تشكيل لجنة مؤقتة لإدارة نادي الشعلة الرياضي بعدن    بدء صرف راتب أغسطس لموظفي التربية والتعليم بتعز عبر بنك الكريمي    تسجيل 22 وفاة و380 إصابة بالدفتيريا منذ بداية العام 2025    بينها 7 منتخبات عربية.. 30 متأهلا إلى كأس العالم 2026    بلاطجة "بن حبريش" يهددون الصحفي "خالد الكثيري"    إعوامل دولية ساعدت في كارثة وقوع الجنوب العربي بيد اليمن    أفاعي الجمهورية    120 مصابا بينهم 100 ضابط في اشتباكات بالمكسيك    عين الوطن الساهرة (3)    المتقاعدون يدعون للاحتشاد وبدء مرحلة التصعيد السلمي    شعب حضرموت بطلاً لتصفيات أندية الساحل وأهلي الغيل وصيفاً لبطولة البرنامج السعودي الثانية للكرة الطائرة    وسائل إعلام غربية: صنعاء كشفت الفخ الذي نصبته أمريكا وإسرائيل والسعودية في اليمن    مريم وفطوم.. تسيطران على الطريق البحري في عدن (صور)    سفيرٌ يمنيٌّ وطنه الحقيقي بطاقة حزبه.. تحويل السفارة من ممثل للدولة إلى مكتبٍ حزبي    اعتراف أمريكي: سلاح مشاة البحرية يحتاج إلى التعلم من الدروس اليمنية    تصفيات كأس العالم 2026 - أوروبا: سويسرا تتأهل منطقيا    الجاوي ينتقد إجراءات سلطة صنعاء في التعاطي مع التهديدات التي تواجهها    فراغ ، حياة وتجربة ناصرية    الشهيد أحمد الكبسي .. وعدُ الإيمان ووصيةُ الخلود    قراءة تحليلية لنص "في المرقص" ل"أحمد سيف حاشد"    حلف قبائل حضرموت يصطدم بالانتقالي ويحذر من غزو المحافظة    في رحلة البحث عن المياه.. وفاة طفل غرقا في إب    أمن مأرب يحبط مخططاً حوثياً جديداً ويعرض غداً اعترافات لأفراد الخلية    مُحَمَّدَنا الغُماري .. قصيدة جديدة للشاعر المبدع "بسام شائع"    الدفتيريا تغلق مدارس في محافظة شبوة    الدفتيريا تغلق مدارس في محافظة شبوة    حكم قرقوش: لجنة حادثة العرقوب تعاقب المسافرين ومدن أبين وتُفلت الشركات المهملة    رئيس الوزراء بيدق في رقعة الشطرنج الأزمية    تجربتي في ترجمة كتاب "فضاء لا يتسع لطائر" ل"أحمد سيف حاشد"    الرئيس الزُبيدي يُعزّي العميد الركن عبدالكريم الصولاني في وفاة ابن أخيه    سعر برميل النفط الكويتي يرتفع 1.20 دولار ليبلغ 56.53 دولار    إعلان الفائزين بجائزة السلطان قابوس للفنون والآداب    اكتشاف 570 مستوطنة قديمة في شمال غرب الصين    شبوة أرض الحضارات: الفراعنة من أصبعون.. وأهراماتهم في شرقها    اختتام بطولة 30 نوفمبر لالتقاط الأوتاد على كأس الشهيد الغماري بصنعاء    أمن العاصمة عدن يلقي القبض على 5 متهمين بحوزتهم حشيش وحبوب مخدرة    بوادر تمرد في حضرموت على قرار الرئاسي بإغلاق ميناء الشحر    انتشال أكبر سفينة غارقة في حوض ميناء الإصطياد السمكي بعدن    يوم ترفيهي لأبناء وأسر الشهداء في البيضاء    وزارة الأوقاف تعلن عن تفعيل المنصة الالكترونية لخدمة الحجاج    خطر المهاجرين غير الشرعيين يتصاعد في شبوة    الأرصاد: أجواء باردة إلى شديدة البرودة على المرتفعات    فريق DR7 يُتوّج بطلاً ل Kings Cup MENA في نهائي مثير بموسم الرياض    ضبط وكشف 293 جريمة سرقة و78 جريمة مجهولة    معهد أسترالي: بسبب الحرب على اليمن.. جيل كامل لا يستطيع القراءة والكتابة    توخيل: نجوم انكلترا يضعون الفريق فوق الأسماء    وديا: السعودية تهزم كوت ديفوار    المقالح: من يحكم باسم الله لا يولي الشعب أي اعتبار    محافظ عدن يكرّم الأديب محمد ناصر شراء بدرع الوفاء والإبداع    الصين تعلن اكتشاف أكبر منجم ذهب في تاريخها    نمو إنتاج المصانع ومبيعات التجزئة في الصين بأضعف وتيرة منذ أكثر من عام    الإمام الشيخ محمد الغزالي: "الإسلام دين نظيف في أمه وسخة"    الحديدة.. مليشيا الحوثي تقطع الكهرباء عن السكان وتطالبهم بدفع متأخرات 10 أعوام    وداعاً للتسوس.. علماء يكتشفون طريقة لإعادة نمو مينا الأسنان    عدن.. انقطاعات الكهرباء تتجاوز 15 ساعة وصهاريج الوقود محتجزة في أبين    جراح مصري يدهش العالم بأول عملية من نوعها في تاريخ الطب الحديث    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسعار النفط بين تقاطعات السياسة وتفاعلات السوق (1-2)
نشر في عدن الغد يوم 08 - 01 - 2015

زار الرئيس الأمريكي اوباما في 28 مارس الماضي السعودية و التقى بالملك السعودي عبدالله و دار حديث خلال هذه الزيارة حول موضوعات حساسة ترتبط بأسعار النفط في السوق العالمية و مدى إمكانية استخدامها كوسيلة لممارسة الضغط على روسيا بسبب الأزمة في أوكرانيا. أسعار النفط في فترة الزيارة كانت تحوم حول 107 دولار للبرميل الواحد و كانت مريحة جدا للجانب السعودي و الدول المنتجة الأخرى . تاريخيا ظلت السعودية تحتفظ بدور محوري و رئيسي في تحديد سياسية أسعار النفط في السوق العالمية نظرا لقدرتها على زيادة إنتاجها و تتيح لها قدراتها الحالية إضافة 3 مليون برميل نفط / ي أي أكثر من 3% من حجم الطلب العالمي إلى قدرتها الإنتاجية الحالية"9.7" مليون برميل / ي .
يقول مايك وتنر رئيس قسم أبحاث سوق النفط في شركة " Societe General فرع نيويورك ان السعودية هي البلد الوحيد في العالم الذي يمتلك القدرات التقنية القادرة على زيادة او خفض الإنتاج من النفط – عند الحاجة -.لذا فهي تعتبر و ستظل محور السوق النفطية . و في ظل العقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة و أوربا على روسيا و إضعاف تبعية أوربا لصادرات النفط الروسي فان احتمالية التصادم بين روسيا و السعودية و المنافسة بينهما في السوق النفطية الصينية ستكون واردة بشكل كبير باعتبار أن كليهما يسعيان إلى تعويض التغيرات التي تحدث في أسواق أوربا و الولايات المتحدة.
حرب الأسعار – التوافق الأمريكي – السعودي
قبل أسبوع من زيارته للسعودية أعطت إدارة اوباما الضوء الأخضر لأجهزتها المختصة ببيع 5 مليون برميل نفط من الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي و صرحت الإدارة الأمريكية بان عملية البيع ليس لها علاقة بالتدخل الروسي في القرم ، غير ان المحللين أشاروا إلى ان هذه الخطوة عبرت عن رسالة " تحذيرية " كان ينبغي على موسكو فهم " مغزاها " و فحواها بان الولايات المتحدة على استعداد لمهاجمة الاقتصاد الروسي". و مع توافر الشكوك حينها حيال قدرة الولايات المتحدة على التأثير في أسعار النفط العالمية بصورة منفردة كان و لابد على الرئيس اوباما زيارة المملكة لوضع تفاهمات مع الجانب السعودي بشان الخطوة الأمريكية المرتقبة تجاه الملف الأوكراني . يبدو من خلال تتابع الأحداث ان المملكة قررت التعاون مع الولايات المتحدة في تحريك الأوضاع في سوق النفط و تبني سياسات تقود الى خفض ألأسعار في مقابل الحصول على دعم واشنطن في بعض الملفات السياسية التي تزعج سلطات الرياض خصوصا الملف السوري – الايراني ومطالبتها للأمريكان بتسليح المعارضة السورية المعتدلة .
المحللون أشاروا الى أن رفع السعودية إنتاجها من النفط بمقدار 300 ألف برميل / ي الى إجمالي حصة إنتاجها اليومي البالغ 9.7 مليون برميل/ ي " أي إلى 10 مليون برميل/ يوم" مع بدء الولايات المتحدة الأمريكية في نفس الوقت البيع من مخزونها الاستراتيجي أمر كاف للتأثير على أسعار النفط و على إحداث ضربة موجعة بالاقتصاد الروسي . كما ان الولايات المتحدة لديها القدرة على ضخ ما بين 500-750 ألف برميل إلى السوق من احتياطاتها الإستراتيجية و في حال تنسيق مواقفها مع السعودية لزيادة ضخ النفط إلى السوق العالمية فان أسعار النفط ستتهاوى مباشرة .
يقول فيليب فلريغر الموظف السابق في إدارة الرئيس فورد و الرئيس جيمي كارتر انه في حالة حدوث انخفاض "متدرج" في الأسعار فان تبعاته ستكون صادمة للاقتصاد الروسي الذي يحصل على ما يصل إلى 70٪ من دخل الموازنة من خلال صادراته من النفط والغاز . بهذا الصدد وضع - فلريغر- تقديرات فحواها ان بيع فقط 500 ألف برميل نفط من الاحتياطي الأمريكي في السوق النفطية كفيل بخفض الأسعار بمعدل 12 دولار في البرميل وهو ما سيكلف الاقتصاد الروسي حوالي 40 مليار دولار أي حوالي 2% من حجم الناتج الإجمالي القومي الروسي . و في حال انضمام السعودية إلى إجراءات مماثلة فان الأوضاع ستكون جدا مؤثرة على الاقتصاد الروسي.، لكن في واقع الأمر أسعار النفط تهاوت بشكل دراماتيكي خلال فترة وجيزة و تراجعت بمعدلات اكبر مما كان متوقعا لها حتى في أسوا السيناريوهات التي تحدث عنها الخبراء و أحدثت هزة كبيرة في العوائد المالية لدول الريع النفطي و إصابتها جميعا بصدمة جدا قاسية .
تفاهمات كواليس السياسة:
القيادة السعودية قبل الزيارة كانت غير راضية عن قرار واشنطن رفض المشاركة الفاعلة في الحرب ضد نظام الرئيس بشار الأسد. هذا بالإضافة إلى عدم رضاها عن موقف الرئيس اوباما من الوضع في مصر و انتقاداته المتكررة لفائض القوة المستخدم ضد– أنصار الرئيس المخلوع محمد مرسي.
المملكة اتهمت حليفها الامريكي بعدم مساندة جهودها التي تقوم بها - كما تدعي- في محاصرة "الإسلام الريديكالي" الذي يطرق أطراف حدودها ممثلا بالإخوان المسلمين ، و بالتالي طلبت المملكة من واشنطن تقديم ما يكفي من تنازلات للرياض في هذا الجانب بما في ذلك توريد السلاح لفصائل المعارضة السورية و التغاضي عن قمع المعارضة المصرية الموالية للرئيس المخلوع محمد مرسي في مقابل تعاون الرياض في قضايا السوق النفطية .
". يقول كارل جاري من مركز الأبحاث Oil Outlooks & Opinions من هيويستن – تكساس- نحن "الأمريكان" نستطيع زيادة حجم الصادرات النفطية و سنتمكن من الكسب على كل المستويات و سنستفيد أكثر من هوامش التكرير و في نفس الوقت سنتمكن من إحداث ضغوط حقيقية على صناعة النفط الروسية . و يؤكد " جاري " ان السعوديين سيبادرون بمشاركتنا في إغراق السوق و خفض الأسعار ردا على مواقف موسكو التي تثيرهم في سوريا.
التحليلات أشارت إلى ان اوباما المح خلال زيارته للرياض إلى إمكانية تزويد واشنطن للمعارضة السورية بصواريخ "زنيت" المحمولة و في حال نجاح تدفق السلاح للمعارضة - بحسب جاري - فان هذا الأمر يجعل من السعودية الصوت الأعلى الذي يقرر أسعار النفط على مستوى الأسواق العالمية" .
الموقف السعودي - الخليجي من انهيار الأسعار :
منذ شهر يونيو أي بعد الزيارة الشهيرة للرئيس اوباما حدث تراجع كبير في أسعار النفط حيث انخفض سعره بنسبة أكثر من 40٪ عن الأسعار السائدة في مارس من نفس العام " 107 دولار /ب " .
في 18 ديسمبر2014 صرح وزير النفط السعودي علي النعيمي ان سوق النفط لديها مشاكل ، و لكنه وصف تلك المشاكل بأنها مؤقتة و تتعلق أساسا بتباطؤ أداء الاقتصاد العالمي و أكد على أن السعودية و أوبك ككل "من الصعب – إن لم يكن من المستحيل – عليهما تنفيذ أي تدابير من شأنها أن تؤدي إلى خفض في حصصهما السوقية .
وزير الطاقة في دولة الإمارات العربية المتحدة سهيل المزروعي صرح كذلك مباشرة في 21 ديسمبر مؤكدا إن واحد من الأسباب الرئيسية لانخفاض أسعار النفط كان التصرف " غير المسئول " عن الإنتاج من خارج أوبك . مؤكدا أن المنظمة لن تخفض حصص إنتاجها من النفط حتى لو انخفض السعر إلى 40 دولارا للبرميل و كرر الأمر ذاته الوزير السعودي مؤكدا بان المملكة لن تمارس أي ضغوط لتعديل الأسعار و لن تقبل بخفض حصتها في السوق حتى و لو وصل سعر برميل النفط الى 20 دولار .
الجانب الرسمي السعودي يؤكد على أن اتجاهات سوق النفط ستتغير قريبا و بأن السوق النفطية لديها الآليات الكافية لإعادة التوازن و ارجع أسباب الانخفاض في الأسعار الى غياب التفاهمات بين المنتجين في أوبك و الدول الأخرى من خارج أوبك خصوصا روسيا و المكسيك ، إضافة إلى انتشار المعلومات الخاطئة و التكهنات التي زادت السوق إرباكا رافضا في الوقت نفسه الاتهامات ضد بلاده بأنها وراء تخفيض أسعار النفط و سياسات الإغراق . و أشار النعيمي إلى الدور السلبي للمضاربين في الأسواق الدولية فهولاء - بحسب رأيه - سبب دفع الأسعار في اتجاهات مختلفة لتحقيق مكاسب مالية و أضاف أن مثل هذه الأعمال تحدث تقلبات حادة في أسعار النفط ، مؤكدا أن فشل المملكة في خفض إنتاج النفط لا علاقة له بالسياسة . .. ففي ظروف تصاعد حصة الإنتاج لدول من غير الاوبك من حصة الإنتاج العالمي للنفط فان تقليص إنتاج النفط السعودي و نفط دول أوبك - بحسب رأيه - لن يفضي الى رفع الأسعار بقدر ما انه سيفضي فقط الى خفض حصة الأوبك و المملكة من الإنتاج العالمي للنفط .
الانكماش الاقتصادي و الأسعار :
من الواضح ان تراجع أسعار النفط توافق الى حد كبير مع الإستراتيجية الأمريكية باحتواء الاقتصاد الروسي و الضغط عليه كوسيلة لحمل الروس على تسوية ملفات محل تنازع في أوكرانيا و سوريا و إيران و قرب منابع النفط في بحر قزوين و آسيا الوسطى و في مناطق أخرى ساخنة . سياسة الاستنزاف التي تقودها الولايات المتحدة حاليا ضد روسيا تتشابه إلى حد كبير مع تلك السياسات التي نفذتها في مطلع الثمانينات ضد الاتحاد السوفيتي بعيد اجتياحه لأفغانستان و شاركت السعودية فيها من خلال الدعم المباشر و من خلال سياسة إغراق أسواق النفط و خفض أسعاره و حرمان الاقتصاد السوفيتي – حينها- من التمويل المالي الذي كانت توفره له عائدات تجارة النفط الدولية.
لكن مع ذلك ينبغي الإشارة الى ان هناك أسباب أخرى إضافية يعزى لها تراجع و انهيار أسعار النفط أهمها وفرة المعروض من النفط و تزايد إمداداته من المصادر الغير تقليدية خصوصا الطفرة في إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة و المنافسة بين المنتجين و إغراقهم السوق بعيدا عن حاجة الطلب ، إضافة الى رفض دول أوبك تحييد السوق عن فائض الإنتاج لأسباب ترتبط بعوائدها المالية في مقابل تمسك الدول الأخرى بحصصها في السوق .
كما ان قرارات الرئيس الأمريكي بالسحب من الاحتياطي الاستراتيجي – و تأثير حالة الانكماش الاقتصادي التي سادت الاقتصادات العالمية في النصف الثاني من العام لعبت دورا كبيرا في التأثير على أسعار الخامات في السوق العالمية. هذه العوامل مجتمعة دفعت بمنحنى أسعار النفط للهبوط الى مستوى قياسي لم تسجله من قبل على مدى سنوات ، حيث سجل سعر برميل برنت في 16 ديسمبر2014 للمرة الأولى انخفاضا منذ يوليو 2009 الى ما دون 60 دولارا "حاليا ما دون 50 دولار للبرميل". وهناك احتمالات بمزيد من الانخفاضات خلال الأيام القادمة الى حين اتضاح توجهات الفيدرالي الأمريكي في سياساته النقدية تجاه سعر الفائدة خلال الأشهر القادمة من 2015م . استمرار سياسات الفيدرالي الامريكي في إبقاء سعر الفائدة متدنية عند الصفر و الربع نقطة دفعت ليس فقط بأسعار النفط الى التراجع ، بل و كذلك أسعار الخامات و السلع الأخرى مثل الحديد و الذهب و الفضة و البلاتين و السكر و القطن و فول الصويا ...الخ . فمنذ بداية عام 2014 انخفضت قيمة نصف السلع الخام المقومة بسعر الدولار التي يتم تداولها في البورصات الرئيسية بشكل كبير نظرا لحالة الانكماش التي ضربت معظم الاقتصادات العالمية الرئيسية .
بهذا الصدد يشير الخبير الاقتصادي الأمريكي و أستاذ الإدارة العامة في معهد كينيدي التابع لجامعة هارفرد - جيفري فرانكيل - ان أسباب تراجع أسعار النفط و الخامات الأخرى في الأشهر الأخيرة و انهيار أسعار السلع الأساسية يمكن العثور عليها في سياسات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي و في أداء المؤشرات الكلية للاقتصاد العالمي و الأمريكي تحديدا . حيث شهد الاقتصاد العالمي حالة انكماش اقتصادي منذ النصف الثاني من العام 2014 تركت أثرا سلبيا على أوضاع الأسواق و دفعت بالطلب على موارد الطاقة و السلع الزراعية و المعدنية الى التراجع بشكل كبير. فمعدل النمو الاقتصادي في كثير من الاقتصاديات العالمية شهد بطئ في النصف الثاني من العام 2014 م و لم تصدق تلك التنبؤات تجاه نمو الناتج المحلي الإجمالي لكثير من الاقتصادات التي عملت على خفض مؤشرات نمو نواتجها المحلية بناء على حالة الأوضاع التي تسود ألأسواق العالمية . حيث سجلت اليابان ركود اقتصادي أثر كثيرا على الطلب الكلي ، في حين ان الطلب الكلي في الصين سجل تباطأ في معدلات نموه بعد فترة من إنعاشه لأسواق السلع الأولية .
ومع ان الولايات المتحدة كانت الاستثناء في هذا الأمر: حيث شهدت نموا اقتصاديا قويا و نمو في ناتجها المحلي الإجمالي في الربعين الماضيين من العام 2014 تجاوز 4٪. ، إلا ان أسواقها مع ذلك شهدت تراجع أسعار المواد الخام حيث ارتفع مؤشر أسعار الجملة في أسواقها مقوما باليورو مما يشير إلى انخفاض أسعار تلك السلع بالدولار.
سياسات الفيدرالي الأمريكي:
يتم إلقاء اللوم على الاحتياطي الفيدرالي كجهة مسئولة عن حالة الانكماش و الاضطرابات في أسواق السلع و يتم توجيه الاتهام الى السياسة النقدية التي يعتمدها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي غالبا ما يعمل على التغاضي عن تأثير سياساته النقدية على أسعار المواد الخام . يقول - جيفري فرانكل بهذا الصدد - . من المتوقع أن السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سيتم تشديدها باعتبار انه في أكتوبر المنصرم تم الانتهاء من برنامج التيسير الكمي و من المرجح أن يتم رفع أسعار الفائدة قصيرة الآجل في العام المقبل . " و يتوقع مصرف " كريدي سويس" ان الرفع الأول لمعدلات الفائدة سيكون في يونيو المقبل ، ومن المحتمل بأن رفع أسعار الفائدة بفضل قوة النمو للاقتصاد الأمريكي ستعزز من قوة الدولار أمام العملات الأخرى " الأوروبية والآسيوية" ، الأمر الذي سيزيد من احتمالات الضغط على أسواق النفط .
كيف تؤثر أسعار الفائدة على أسعار السلع و المواد الخام ... ؟؟
على مستوى الإدراك الحدسي يمكن فهم علاقة التأثير المشار لها آنفا على النحو التالي " يقوم الفيدرالي الأمريكي بطباعة الإصدار النقدي الذي يأخذ مساره الى أسواق الخامات و السلع و يدفع باتجاه ارتفاع أسعارها . رفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل يساعد البنك المركزي على الحصول على الأموال عن طريق شراء الأصول المتعثرة او الاقتراض من البنوك و المؤسسات و الصناديق الاستثمارية وهي الأموال التي يعمل مجددا على ضخها الى السوق بحيث يتمكن عبر هذه السياسة من أحداث تأثير على الاقتصاد من زاويتين هما: إنعاش الاقتصاد من جهة و تفعيل القدرة الشرائية للأفراد و المؤسسات " خلق طلب " من جهة أخرى ، لكن سياسات التوسع النقدي تدفع بتراجع القيمة الشرائية للعملة" الدولار" بفعل الضخ الكبير للأموال الى السوق ، و هو ما يعني تدني القيمة الحقيقية لأسعار المواد الخام و يدفع بها نحو الهبوط .
آلية السبب و النتيجة وفقا لسياسة " التيسير الكمي – " خلق النقود". في واقع الأمر أكثر تعقيدا مما يتم تبسيطه. و لكن علاقة تأثير أسعار الفائدة الحقيقية على أسعار المواد الخام تكاد تحدث بشكل مباشر من خلال التالي :
أولا:
رفع أسعار الفائدة يعمل على خفض أسعار السلع التي يمكن تخزينها " كالنفط مثلا " . و تدفع بتأجيل عملية انتاج هذه الخامات في المدى المنظور .
ثانيا:
ارتفاع معدل الفائدة يقلل عادة من رغبة الشركات في بناء مخزون سلعي ، نظرا لوجود وفرة في السوق ، على سبيل المثال ( السلع المخزنة في منشات التخزين).
ثالثا:
يعمل مديرو الأصول عند ارتفاع معدلات الفائدة التخلص من عقود توريد المواد الخام و التوجه نحو شراء أذون الخزانة قصيرة الأجل لوجود عائد مضمون ، بدرجة قد تزيد عن عائد الاستثمار في المخزون..
رابعا :
ارتفاع أسعار الفائدة يرفع من قيمة العملة الوطنية و يدفع الى خفض الأسعار للسلع المحلية المتداولة في الأسواق الدولية ، حتى لو لم يتم تخفيض ألأسعار المقومة لها بالعملات الأخرى.
و مع ان أسعار الفائدة في الولايات المتحدة في عام 2014 لم يتم رفعها و حتى الآن لم يتم إطلاق آلياتها في ديناميكية النشاط الاقتصادي بشكل كامل ، الا انه يلاحظ منذ منتصف العام 2014م ان المضاربين في الأسواق يستعدون تباعا لمغادرة أسواق المواد الخام في اتجاه أسواق المال توقعا برفع سعر الفائدة في عام 2015.
كما ان أسعار صرف العملات أحدثت هي الأخرى صدعا في أسعار السلع و الخامات ، ففي ظل توقعات تشديد السياسات النقدية خلال 2015 سارع كلا من البنك المركزي الأوروبي و بنك اليابان الى تعزيز آليات التحفيز الاقتصادي والنقدي في ظل استمرار ارتفاع سعر الدولار مقابل اليورو و الين مقارنة مع النصف الأول من العام 2014 ، حيث فقد اليورو مقابل الدولار 8٪ من قيمته و الين 14٪. و نتيجة لذلك ، أظهرت المواد و السلع الخام انخفاضا في أسعارها مقومة بسعر الدولار في حين أنها كانت أعلى بسعر العملات ألأخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.