في حديث جانبي جمعني به تحدث النائب البرلماني /عبدالعزيز جباري بمرارة عن صحفيي ( الربع والثمن ) الذين يسيئون استخدام المهنة ويعرضون خدمات اقلامهم الرخيصة لكل من هب ودب مقابل حافز مالي حتى لو كان زهيدا ولا يستاهل كل هذا العناء والمهانة ... المهم ادفع واطلب من الصحفي الهمام ما تريد وكيف تريد ومن تريد ابتداء من ال 2000 قرش فما فوق ....! وللأسف الشديد ان هذا الكلام حقيقة ماثلة ولا مفر من الاعتراف بها فالوسط الصحفي ملوث بالكثير من الطفيليات والبكتيريا التي تنتهج مثل هذه السلوكيات المرذولة والتي شاءت بملء ارادتها الجمع دفعة واحدة بين التسول والانحطاط والدناءة وهذا مالا يرضاه حر لنفسه ، لكن لا يعني ذلك ان معشر الصحفيين جميعهم من هذا الصنف فهناك اقلام سامقة شريفة تقدس الرسالة الصحفية وتدرك قيمة الكلمة المسئولة والموقف الشجاع ورغم ان ارباب هذه الاقلام يعيشون على الكفاف كما هو معلوم إلا ان ضيق ما في اليد على جبروته لم يمثل بالنسبة لهذه الهامات يوما مشكلة او اتخذوه مبررا في لحظة ضعف انساني وحياتي للانصياع لمزاد المساومة والزحف نحو العتبات الدسمة وطرق الابواب الحديدية العملاقة بحثا عن المال والجاه والسلطان كما فعل ويفعل سواهم ممن سول لهم الجشع المادي بأن المثاليات والاخلاق ليست سوى شيك غير مقبول الدفع ولا فائدة مرجوة منه ، وإمعانا في غوايتهم يذهب بهم سوء الظن الى ان الحصول على المال والامتيازات بهذه الاساليب المشينة نوع من الشطارة والذكاء حتى لو كلفهم ذلك التخلي الكلي عن شيء مهم جدا اسمه "الكرامة " ومن ينكر عليهم هذه الممارسات لا يتورعون في الهزء به واتهامه بالحسد والغباء ونقص الاهلية الصحفية التي تواكب - من وجهة نظرهم - متطلبات العصر من التضليل والتزييف والتلون احد هؤلاء الافذاذ اصبح بفضل قلمه الناطق بعدة شرائح كثير الاسفار والتنقل بين العواصم العربية والاوربية وغدت موسكو اقرب اليه من قرية " الركيح " اللهم لا ضغينة ولا حسد . قبل نحو اسبوع هاتفني مسئول كبير في إحدى الجهات الحكومية ، وبلهجة مشحونة بالغضب قال لي : من العار عليكم ان تقبلوا بين اوساطكم بصحفي مثل " سماه باسمه " فقلت : خير ايش اللي حصل فأجاب بعد زفرة طويلة : لقد قمنا بصرف مكافأة له من باب الإحراج وتقديرا لظروفه الصعبة - حسب وصفه - لكنه لم يقنع بالمبلغ وقبل وصوله الى امين الصندوق قام بتعديل وتزوير وثيقة الصرف ليستلم ما يعادل 9 أضعاف المبلغ الاصلي ...! هذه الحادثة اعادت الى ذهني حكاية لا تقل ازعاجا وإساءة وإن كانت لا تعرض صاحبها للعقوبة القانونية بالضرورة كسابقتها وذلك عندما همس في أذني مسئول مصلحة إيراديه : هل يوجد في قانون الصحافة بند يجيز التسول لأصحابه فقلت مستفسرا : ماذا تعني ؟ فاستطرد وابتسامة صفراء ترتسم على وجهه العريض : الصحفي " فلان الفلاني " اما من حيلة لردعه فقد اصبح بالنسبة لي يشكل مصدر ازعاج حقيقي فهو لا يكل ولا يمل في المناسبات وفي غيرها من طلب المساعدة والاسهاب في شرح حالته ومشاكلة العائلية المزمنة ويضيف مغتاظا : ومع علمه اني اعلم بحالته المادية الميسورة واستقراره الاسري إلا انه لا يخجل من ترديد هذه الاسطوانة المشروخة في كل مرة ....! وختم عباراته التوبيخية ..اهذه اخلاقيات يالسان الامة وضميرها الحي . بالطبع هذه التصرفات التعيسة والمخزية على وقاحتها من نصيب صغار الصحفيين اما القطع الكبير منهم فحدث ولا حرج عن صفقات يندى لها الجبين ، تجري في الخفاء اقل ما يمكن ان توصف بانها " ارهاب صحافي " بحق الوطن والمواطن وهو ارهاب يوازي في وحشيته الاعمال الاجرامية التي تتبناها الجماعات المتطرفة من ذبح للأبرياء والقتل بالهوية . يجب ان نعترف اننا نعاني من انفلات اعلامي حاد اشد كارثية من الانفلات الامني وعلى النخب الثقافية والسياسية والمجتمعية ان تستيقظ من سباتها العميق وتشمر لمواجهة مخاطر الانفلات الاعلامي والتوعية بمخاطره قبل ان نجد انفسنا وجها لوجه امام مصير الزوال المحتوم مرددين في وهن .." كانت هنا يمن " ..!