العصيان المدني هو تمرد حضاري لفرد أو أقلية، ضد قانون جائر أو سلطة غاشمة، فيه الخروج الإيجابي على عصا الطاعة، وفي نفس الوقت هو شكل من أشكال النضال الجماهيري ضد محتل غاصب أو مستعمرٍ، ويعد مرحلة أعلى من إضراب لفردٍ أو لإقليةٍ وأدنى من ثورة شعب وهذا ما أريد له أن يكون في جنوبنا الحبيب. أما، ما يحصل اليوم في الشارع، فلا يعد عصياناً ولا مدنياً. فأين العصيان في أعمدة الدخان التي تؤثر على صحة الأطفال والشيوخ؟ وأين العصيان مما تنثرة تلك الإدخنة من سموم تهدد حياة من يعانون من قصور في وضائف أجهزة التنفس؟ وفوق هذا وذاك أين العصيان من تدمير البيئة؟. وأين المدنية في السنة اللهب التي تحرق أسفلت الطريق الذي يستفيد منه الموطن أكثر من المسئول؟ بعيداً عن الإجابة نقول: أنه حينما تعجز المدنية عن إنتاج وسائل عصيانها على نحوٍ يؤرقُ سلطة المحتل، فليس بالضرورة أن تلجأ الى إشعال الحرائق في الإزقة والأحياء على نحوٍ يؤذي المواطن في عقر داره، فالأمر ينقلب الى الضد. لذا لا بد من بعض الملاحظات وإطلاله على تجارب مدنية العصيان. فعاليات العصيان لا بد أن تقر مركزياً وعلى قاعدة إستهداف مصلحة المحتل، والتوقف عن إستهداف مصالح المواطنين. مثل التوقف عن دفع الضرائب والكف عن تحويل الإيرادات للخزينة في عاصمة الإحتلال.. فأول عمل تم تعريفه ب(العصيان المدني) كان عام 1849عندما أمتنع الكاتب الأمريكي (هنري دافيد) عن دفع الضرائب، إحتجاجاً على الحرب الأمريكية ضد المكسيك، ورفضاً للإتجار بالبشر، أي ضد العبودية. القيام بمسيرات نوعيه لا يكون الهدف منها المناداة بأسماء أشخاص أو رفع صور أشخاص اياً كانو ( مع إحترامنا للكل) فعلينا التمييز بين: مسيرة في إطار دعاية إنتخابية، ومسيرة في إطار عصيان مدني. فللعصيان أدواته كالمسيرة التي قاد فيها (غاندي) نحو 50 الف مواطن من العاصمة (دلهي) الى مستنقعات الملح في منطقة (جبلبور) التي تبعد 300 كلم. وكان الهدف من المسيرة، توجية رسالة للإحتلال البريطاني مفادها: إن الملح، الذي يدر دخلاً قدره 15 مليون فرنك من الذهب الخالص، هو ثروة وطنية ملك للشعب الهندي، وعليكم التوقف عن إستخدامه في تمويل جيوش الأحتلال لشبه القارة الهندية ولمدة. وخلال يوم واحد قام المتضاهرون بجمع كميات الملح من الشواطىء والمكدس في المخازن ثم قاموا بتسويقه.. وبعد عدة أسابيع أضطر المستعمر البريطاني الى الأذعان لإرادة المتظاهرين.. هكذا مشاهد مدني لعصيان ينتزع الحق من المحتل ويعيده الى أصحابه، يجب الإقتداء به.. مشهد إيجابي آخر تمثل في رمزية الفعل الذي قامت به حركة السلام في (السويد) حين تمكنت في عام 1983بمجموعة من النشطاء، من منع إبحار سفينة محملة بالسلاح لمدة ساعة، مرسلة برسالة رمزية بضرورة وقف تصدير السلاح وكان للوقفة أثرها في منع تصدير السلاح الى الدول التي تستخدمه في قتل مواطنيها. صحيح إن الفرق شاسع بين الإستعمار البريطاني والإستعمار الدحباشي، وفرق بين النظام السويدي والنظام العفاشي، ولكن ازعم بإن لا فرق بين إرادة الإنسان إينما كان. لا أدعو الى إستنساخ التجارب وإنما أدعو الى الإقتداء بتجارب الشعوب في النضال. فمبدأ المقاومة هو إستيعاب حق المواطن وبالتالي العمل على إجبار السلطة على تطبيقه. من هنا تأتي شرعية العصيان وتجعلة فوق القانون. فالعصيان المدني هو الخروج عن طاعة الحاكم والتوقف عن التضامن مع سلطاته، وليس خروجاً على حقوق المواطن، كما وتجدر الإشارة الى أن العصيان المدني إن لم يك نابعاً من إرادة المواطن ومحفزاً لقناعاته فلن يكون فعالاً، ومحل خلاف، ويتحول الى عبىء فوق أعباء الإحتلال. فمثلاً عندما تتوقف (بقالة) قسراًعن تزويد المواطن بتموينه اليومي، أوعندما يفرض القَفْل على (مخبز)، فعلى من يقع المضرر في الحالتين على المحتل أم على المواطن؟.. سئوال نترك الإجابة عليه لإعزائنا في القيادات الميدانية للحراك.