990". وكان صالح يحظى بتأييد 240 نائبا من أصل 301 قبل بدء الحركة الاحتجاجية وتوالي الانشقاقات العسكرية والسياسية. واظهر التصويت على قرار الطوارئ تقلص الأغلبية التي يتمتع بها في البرلمان بشكل كبير. ويسود غموض حول فاعلية قانون الطوارئ، خصوصا أن القوات العسكرية المنتشرة في صنعاء حول مقر الاعتصام المطالب بتغيير النظام والتي يقودها اللواء علي محسن الأحمر، قد أعلنت تاييدها وحمايتها للحركة الاحتجاجية.
بدوره، قال عيدروس النقيب رئيس كتلة الحزب الاشتراكي المعارض في البرلمان إن "السلطة لن تستطيع تطبيق قرار الطوارئ لأن الزخم الموجود في الشارع هو رفض لحالة الطوارئ". و يبدو أن حكم الرئيس اليمني علي عبد الله صالح القائم منذ 32 عاما يشرف على الانهيار، ولكن رحيله سيدفع البلاد إلى حالة من عدم اليقين ويربك الولاياتالمتحدة التي لا تزال تدعم "حليفها" في الحرب ضد القاعدة. وكان مقتل أكثر من 50 محتجا في صنعاء يوم الأحد الماضي قد أثار موجة انشقاقات، إذ سارع دبلوماسيون، وضباط من الجيش، وزعماء قبائل، وساسة، بإعلان تأييدهم للمعارضة المناهضة لصالح.
وقال فيليب مكرام المحلل المستقل "صالح انتهي. يتشبث بالسلطة فقط لأن الأمريكيين يستنكفون التخلي عنه حتى في هذا الوقت المتأخر".
وليس للزعيم البالغ من العمر 68 عاما خليفة واضح، ولا توجد آلية واضحة للانتقال السلمي للسلطة. وربما يدور قتال بين قبيلته وخصومه العسكريين على مغانم "يمن ما بعد صالح". وفي أحدث حلقة في سلسلة التنازلات السياسية، عرض صالح أمس الأول التنحي عقب انتخابات برلمانية في كانون الثاني (يناير) 2012. ورفض متحدث باسم ائتلاف المعارضة الفكرة قائلا إن الساعات القادمة ستكون حاسمة. وفي هذه الحالة قد ينهار اليمن كدولة، ولا يتحقق النصر للحركة الداعية للديمقراطية المستلهمة من الإطاحة برئيسي مصر وتونس.
وقال فولكر بيرتيز مدير المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن "ليس مستبعدا أن تظهر الحدود بين الشمال والجنوب مرة أخرى، أو تظهر تقسيمات أخرى للإقطاعيات المحلية، وأن ينشب عديد من الحروب الأهلية في أجزاء مختلفة من البلاد". وقال مكرام إن واشنطن تعتبر أن صالح مفيد في الحرب ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي يتخذ من اليمن قاعدة له، وتدعمه خوفا من المجهول. ووجد مسلحو القاعدة الطموحون ملاذا في جبال وصحاري اليمن الذي يجعل منه الفقر المدقع أرضا خصبة لتجنيد أعضاء، ولكن شعبية القاعدة محل جدل.
وقال مكرام "لم يشارك تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في الاضطرابات الحالية إلى حد كبير، مما يشير إلى أن آيديولوجيته لا تزال هامشية في المجتمع اليمني، "مستبعدا أن يتغير هذا الوضع قريبا.
وربما يحاكي صالح خيار الزعيم الليبي معمر القذافي باللجوء للمقاومة العنيفة في مواجهة الانتفاضة الشعبية، ويستعين بوحدات عسكرية لا تزال على ولائها له، بدلا من الرحيل في هدوء كما فعل الرئيس المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي.
وردد علي هذه النغمة أمس قائلا لقادة جيشه "لا يعتقد الذين يريدون أن يتسلقوا إلى كرسي السلطة عن طريق الانقلابات أن الأمور ستستقر فهذا غير وارد، لن يستقر الوطن ستتحول إلى حرب أهلية.. إلى حرب دامية فيجب أن يحسبوا حسابا دقيقا".
وجاءت تصريحات صالح أمس عقب انشقاق اللواء علي محسن الذي يمت بصلة قرابة لصالح، وهو قائد عسكري كبير شارك في السابق في تسهيل عودة الجهاديين اليمنيين من أفغانستان، وكثيرا ما كان حلقة الوصل مع الجماعات المتشددة. وكتب جيمس كينج الباحث في الشؤون اليمنية "بانشقاقه يميل بالتأكيد ميزان القوة بعيدا عن صالح." وتابع "ينظر لمحسن على نطاق واسع على أنه قائد عسكري قاس لا يعرف الرحمة قوي، وبات رمزا لهيمنة قبيلة صغيرة واحدة هي سنحان على البلاد. ونتيجة لذلك يخشى يمنيون كثيرون أن تكون دوافعه ليست من أجل التغيير الديمقراطي".
وفي خطاب منفصل مع شيوخ القبائل في صنعاء، طرح صالح احتمال تقسيم اليمن بين المتمردين في الشمال، والانفصاليين في الجنوب، ومسلحي القاعدة. وقال ياسين نعمان الذي يتولى الرئاسة الدورية لتحالف المعارضة في اليمن، إنه لا يعتقد أن شيوخ القبائل والقادة العسكريين المنشقين سيرفعون السلاح في وجه صالح، ولكنه أبدى خشيته من نشوب نزاع دموي إذا تشبث الرئيس بالسلطة كما فعل القذافي. وأضاف أن ثمن ذلك سيكون باهظا، وأن الأمر لن يقتصر على الجيش، بل سيمتد إلى كل أنحاء البلاد، وحتى إلى القبائل. وواشنطن التي كانت تحث جماعات المعارضة على قبول عروض صالح بإجراء حوار، تدعو الآن إلى "تحول سلمي".
وقال كينج إن الولاياتالمتحدة التي منحت اليمن مبلغ 175 مليون دولار معظمه في صورة مساعدات أمنية في العام الماضي، تخاطر بأن ينظر إليها باعتبارها "أحد الركائز المتداعية القليلة التي تدعم نظاما واهيا".