- “التمباك” هو تبغ شعبي يكاد لا يخلو منزل سوداني من تواجد شخص يدمنه، ويضاهي انتشاره أنواع التبغ العصرية الأخرى من سجائر وأرجيلة، وغالبا لا يلتفت غالبية مدمنيه إلى تحذيرات السلطات الصحية بوصفه مسببا لسرطان الفم. “جزء من المزاج”.. هذه نظرة الموظف السوداني، عبد المنعم أحمد، إلى “التمباك” الذي يحرص على شرائه وتعاطيه منذ أكثر من 10 سنوات.
وتكثر أعداد السودانيين الذين يتعاطونه، حيث يعد الأكثر شعبية في التعاطي للمدخنين، وهو أيضا الأكثر قدرة على الإصابة بالإدمان، وتشير دراسات غير رسمية إلى أن أكثر من 6 ملايين سوداني يدمنون التمباك من أصل 32 مليون هم عدد سكان البلاد. ويقول عبد المنعم أحمد: “أكثر من عشر سنوات وأنا أتعاطى التمباك من محل واحد، وأفقد مذاقه في حال تعاطيته من مكان آخر”. السودانيون يعتبرون (التمباك) جزء من المزاج حيث يحرصون على شرائه وتعاطيه رغم قدرته على الإصابة بالإدمان كما يعتبر من مسببات سرطان الفم. و”التمباك” في أصله نبات عبارة عن شجرة لا يتجاوز طولها المتر تنتشر زراعتها بشكل حصري في إقليم دارفور المضطرب، غربي البلاد، ومنه تصدر إلى بقية المدن والأقاليم.
ويمتاز بقلة التكلفة حيث لا يكلف زارعيه سوى شتله مع انقضاء فصل الخريف دون حاجة لنظام ري أو فلاحة ومن ثم حصاده مع نهايات فصل الشتاء، في حين تتم عملية الحصاد بقطف أوراق شجرة التمباك ذات اللون الأخضر الغامق ثم تجفيفها وطحنها قبل بيعها كخام إلى المحلات المتخصصة في صناعته وبيعه للمستهلكين.
ومثل زراعته، لا تكلف عملية صناعته الكثير إذ تتم في نفس محلات بيعه المنتشرة في كل أنحاء البلاد، حيث يتم تخميره بعد نقعه في ماء مخلوط ب”العطرون” (مادة قريبة من كربونات الصوديوم ويدخل في صناعات كيميائية) لمدة لا تتجاوز الساعة في قدر مصنوع من الألمونيوم ليحتفظ ببرودة معقولة لأن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى تعفنه.
طريقة بدائية في صنع التنباك تضر بصحة السودانيين شمال دارفور
وبعد عملية التخمير التي يطلق عليها “التمطير”، يتم بيع التمباك إلى الزبائن بتعبئته في أكياس صغيرة سعر الواحد منها 1.5 جنيه سوداني (0.16 دولار أميركي) وعادة ما تطبع عليها علامة تجارية تشير إلى محل صنعه.
ويتم تعاطي التمباك الذي يطلق عليه أيضا “الصعوط” أو “العماري” بتجهيز قطعة دائرية صغيرة منه يطلق عليها “سفة” وتوضع ما بين الفك والشفاه لمدة تتراوح ما بين 5 إلى 10 دقائق قبل بصقها.
وتتنافس محلات بيعه على إتقان صنعه، حيث يكون لأي شخص يتعاطاه محل ثابت يشتريه منه، وعادة ما تكون لكل محل أفرع أخرى منتشرة في عدد من مدن البلاد، وتكاد لا تخلو أية منطقة تجمعات من أسواق وأندية وغيرها من محلات لبيع التمباك.
وتزيد نسبة الذين يتعاطونه عن أولئك الذي يتعاطون السجائر والنرجيلة وهو ما يعزوه عبد المنعم أحمد إلى انخفاض سعره حيث “يكفي كيس التمباك لمدة يوم كامل”.
وفي الغالب لا يصلح استخدامه بعد مرور أكثر من يوم أو يومين كحد أقصى على تمطيره وتعبئته حيث يتعفن كما يروي آدم عيسى الذي يعمل في أحد محلات البيع.
ورغم أن السلطات الصحية تصنف التمباك ضمن مسببات سرطان الفم، إلا أنها سبق أن تراجعت عن قرار اتخذته لمرتين خلال العقدين الماضيين يقضي بمنع تعاطيه.
وعوضا عن منعه كليا وضعت السلطات ضوابط مضمنة في قانون مكافحة التبغ للحد من آثاره السلبية، منها عدم تعاطيه في الأماكن العامة والمغلقة وإلزام محلات بيعه بتعليق لافتات كبيرة على واجهاتها يكتب عليها “التمباك ضار بالصحة ومسبب للسرطان”.
وتشمل الضوابط الحكومية أيضا أن يكون الجزء الخاص بتمطير التمباك في محلات بيعه مغلقا بإحكام للحيلولة دون تسرب رائحته النفاذة التي تسبب مشاكل في الجهاز التنفسي علاوة على زيادة الضرائب المفروضة عليه. ورغم أن عيسى يقر بمضار “التمباك” الصحية إلا أنه يقلل من تأثير الضوابط الحكومية لمحاربته بوصفه “جزءا من الثقافة الشعبية التي تصعب محاربتها”.ويستشهد عيسى، الذي يعمل في صناعة التمباك التي تمتهنها أسرته، بأن “السودانيين لا يتخلون عن تعاطيه حتى مع مغادرتهم للبلاد والاستقرار في بلدان أخرى”. تنتشر زراعة "التمباك" بشكل حصري في إقليم دارفور ويصدر إلى بقية الأقاليم
ويضيف “التمباك يصدّر إلى كل البلدان التي يوجد فيها سودانيون، حيث تجدهم يقطعون مسافات طويلة لشرائه وبأسعار غالية جدا من فرط إدمانهم عليه”. ويعتبر سببا للإدمان أكثر حتى من السجائر، حيث تشير دراسات إلى أن نسبة النيكوتين التي يمتصها الجسم من الأول تزيد ثلاثة أضعاف النسبة التي يوفرها الثاني.
وأرجع مصعب برير، مدير إدارة تعزيز الصحة بوزارة الصحة السودانية، سبب زيادة نسبة النيكوتين في التمباك إلى “الطريقة البدائية في تحضيره والتي لا يمكن معها ضبط النسبة”.
وقال برير إن وزارته دفعت بتعديل على قانون مكافحة التبغ يشمل مزيدا من الضوابط مثل وضع صور للمصابين بالسرطان في محلات وأكياس التمباك وتقييد طريقة صنعه وعرضه. ومنذ أيام، أجاز مجلس الوزراء السوداني مشروع التعديل ومن المنتظر المصادقة عليه من البرلمان خلال الأسابيع المقبلة.
ورغم النسبة الكبيرة لمستهلكيه إلا أن تعاطيه يعتبر “عيبا” للذين لم يبلغوا سن الرشد ويستدعي ذلك عقابهم من ذوويهم، ومع ذلك فإن نحو 25 بالمئة من المراهقين يدمنونه، بحسب إحصائيات رسمية، مقابل 32 بالمئة وسط البالغين. ولا يقتصر إدمان التمباك على الرجال، بل يمتد أيضا إلى النساء لكن بنسبة أقل وتتركز في أوساط كبيرات السن.
لكن برير، قال إن حملات التوعية التي تنفذها الوزارة قللت من نسبة المتعاطين ونجحت في تغيير نظرة الناس إليه بوصفه “وصمة”، خصوصا وسط المراهقين والنساء. ويعد السودان من أوائل الدول التي وقعت على الاتفاقية الإطارية التابعة للأمم المتحدة لمكافحة التبغ في العام 2005 طبقا لبرير.