لاشك أننا أمام حالة من موروث التأجيل والتوجس من العمل المؤسسي الذي كان ينبغي للمكونات الحراكيه أن تشرع به منذُ البداية " لينتقل عمل هذه المكونات من الفردية إلى الجماعية ، ومن العفوية إلى التخطيط ، ومن الغموض إلى الوضوح. على ماذا اختلف الساسة الجنوبيين وقيادة مختلف المكونات ،قبل تأسيس الحراك (2007م) وبعده ؟ حب الجنوب والانتماء لأرضه؟ كلا . استعادة الدولة ؟ كلا . أن يمارس الجنوبيين في دولة مستقلة فوق أرضهم حياة عادية كغيرهم من شعوب العالم؟ كلا أيضا. علام الخلاف إذن؟ الوسائل والأساليب؟ نعم . حسناً أيعقل أن يركل المختلفون على أساليب حب بلدهم الجنوب ، قضية شعبهم وراء ظهور أجندتهم المكوناتية ، كما يركل اللاعبون الكرة بين أقدامهم بغية تسديد الأهداف في شباك الخصم ؟ بالتأكيد كلا . لكن بأسف مؤلم وصراحة تجرح ، ذلك هو ما حصل منذُ سنوات ، ولا يزال هو الحاصل في أراضي ملاعب قيادات أساءت التصرف ، فتأخرت حلول قضية الجنوب لصالح مكاسب أفراد ومكونات مخبريه . صحيح أن صراع مكونات الحراك الجنوبي ضد بعضها بعضا ، سياسياً مر بفصول عدة ، وشهد بعض أسوء حالاته ، لكن الأخطر بينها هو الانشقاق الذي وقع في مكون التحرير والاستقلال الذي أدى إلى ظهور تيارين ، تيار ( با عوم ) وتيار ( البيض) ليس الأمر مجرد تسطير كلمات ، بل الواقع يقول بهذا ، والأرجح أن الأغلبية بين الجنوبيين وغيرهم من المعنيين بقضيتهم تتفق مع ذلك القول . باختصار ، الصراع الناشب بين التيارين هو الأخطر لأنه فرقّ بين قوتين يشكل التوافق بينهما العمود الفقري لتحقيق تطلعات شعب الجنوب. من هو الطرف المسئول عن ذلك ؟ لندع تحديد اللوم جانباً ، إنما لعل من المفيد التذكير بمفاصل تاريخية . عند تفجر الاعتصامات والفعاليات النضالية بأشكالها المختلفة 1994م – 2007م كان قد مرت ثلاثة عشر عاماً ، أربكت المقاومة السلمية خلالها نظام صنعاء ، لا شك ، لكنها لم تقصم آلته العسكرية ، ولا أحرجت موقف صنعاء السياسي في عواصم العالم المتحضر قاطبة. أجساد شباب مدن الجنوب وقراها أنجزت الأمرين معاً . ماذا تفعل الدبابات وسيارات الجيب المدرعة، في مواجهة جحافل شبان قرروا نسيان مرح سنوات المراهقة ، وفتح معركة الصدور العارية ؟ لا شئ ،ولأن أسالت قسوة التعامل العسكري الدم الجنوبي وأوقعت القتل ، فأنها لفتت أنظار العالم إلى شباب بصدور عارية تواجه الرشاشات. في تلك الأثناء كان معظم القادة التاريخيون يقيمون في مدن آمنة ، من الرياض إلى القاهرة وبيروت. تضحيات الشباب ودماؤهم ، أمنّت للقيادة التاريخية فرصة اهتمام عالمي بقضية شعبهم غير مسبوقة ، ومن ثم فتحت أمامهم أبواباً دولية كانت موصده ، لم يكن ليفتحها لا اللقاءات ولا الخطابات ولا البيانات. مع تراكم صورة قسوة المواجهات ، وصور الانتهاكات التي قُدمت لمؤتمر الحوار الوطني من قبل مكون شعب الجنوب الذي أطلع بدور مهم ومسئول- أياً كان موقفنا منه حينها- في اجتراح الحلول والسُبل التي تساعد الجنوبيين على استعادة دولتهم بأقل كلفة بشرية ومادية وسياسية ممكنة وبأسرع وقت مستطاع. ظلت صورة الموقف الدولي ، وبضمنه الإقليمي والرأي العام في الشمال ، ماضيه في التغيّر تلح على ضرورة وضع حد للمعاناة الجنوبية . عندما أنعقد مؤتمر الحوار الوطني بمشاركة مكون من مكونات الحراك أُنضجت أجواء دولية أمكن معها صدور بيانات دولية تعترف بالقضية الجنوبية . على هذه الأرضية تداعت القوى الخيّرة لمؤتمر جامع للبدء في وضع حجر الأساس العملي لعمل حراكي مؤسسي ليبدءا معه مسار مختلف للعمل السياسي الجنوبي يفتح الأبواب أمام أمكانية التقاء مختلف المكونات والمستقليّن غير المؤطرين باختلاف توجهاتهم ، والعمل معاً للنهوض بمشروع استعادة الدولة المستقلة . مكونات " التأجيل والتوجس " دخلت العمل السياسي من هذا الباب ذاته ، ما الخلل إذن ؟ بصراحة لن تروق لكثيرين ،الخلل هو في غياب وضوح الرؤية ، أو إن شئتم تغييبها . بمعنى كان على هذه المكونات وكل مكون غير متفق مع أدبيات وأطروحات مشروع المؤتمر الجامع الأحجام عن المشاركة في الاعداد والتحضير له وهذا خيارهم ، بالمقابل كان عليهم استنباط منهج جديد يحقق نجاحاً أكبر يُمكن من التحكم في مجال تأطير مبادرات المكونات الحراكيه للقيام بالأنشطة بالمهام النضالية والمطلبيه للجنوبيين بكافة أشكالها لتنشيط دورة تطلعاتهم المشروعة ودفعها إلى الأمام بنغمة واحدة . لكن الذي حصل ، هو مجاراة مزاج الناس ، دون التوصل إلى هدف واضح ومحدد. إذا أستمر الحال الجنوبي على هذا المنوال ، لن يتيسر التوصل لبداية جديدة ، تمضي أبعد من حوارات ولقاءات ومصالحات مظهرية ، بل تستند إلى ثبات هدف ووضوح رؤية تُلزم المكونات كافة ، بدل إدعاء التعايش بين الرؤى المتصادمة . ما جرى الاتفاق عليه بين المجلس الأعلى للحراك الثوري والانقاذ والقاهرة والرابطة لمواصلة الحوار لتشكيل تحالف جنوبي خطوة مهمة ، بلا جدال . تناولنا لأمور مسكوت عنها أو استحضارها للتذكير بها والتأكيد عليها إنما هو بغرض الاستفادة من النقد الإيجابي لاستدعاء الإدراك الواعي ، لعلها تكون انطلاقة على طريق البداية الجديدة المطلوبة لتصحيح إساءات التصرف .