يجري الحديث هذه الأيام عن احتمال انقلاب عسكري في اليمن يطيح بالرئيس عبدربه منصور هادي ، وهي تقديرات مؤسسة على قراءة للواقع الداخلي في اليمن ومآلاته . ومصدرها الأول هو الخارج ثم سرت بعدئذٍ إلى الداخل . وهي تقديرات مبنية في الأساس على الدور التقليدي لتاريخ الجيوش في البلاد العربية وعلاقتها بالسلطة و بالأخص عند الأزمات . وهي رؤية نظرية ، لم تأخذ تعقيدات الحالة اليمنية المفعم بالفوضى . وشتان بين الطرح والمآل في مثل هذا الحال . نعم ، لقد كان لليمن في بداية ستينيات القرن المنصرم وحتى منصف السبعينيات جيش وطني منضبط بإمكانياته المتواضعة ، إذ كان يخضع لقيادة مركزية ويتحلى بقدر من الضبط والربط العسكري وكان التعبير المكثف عنها هو تبني قادة الجيش ثورة 26 سبتمبر 62م ، وحركة 13 يونيو 74م التي قادها إبراهيم الحمدي إذ لولا حضور تلك التقاليد العسكرية لما تمكن لا السلال ، ولا الحمدي ليس من حسم الأمور ، بل والإقدام على تنفيذ تحركهما . ومنذ النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي تغيرت بنيته . بعد أن سيطرت القوى التقليدية على مقاليد السلطة . وتبعاً لذلك تغلغل فيه الحضور القبلي وقيمه ، مصحوباً بالفساد . وأصبح درجة الولاء للأشخاص ، والانتماء القبلي هو مقياس الكفاءة . وتحولت المناصب الكبيرة فيه إلى مصدر للثرى عبر أشكال الفساد التي كان يغذيها النظام لضمان الولاء له . حتى تشكلت شبكة من أصحاب المصالح المتداخلة قوامها القبيلة والعسكر والرأسمال الطفيلي وفقهاء السلفية . وقد أسست عقيدته على الولاء للزعيم الذي تحول مع الوقت إلى رمز لاشعوري ، وتمظهرت هذه العقيدة من خلال شعار بالروح بالدم نفديك ياعلي ، وهو أمر أكده الرئيس السابق نفسه في حوار له مع موفد الجزيرة وقتئذٍ أحمد منصور عندما ذكر بأن وظيفة الجيش هو حماية النظام ؛ وصاحب النظام كان صالح بالطبع وأركانه الثلاثة . أما المبدأ الثاني للعقيدة العسكرية ، هو الإمساك بيد من حديد على الجنوب ، بوصفه فرعاً ينبغي أن يتماهى من الأصل بالقوة ، وشواهده كثيرة بالطبع منذ العام94م . وهذا المبدأ يتمظهر بشعار الوحدة أو الموت ، وهو مايزال حاضراً على مستوى الممارسة ، وليس أدلها ما حدث خلال الشهر الحالي في كل من حضرموت وشبوة وعدن من تصفية أربعة شباب بدم بارد من دون أن يحاسب الجناة . مع أنه متراخي في الشمال حد جعل البعض يصفه بالنعامة . أما اليوم فحاله شبيه بالجزر المتناثرة ؛ نتيجة لما كان عليه من انقسام الولاء بين أركان النظام ، وترهل انضباطه حتى وصل إلى معارضة تنفيذ أوامر عليا كما حدث مؤخراُ في البيضاء والحديدة وغيرهما من قبل . وهو أمر يشي إلى تفككه ، وغياب لأهم التقاليد العسكرية ، المؤسسة على الضبط والربط . وهو أمر مرده إلى غياب من كانوا يدينون بالولاء لهم . ففي تلك الرموز كان يتماهي الوطن كما هو متشكل في عيهم سواءً أكان بسبب الخوف ، أو الارتباط بهم بوعي أو بدون وعي ، وهي الحالة التي لم يستطعوا الفكاك منها حتى بعد مغادرة صالح وأركانه السلطة ، وانقطاع رمزيته . وعليه كان المأمول من إعادة الهيكلة إعادة لحالة الانحراف في المؤسسة العسكرية بتحويل الولاء من الرموز إلى الوطن . وهي محاولة أثبتت الوقائع فشلها بدخول أنصار الله صنعاء في21 من سبتمبر ، سواءً أكان دخولهم بتواطؤ من زيد أو عمرو ، أو ناتج عن تقاعس متعمد ، فالحالتين لا تغيران من حقيقة الأمر ؛ وهو حضور لحالة الرمز في الوعي بدون محتوى ، مع غياب للوطن . إن القيام بالانقلابات يحتاج إلى شروط مركبة ؛ بمعنى الولاء للوطن لا الاشخاص ، جيش متماسكاً لا مفككاً ، جيش يتحلى بالانضباط من خلال ترابط أطره العليا والدنيا ، جيش يمتلك وعياً سياسياً بالمستقبل لا يعيش اللحضة فقط . وبالجملة جيش فتي لا مترهل . وهو أمر غائباً في الحالة اليمنية اليوم ، مما يجعل الحديث عن انقلاب عسكري فرضية واهية .