باريس سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    مذكرات صدام حسين.. تفاصيل حلم "البنطلون" وصرة القماش والصحفية العراقية    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    قيادات الجنوب تعاملت بسذاجة مع خداع ومكر قادة صنعاء    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    على خطى الاحتلال.. مليشيات الحوثي تهدم عشرات المنازل في ريف صنعاء    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرة أخرى في كيف نفهم التسامح والتصالح والتضامن ؟
نشر في عدن الغد يوم 10 - 01 - 2015

خطاب التسامح والتصالح والتضامن والنضال السلمي تستدعيه الحاجة والرغبة المشتركة للبحث في أفضل السبل الممكنة والآمنة للعيش والتعايش الاجتماعي السياسي الوطني في بيئة اجتماعية وسياسية وثقافية واقتصادية وأخلاقية ونفسية منظمة ومستقرة مدنية وسلمية خالية من التوتر والعنف والفوضى والظلم والظلام بيئة , مسيجة بسياج العدالة والإنصاف والحرية والمساواة والتعاون والأمن والأمان وحامية للحقوق الأساسية لكل إنسان افرادا ومؤسسات وجماعات.. ذكوراً وإناث: حق الحياة، وحق الحرية، وحق الكرامة، وحق العمل، وحق الحصول على الفرص، وحق القرار، وحق التملك، وجميع الحقوق الطبيعية والشرعية والمدنية والسياسية والثقافية... الخ التي نصت عليها الشرائع السماوية والأعراف والقوانين الوضعية والمواثيق الدولية ابتداء بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, إعلان الأمم المتحدة للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري العهد الدولي لمكافحة التميز العنصري وإعلان حماية المدافعين عن حقوق الإنسان اعلان حقوق الطفل اتفاقية حقوق الطفل جزء اول اتفاقية حقوق الطفل جزء ثاني اتفاقية مناهضة التعذيب ملحق اتفاقيات مناهضة التعذيب البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة استقلال السلطة القضائية تقديم شكاوى من قبل الأفراد العمل علي إلغاء عقوبة الإعدام ومنع جرائم الابادة الجماعية والمعاقبة عليها والإعلان في حق الشعوب في تقرير مصيرها .... الخ . وبهذا المعنى لا يجب النظر إلى مفهوم التسامح بعده قيمة أخلاقية فحسب أو مطلبا سيكولوجيا يتصل برغبة هذا الفرد أو ذلك بوضع يده في يد صاحبه ويقول له ( انا سامحتك ,سامحك الله ) على طريق جبر الخواطر (وأعفى الله عما سلف)، أو بغرض المصالحة والتصالح مما جرى من خطأ وعداء وعنف وقتل ودماء على النمط التقليدي كما وصفه الشاعر
إذ احتربت يوماً وسالت دماءها*** تذكرت القربى فسالت دموعها.
بل يجب النظر إليه (التسامح) بعده حاجة وضرورة حيوية واستراتيجية تفرض ذاتها على الجميع بدرجة متساوية من الأهمية والقيمة والواجب دون أن تستثني أحد من الفاعلين الاجتماعيين الراغبين في العيش المشترك في المجتمع المتعين ، ولسنا بحاجة إلى التذكير هنا بمدى احتياج مجتمعاتنا العربية الاسلامية إلى فضيلة التسامح لاسيما بعد أن شهدنا تاريخ طويل من النزاعات الدموية والحروب الكارثية منذ منتصف القرن الماضي. لقد شاء لنا القدر أن نكون شاهدين على حقبة من أشد حقب التاريخ قتامه ومأساوية... حقبة هي خليط من المتناقضات الصاخبة وخيبات الأمل المريرة فما الذي جناه جيلنا منذ أكثر من نصف قرن غير تلك الدوامة المهلكة من القلق والتوتر المفني والعبث المرهق بسبب تكرار الحالات ذاتها من الاندفاعات العمياء والأزمات والصراعات والخصومات والحروب والدماء والتدمير والدمار من الآلام والعذابات والخوف والرعب والاغتراب، من البغضاء والحقد والغل والكراهية من التفكك الاجتماعي والتشظي السياسي والمؤامرات والدسائس والضياع والضعف، لقد بتنا أشبه بسفينة تتقاذفها الأمواج وتعصف بها الرياح في كل اتجاه، ولا تلوح في الأفق البهيم بارقة أمل للنجاة بعد أن سقطت أحلامنا بالاستقلال والحرية والتقدم والعدالة والرفاه. وما دمنا لم نغرق بعد فإن الموقف الممكن الوحيد اليوم هو الموقف النقد، نقد الذات، نقد الذات للفردية والذات الجمعية ونقد التاريخ ونقد الماضي بكل ما فيه نقداً عقلانياً علمياً خال من الأحكام المتسرعة أو التشفي وخبث النوايا والتعصب الأعمى مع أو ضد، فالانفعالات والشهوات لا تفسر شيئاً أبداً، ومهما كان موقفنا من الماضي فإنه تاريخنا ولا جدوى من الثأر منه أو السخرية منه، بل ينبغي إدراكه على حقيقته فالحقيقة مستقلة دائماً في آخر المطاف. كما أن حبنا للماضي وإجلاله لا يغيران من حقيقته شيئاً، وحينما يكون الماضي الذي يتطلب النقد ماضياً سياسياً مليئاً بالأحداث والصراعات الدموية القاتلة، فإن المهمة ستكون عسيرة وشاقة غير أنه ليس لدينا من خيار آخر إذا كنا نتصف بصفة البشر الذين يمتلكون العقل والحكمة لا قطيع من الماشية لا تدري كيف نعيش ولا تدرك بأي ذنب قتلة والى اين ينتهي بها المصير بيد ان تجليات الواقع مكرورة دائماً وليس في الإمكان المعرفة إلا ضد معرفة سابقة عن طريق تحطيم معارف أسيء تكوينها.وكما قال فيلسوف العلم المعاصر باشلار"ستكون الحقيقة خطأ مصححاً أو لا تكون" فإذا ما عرفنا الأخطاء استطعنا تجاوزها. بيد أن ما يدعو إلى الأسف أننا لم نقرأ شيئاً جديرا بالقيمة والاعتبار في نقد وتقييم ماضينا القريب لاسيما بعد انقضاء فترة كافية لاسترجاع الماضي والجلوس مع الذات ونقدها نقداً فردياً وجماعياً وتاريخياً، وفضح الأخطاء وتعريتها بلا هوادة في سبيل تجاوزها في المستقبل المنشود ومن المهين أن يكون سر أزمة حياتنا والتقييم الدقيق لأخطائنا وقفاً على أناس لم يولدوا بعد! والسؤال الذي ينتصب أمام أعيننا الآن هو: أما آن لهذا الشعب أن يستريح؟ أما آن للغة العنف والقوة والعدوان والخوف أو لغة اللاتسامح أن تخرس، لتحل محلها لغة العقل والحوار والتسامح والتصالح والتضامن والتعايش والوئام والحب والتفاهم والتآخي والسلم والسلام أي لغة اللاعنف؟ وإذا كان الخلاص يقع في أيدينا نحن جيل مابين الجيلين فعلاً فإنني سأجيب على هذا السؤال الحارق بنعم وتدفعني إلى قولها تلك القوة المفكرة وتلك الشجاعة المثقفة التي أحس بها متأججة الحماسة لدى بعض الشباب والشابات, النساء والرجال ممن أعرفهم ولا أعرفهم من أبناء هذا الوطن الحبيب الخصيب. الذين لم يفقدوا إيمانهم الهادئ المستقر بالله سبحانه وتعالى ولطفه ورحمته وبالإنسان وبالقيم الانسانية السامية من اللذين نذروا جهودهم لتنميتها في مجتمعنا الجنوبي المسلوب ، أولئك الذين أخذوا على أنفسهم دمل جراح الروح والجسد وبعث ربيع الحياة على هذه الارض المعطاة. إن حاجتنا إلى السلام كحاجتنا إلى الهواء والنوم، فليس بمقدور الإنسان أن يعيش زمناً طويلاً في قلق وتوتر مستفز في كنف الخوف والرعب والفزع في ظل غياب شبه تام لشبكات الحماية والأمن والأمان والعدل والحرية. بيد أن السلام كشرط ضروري لاستمرار حياة أي جماعة إنسانية مزقتها الحروب والخصومات لا يتم من تلقاء ذاته، بل يحتاج إلى جهود جبارة من العمل المثابر والإصرار العنيد على ترسيخ قيم التسامح والتصالح والتضامن والثقافة السلمية وادواتها في حل النزعات والمشكلات كما اشار خبير السلام الدولي, جين شارب في كتابه (البدائل الحقيقية ). فالتسامح هو الفضيلة التي تيسر قيام التعايش الاجتماعي والسلم والسلام بين الناس ويسهم في إحلال ثقافة النضال السلمي, ثقافة اللاعنف محل ثقافة الحرب والعنف والقتل والتدمير والدمار بل يمكن القول ان فضيلة التسامح هي الحد الأدنى من إمكانية العيش والتعايش المشترك في مجمع سياسي مدني مستقر قابل للنماء والتقدم والازدهار. وتهدف محاولتنا هذه إلى التوقف عند التسامح مصطلحا وفضيلة اخلاقية وقيمة ثقافية , ودلالاته ألمختلفة وسياقاته الممكنة بعده ركيزة اساسية للنضال السلمي والعدالة الانتقالية اذ يصعب الحديث عن اساليب المقاومة اللاعنفية بدون التسامح والتصالح والتضامن كشرط ضروري لحل المشكلات بالاساليب التفاوضية اللاعنفية.
فما هو التسامح؟ وما هي الدلالات المختلفة التي تتصل به؟ وما هي الشروط الأساسية لسياقات فعله وممارسته؟ وكيف نستطيع تحويله إلى فضيلة أخلاقية مقدرة خير تقدير وقيمة ثقافية اجتماعية راسخة ومبدأ جوهري من مبادئ النضال السلمي والسلوك والتفاعل الاجتماعي عامة وما هي علاقة هذا المفهوم بمفاهيم التصالح، والتضامن، والعفو، والصفح، والسلم، والسلام، والديمقراطية والمدنية، والمقاومة السلمية والتفاوض والحوار والعدالة الانتقالية ...الخ.
من المؤكد أن مفهوم التسامح هو من التعقيد والتركيب الشديد بحيث يعجز المرء عن تعريفه وتحديده تعريفاً جامعاً مانعا بل لقد عبر كثير من العلماء والباحثين عن صعوبة تعريفه لأنه مفهوم اجتماعي تاريخي متعدد الدلالات والمعاني. وهذا ما عبر عنه المفكر الإيطالي المعاصر "مايكل أنجلو باكوبوتشي" في كتابه (أعداء الحوار، أسباب اللاتسامح ومظاهره) بقوله "إذا ما أردنا الخوض في حديث صعب حول التسامح واللاتسامح فسوف نجد أنفسنا على الفور أمام صعوبة مجرد أن نشرع في ذلك؛ فنحن لا ننجح حتى في الاتفاق على المعنى الذي نعطيه لهذين المصطلحين مثل الصعوبة التي تواجهنا عند تعريف المفهومات المجردة كالحرية والعدالة والديمقراطية بما لهن من معان مختلفة عند أناس مختلفين".وتنجم صعوبة تعريف مصطلح التسامح ليس من طبيعته الاخلاقية الثقافية الاجتماعية الملتبسة ومعانيه المختلفة بل ومن كونه موضوعاً لعدد واسع من أنساق العلوم المختلفة علم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع السياسي والانثربولوجيا الثقافية والعلوم الدينية... الخ والفلسفة السياسية.
وعلى مدى السنوات الماضية استقطبت ظاهرة النضال المدني والمقاومة السلمية وحل النزاعات حول العالم بالطرق اللاعنفية اهتمام عدد واسع من الدارسين والكتاب والهيئات وأخذت الدوائر الأكاديمية والثقافية تعقد المؤتمرات والندوات والنقاشات في كل البلدان , ومنها كتاب طريق غاندي , وكتاب نيلسون مانيلا , الطريق الى الحرية , وكتاب "مايكل أنجلو باكوبوتشي" (أعداء الحوار أسباب اللاتسامح ومظاهره, وكتابا ,جين شارب البدائل الحقيقة والاخر "المقاومة اللاعنفية دراسات في النضال بوسائل اللاعنف" وكتاباته الاخرى ومبادئ مارتن لوثر كنج في النضال ضد التمييز وهناك مئات الكتب والدراسات في التسامح والعفو والتصالح والتعايش والتضامن المدني , بل ويمكن الاشارة الى ما تراكم من خبرات ونقاشات وأدبيات بشأن ثورة المقاومة الشعبية السلمية الجنوبية والحراك الجنوبي السلمي والتصالح والتسامح والتضامن بما حملته من دلالات وخبرات بالغة الاهمية . وقد احتفلت منظمة الأمم المتحدة بمرور خمسين عاماً على تأسيسها في يوم 16 نوفمبر عام 1995م، وأعلنته عام التسامح، وأقرت منظمة اليونسكو وثيقة إعلان المبادئ بشأن التسامح. ويعد الفيلسوف الإنجليزي "جون لوك 1689م" أول من أصدر كتاب بعنوان (رسالة في التسامح)، ثم الفرنسي "فولتير 1694-1778م" الذي يعد فيلسوف التسامح، والفيلسوفه "روبيرتا مونتيشيللي"، والفيلسوف "كارل بوبر" في كتابه (التسامح بين الشرق والغرب).وهناك عشرات الكتب المنشورة عن التسامح والعفو في الاسلام , بل ثمة عدد من المجلات العربية تحمل هذا الاسم ( التسامح) وغير ذلك من الإصدارات والدراسات والكتابات المنشورة في الشبكة العنكبوتية .
المعنى اللغوي للتسامح
رغم أن كلمة التسامح تحضر بقوة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والمعاجم اللغوية العربية بمعنى الصفح والعفو واليسر واللين والجود والعطاء إلا أن الثقافة العربية الإسلامية قد غلبت عليها ثقافة اللاتسامح والعنف والظلم والحرب والقتال. , فكم الف من السنين يعيش العرب حالة عنف وحرب دائمة ؟ كما تساءل احد الباحثين الغربيين معلقا لكنهم لم يكسبوا حكمة من التجربة ان مجتمعهم قلما شهد حياة مستقرة وآمنة ومع ذلك يتصرفون وكأن الامن والسلم خبزهم اليومي , معنى هذا انهم تكيفوا مع وضعهم واعتقدوا ان هذا وضعا طبيعيا وهنا يكمن الخطر . من هنا تأتي الحاجة الى اعادة فحص الكلمات والمصطلحات في سبيل فهم دلالاتها ومعانيها المحتملة , وهذا هو ما سوف نوليه عنايتنا جاء في لسان العرب ل بن منظور: السماح والسماحة: الجود سَمَح سماحة وسموحه وسامحا جاد يقال : سمح وأسمح إذا جاد وأعطى عن كرم وسخاء، والمسامحة المساهلة وتسامحوا تساهلوا وفي الحديث السماح رباح أي المساهلة في الأشياء تربح صاحبها.
أنشد تغلب : ولكن إذا ما جل خطب فسامحت*** به النفس يوماً كان للكره اذهبا وقوله السمحة ليس فيها ضيق ولا شدة وتقول العرب عليك بالحق فإن فيه لمسمحاً؛ أي متسعاً، وسمح له بحاجته وأسمح أي سهل له ويسر امره , ينظر ابن منظور لسان ألعرب ج2 ص2088
وفي القرآن الكريم هناك الكثير من الآيات المحكمات التي تحث على قيم الرحمة واللطف واللين والتسامح والعفو والعطاء والحكمة، ومن ذلك الآية: ?وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ?. سورة فصلت، الآية: 34 وقوله تعالى: ?ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ?، سورة النحل، الآية: 125وقوله تعالى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ سورة الأعراف، الآية:19وقوله تعالى (عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) سورة الممتحنة، الآية: 7وقوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ?، سورة الحجرات، الآيتان: 11-12 وفي السنة الشريفة جاء الحديث (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله).وقوله صلاة الله عليه وسلم : (لا يرحم الله من لا يرحم الناس ولا يحل لسلم أن يروع مسلماً).
المعنى الاصطلاحي للتسامح
لا يوجد تعريفا محددا ووحيدا لمفهوم ألتسامح بل ثمة تعريفات متنوعة ودلالات مختلفة وهي جميعها تعريفات تحكمية إجرائية. وسوف نتتبع هنا المعاني المختلفة للمفهوم في السياقات التاريخية والثقافية إذ أن كل ثقافة لا تخلو من وجود التسامح بمعنى من المعاني ذلك لأن العيش يستحيل بدون تسامح بهذا القدر أو ذاك؛ فكل مجتمع لابد وإنه يمتلك معنى محدد أو تأويل ممكن لفضيلة ألتسامح ويمكن العثور على مثل هذا المعنى في الأقوال المأثورة والحكم الخالدة.
يقول السيد المسيح (من لم يغترف منكم خطيئة فليرمها بحجر). أو حكمة الفلسفة الصينية: (لا يمكننا الاستغناء عن الآخر، ونحن الآخر بالنسبة له)، أو الحكمة التي تقول (أتبحث عن القشة في عين جارك، ولا ترى العارضة التي في عينك). , وتقول العرب , العفو عند المقدرة , او المسامح كريم ...الخ. ويرى أومبرتوايكو: أن مصطلح التسامح هو مصطلح مبهم وهو بإيجاز مصطلح لا متسامح حيث أنه يفترض بالفعل - وفقً لرافضيه - بأنه يمكن لنا الاعتقاد بأن شخص ما غير مقبول بشكل أساسي أو إنه أدنى مرتبة، وخلاصة القول بأنه من الأفضل تحاشيه؛ بيد أننا نتسامح معه من مبدأ الأدب أو إيثار لمبدأ السلامة , هذا معناه اننا نتكلف التسامح ولا نقتنع به !
وإذا كان مصطلح التسامح يمكن أن يثير الانتقادات فإن الجميع متفقون على معنى (اللاتسامح)، وهو (سلبي بالطبع)؛ فإذا كان بعض ألوان وممارسات التسامح يشوبها النفاق، وتخفي بعض التحفظات الدنيئة، فإن اللاتسامح يتسم بالصراحة القاسية بعده رفض الاخرين واحتقارهم وعدم الاعتراف بهم كائنات مثلنا لديها الحقوق ذاتها , وهذا هو ما يفسر ويبرر الحروب وجرائمها ضد الانسانية وجريمة الابادة الجماعية , اللامتسامح هو ذلك الذي يمنح لذاته قيمة ومكانة وحقوق وسلطة ونفوذ يحرمها على اشباهه من الناس الذين يعيش وسطهم كما فعلت قوى الهيمنة التقليدية الشمالية حينما مهدت لجريمة اجتياحها العسكري الهمجي للجنوب بفتوى تكفير اهل الجنوب ومنحهم صفة سلبية تبرر عملية قتلهم واغتنامهم بل وتجعل ذلك واجبا مقدسا على مؤمني ومؤمنات اهل الشمال الذين جعلتهم هذه الفتوى ينفرون للجهاد في غزو الجنوب الكافر وفتحه بوصفه دار حرب في مقابل الشمال دار السلام . وفي اللغة اللاتينية يشتق مصطلح التسامح من الفعل اللاتيني يتحمل (Tolerare)، ونفس الكلمة (Tolleranza) تستخدم كمصطلح فني وهو (حمل)؛ أي أقصى درجة توتر يمكن لجسم ما تحملها قبل أن يصل إلى نقطة الانهيار. إذ أن من يتسامح يتحمل شيئاً ما يسبب له الضيق،بينما كان بمقدوره ترك الأمور تجري في اعنتها ايثار للسلامة بيد أنه يتألم نظراً لتأذي مشاعره وإرباك عاداته في سبيل ان يعيش الاخرين اشباهه . وفي قاموس (لاروس) الفرنسي يعني التسامح (Tolehance)، احترام حرية الآخر وطرق تفكيره وسلوكه وآراءه السياسية والدينية.
وفي موسوعة لالاند الفلسفية التسامح : هو طريقة تصرف شخص يتحمل - بلا اعتراض - أذى مألوفاً يمس حقوقه الدقيقة؛ بينما يكون قادر على رد الأذية وهو استعداد عقلي، أو قاعدة سلوكية ثقافية قوامها ترك حرية التعبير عن الرأي لكل فرد حتى وإن كنا لا نشاطره رأيه. والتسامح بمعنى العفو عند المقدرة يتضمن القدرة على إيقاع العقوبة مع القرار الواعي بعدم استخدام تلك القدرة. ويعد الفيلسوف الانجليزي جون لوك سنة 1689 في (رسالة في التسامح) من اوائل المفكرين الذين كتبوا في موضوع التسامح إذ كتب : "أن التسامح جاء كرد فعل على الصراعات الدينية المتفجرة في أوروبا، ولم يكن من حل أمام مفكري الإصلاح الديني في هذه المرحلة التاريخية، إلا الدعوة والمناداة بالتسامح المتبادل والاعتراف بالحق في الاختلاف والاعتقاد". ويأتي بعد المنور الفرنسي فولتير 1694الذي يصفه البعض بفيلسوف التسامح لأنه ارتفع بالتسامح واقترب فيه من المفهوم المعاصر، إذ وضعه في صيغة المبدأ الطبيعي وكأساس للقول بحقوق طبيعية للإنسان. يقول فولتير في هذا الخصوص: كلنا ضعفاء وميالون لقانون الطبيعة، والمبدأ الأول للطبيعة هو التنوع وهذا يؤسس للتنوع في مجال الحياة الإنسانية، وقبول هذا التنوع حق أساسي للوجود" وقد اشتهر بعبارته المشهورة التي تُعلي من شأن الحرية والتسامح وقبول الآخر على مبدأ الاختلاف إذ يقول: "إنني لا أوافق على ما تقول، ولكنني سأدافع حتى الموت عن حقك في أن تقوله".ويبرز اسم ليزلي جورج سكارمان من بين جمهرة العلماء الذين أعادوا فتح باب النقاش حول مفهوم التسامح وعمقوه، فقد كان صاحب أكبر إسهام، من وجهة نظر قانونية بالطبع في توضيح ضرورة الانتقال من التسامح باعتباره موقفاً سلبيًّا خالصاً إلى التسامح الذي يتجاوز مبدأ عدم التدخل في حياة الآخرين، لكي يتضمن واجبات إيجابية يتعين أن يعترف القانون بها ويحترمها، أي إلى نوع من التمييز الإيجابي.
ويقول فيلسوف العلم المعاصر "كارل بوبر" بأن التسامح موقف أخلاقي وعقلي ينبع من الاعتراف بأننا غير معصومين عن الخطأ، وإن البشر خطاءون ونحن نخطئ طوال الوقت وقد أكون أنا على خطأ وأنت على صواب وبالحوار العقلاني نقترب من الحقيقة. وبهذا المعنى يكون التسامح هو الاعتراف بالحق بالاختلاف والتنوع وعدم فرض شيء بالقوة أو الإكراه. والتسامح لا يعني بالضرورة أن نحب الجار بقدر ما يوجب علينا أن نجتهد لاحترامه حتى ولو بالقدر الضئيل. وفي مبادئ التسامح المعلنة من الأمم المتحدة في 16 فبراير 1995م جاء أن مفهوم التسامح يتضمن العناصر الآتية:
اولا- قبول تنوع واختلافات ثقافات عالمنا، واحترام هذا التنوع.
ثانيا- الاعتراف بالحقوق الأساسية للإنسان؛ حق الحياة، وحق التملك، وحق الحرية والكرامة والأمن... الخ.
ثالثا- التسامح هو مفتاح حقوق الإنسان في التعددية السياسية الثقافية الديمقراطية.
رابعا- تطبيق التسامح يعني الاعتراف لكل واحد بحقه في حرية اختيار معتقداته وآراءه وعدم فرض الرأي بالقوة أو بالإكراه. وهكذا كم يتضح كيف ربطت الوثيقة بين مفهوم التسامح والسلام على أساس أن هذا الأخير لن يرسخ كثقافة إلا بوجود الأول. فالتسامح على حد تعبير فدريكو مايور F.Mayor شرط ضروري للسلم ما بين الأفراد كما بين الشعوب وهو بمثابة "التوابل" اللازمة لكل ثقافة للسلام. وبهذا المعنى يكون المثال الأعلى للتسامح هو عامل الناس كما تحب أن يعاملونك. وقد كان المثل الأعلى للديمقراطية اليونانية (يجب أن لا نغضب من شبيهنا إذا تصرف على هواه في ظل القانون). على هذا النحو يمكن اعتبار التسامح هو الشرط الأولي لكل عيش اجتماعي مشترك ممكن ومستقر, ينتهج طريق واساليب سلمية عقلانية رشيدة في حل مشاكله ونزاعاته التي لا سبيل الى تجاوزها , وهذا لا يتم الا بالتفاوض والتفاهم والحوار الايجابي بين الفاعلين الاجتماعيين في سبيل تحقيق العدالة والإنصاف وتكافؤ الفرص بين جميع الاطراف هذا معناه ان أي حوارا وتفاوضا لا يمكنه أن يقوم ويتحقق وينمو ويزدهر ويثمر بدون التسامح والاعتراف المتبادل بين الأطراف بالأهلية والقيمة والندية والقدرة والسلطة والنفوذ بما يكفل لكل طرف من الاطراف قول رأيه والتعبير عما يعتقده صوابا بحرية كاملة وظروف متكافئة , فالتسامح هو الشرط الضروري للتعايش والعيش بسلام والتفاهم بشأن المشكلات والأزمات التي تنشأ في سياق الحياة الاجتماعية للناس الساعيين وراء اشباع حاجاتهم وتامين شروط حياتهم . ويمكن تلخيص أهم شرط من شروط التسامح في الآتي: الاعتراف بقيمة الآخر وجدارته ونديته وحقوقه المتساوية مع الجميع اعضاء المجتمع المتعين وهو نمط من أنماط العلاقة بين الذات والآخر يعني تكافؤ الفرص والعدالة والإنصاف والاعتراف اذ ان أكبر المساوئ التي يمكن أن تصيب الإنسان هو غياب التقدير والاعتراف و يمكن أن يتحمل المرء كل المصائب الخارجية مقارنة بالاحتقار.
في عملية التسامح، لا بد من تأصيل وتجذير قيم التفاهم المتبادل، التي تمكننا من معرفة بعضنا البعض بطرق مختلفة، فهم وقبول قائم على معرفة أهداف ومبررات تفاعل الغير معنا، ونزعة وطبيعة الأشخاص المستهدفين بتسامحنا، الأمر الذي يذكي حالة التفاعل وييسر التقاء وجهات النظر، ويحدد قيمة العلاقات، ويقاربها، ويشحنها بمزيد من المشاعر الإيجابية الدافعة. كما يساهم هذا التفاعل في خلق مستويات عليا في نظام العلاقة، والذي من أهمها حالة الجذب، التي تتساوق بفعل عمق التعايش البيني ورصد نتائجه الإيجابية، والتقليل من أهمية الخسائر، ومستويات التنازلات المقدمة، في سبيل شراكة أفضل. ويلح ذاكر آل جميل على أهمية التدخل الوظيفي الذي لا بد للقائمين على مجال نشر المعارف بين الناس، من قيادات ومبلغين، ومثقفين وتربويين، وغيرهم، لا بد أن يضعوا في حسبانهم ضرورة اختيار الأساليب الفعَّالة، والقادرة على نشر القيم المتقصد تقعيدها في مساحة المستهدفين المستفيدين، والتي منها: أسلوب العدوى الإيجابية: والمقصود بها المقدرة على ضبط إيقاع التوتر الذي تفرضه ردات فعل مجاميع الناس على شيء ما مستفز لها، وأمرها بالتهدئة وعدم الغضب والتهور، ومحاولة تفهم ما يجري بشكل أفضل، والامتثال إلى أحكام العقل والتعقلية، وبذلك تنسرب لبقية الجمهور حالة التهدئة التي يقررها النافذون في أوساط جمهورهم، بشكل عدوى إيجابية متراسلة، تسري بينهم مؤكدة على تسامحهم الأرشد. أما أسلوب الإحياء: فهو رافد معنوي يستهدف التاثير بالإيعاز والإبلاغ المباشر وغير المباشر، يقوم بها فرد أو جهة، لتعزيز قيمة معنوية أو سلوكية، يراد تعميمها في فرد أو جهة، لتكريس تلك القيمة وذاك السلوك. وإذا ما أخذنا التسامح كقيمة أو سلوك نود تعميمه، فإننا سنقوم أولاً بإرسال إشارة بلاغية بأي وسيلة إرسالية كانت، في محاولة لتزكية مفهوم التسامح وأهميته للمستهدفين، والخسارة الفعلية في حين تركه، والنتائج التي نصل إليها عن طريق تطبيقنا لمهمات فعل التسامح، وأي صحة نفسية، وعافية جسدية سنصل إليها إذا أخذنا أنفسنا إلى ساحة التسامح الفسيحة، التي تستوعبنا كما تستوعب الآخرين في فضاءٍ يتنفس الجميع فيه الصعداء. الأسلوب السلوكي الأخير الذي نود ذكره، هو أسلوب الاقتداء: وهو أسلوب تأثيري بالغ الأهمية، ودوره في الأفراد والفئات الاجتماعية التي تتعلق برموزها، التاريخية والدينية والاجتماعية والسياسة وأي فاعل قيادي في شخص أو في جمهور من الناس، تمارس فعل الهيمنة الإيجابية، وتؤثر فيها بأي شكل من أشكال التأثير، الذي يفترض بأن لها طبيعة النفاذ الضمني، والتأثير الأبلغ، والتي باستطاعتها فرض نوع من المحاكاة والتقليد لها، قولاً وفعلاً، خصوصاً إذا كان تصور التابعين لهذه القيادة، يرون فيها الكاريزما (القيادية) المثالية، المكتملة، وتحمل صدقية عالية في تصورهم، ونسبية عالية من الانطباق بين القول والفعل في مكون شخصياتهم، مما يؤدي إلى مستوى عالٍ من الاقتداء. بحسب ذاكر آل جميل.
والتسامح بإيجاز يهدف إلى إيجاد الحد الأدنى من التعايش بين الناس الذين يعيشون الحاضر وهو بذلك يختلف عن التصالح الذي يتحدث عن الماضي بكل عرجه وبجره اذ بدون التصالح يستحيل العيش في مجتمع مستقر.
معنى التصالح : هو تصالح المرء مع ذاته ومع تاريخه مع اهله ومع جيرانه ومع الاخرين خصوم, منافسين , فعليين او متخيلين , وكل ما يعتقدهم مختلفين او مغايرين ممن يتقاسم معهم العيش المشترك في المجتمع كضرورة لا مفر منها , اذ يستحيل ان يتعايش مجموعة من الناس في مكان وزمان ممكنيين وهم في حالة تنافر وتنازع وصراع مستمر, هذا معناه ان التصالح ليس هبة او مكرمة او أمر عابر قابل للمساومة والتوفقات والرغبات, بل هو اول شروط الحياة الاجتماعية الممكنة في حدها الادنى , انه شرط سابق للعيش في الحاضر, وضرورة لا مفر منها للجميع, لايعني كما يعتقد البعض عفئ الله عما سلف , وتوافقنا واتفاقنا التنازل عن خصوماتنا التي لم تكن بارادتنا واختيارنا واعني هنا الخصومات السياسية والايديولوجية السابقة العنفية المتعددة بكل انماطها واطرافه وأثارها التصالح من حيث هو قيمة اخلاقية ثقافية سيكولوجية عظيمة الاهمية والتصالح المقصود هنا هو ان ندرك حقيقة وضعنا وان نفهم ونعي الاسبابا لعميقة والدقيقة التي افضت بنا الى ما نحن فيه من حال ومآل فاجع ومصير كارثي ونتعلم من اخطائنا, واذا كان التصالح يتصل بالماضي ومعناه فانه الشرط الضروري للتسامح الذي يعني الحاضر ويتصل بالآني الفوري الراهن الحي المباشر من هنا يعد التسامح ضرورة العيش الفعال والمشجع في الحاضر العادل الأمن المستقر الذي يجعل من الانتقال الى المستقبل أمر ممكنا, بما يوفره من بيئة سلمية مستقرة وسليمة ومتعافية صالحة للتضامن والتعاون والتعاضد والتراحم والتأزر وتأليب الجهود والطاقات في سبيل تأسيس المداميك للمجتمع الذي نريد ان نكونه , مجتمع المستقبل ودولته العادلة الآمنة المستقرة المزدهرة . وبهذا المعنى يكون التضامن , مرتبة قائمة على البناء الايجابي الفعال للعلاقات الاجتماعية بين الفاعليين باتجاه المستقبل المنشود . هكذا يمكن لنا فهم العلاقة الجدلية بين هذا الثالوث المتناسق والمترابط والمتشابك في علاقة عضوية وظيفية متلازمة ومتبادلة التأثير والتأثر والدعم والاسناد, اقصد التصالح والتسامح والتضامن .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.