كشف توقيف السلطات الفرنسية للساخر ديودونيه، حجم الارتباك الذي تعيشه فرنسا بعد أن أصبحت "حرية التعبير" على الشبكات الاجتماعية ممنوعة. أثار توقيف الشرطة الفرنسية للفكاهي ديودونيه بتهمة الإشادة بالإرهاب بعد تدوينة له على صفحته الشخصية على فيسبوك جدلا واسعا انتقد ازدواجية المعايير الفرنسية في ما يخص حرية التعبير. وكتب ديودونيه على صفحته على فيسبوك “أشعر أني شارلي كوليبالي” (كوليبالي نفذ هجوما استهدف متجرا يهوديا في باريس)، وتهكم على المسيرة المليونية لتكريم ضحايا الهجمات في باريس. وفي تصريح على فيسبوك تم محوه لاحقا أكد ديودونيه أنه شارك في التظاهرة التاريخية الأحد لتكريم ضحايا الإرهاب، لكن بطريقة ساخرة، واصفا إياها بأنها “لحظة ساحرة كالبيغ بانغ”. وتوعد وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف بملاحقة ديودونيه قائلا: “أخطط لاتخاذ إجراءات قاسية حيال هذا التعليق الذي يعكس عدم المسؤولية، وعدم الاحترام ورغبة في بث الكراهية والانقسام… وسأبحث مع الإدارة القانونية والإدارة الخاصة بالحريات العامة بالداخلية كيفية ملاحقته”. وكشف الاعتداء الإرهابي على الصحيفة الفرنسية الساخرة “شارلي إيبدو” انقساما واضحا في المجتمع الدولي، فهناك من رفع شعار “أنا شارلي” كرمز لحرية التعبير، وفي المقابل رفع آخرون شعار “أنا لست شارلي”، معتبرين ما قامت به الصحيفة الفرنسية ضربا من الاستفزاز لمشاعر ملايين المسلمين حول العالم. وديودونيه فكاهي ساخر وجهت إليه من قبل اتهامات بمعاداة السامية ويعرف ديدونيه بسخريته من اليهود وتشكيكه الدائم في الهولوكوست.
ديودونيه: المسيرة المليونية تشبه لحظة ساحرة كالبيغ بانغ
وكان الفكاهي الساخر دعا في فيديو سابق عام 2010 إلى الإفراج عن يوسف فوفانا الذي أدين بتهمة قتل الشاب اليهودي إيلان حليمي في فرنسا في عام 2006. وابتكر ديودونيه حركة “كينيل” Quenelle التي شبهها الكثيرون بتحية هتلر النازية، وهي حركة احتجاجية ضد العنصرية وقلدها كثيرون منهم لاعب الكرة الفرنسي المحترف نيكولا أنيلكا، الذي أداها العام الماضي في إحدى مباريات الدوري الإنكليزي. وفي أواخر سنة 2013 منع القضاء عددا من عروض ديودونيه، فيما فتح تحقيق في يوليو بسبب تهربه من الضرائب واستغلاله المال العام. وأعرب بعض الفرنسيين على تويتر عن امتعاضهم من سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع مسألة حرية التعبير خاصة مع إيقاف ديودونيه، إذ أطلق الفرنسيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي خاصة تويتر حملة “أنا ديودنيه” لتقارع حملة “أنا شارلي”، وبات ديودينه رمزا جديدا لحرية التعبير بعد أن استخدم كلمات عبر فيها عن وجهة نظر معينة عبر صفحته على فيسبوك. وكان تصريح الصحفية الفرنسية نتالي سان التي اعتبرت أن “كل ما هو خارج شارلي إيبدو لا يمكن استيعابه في إطار حرية التعبير”، أصبح مادة للتندر في مواقع التواصل الاجتماعي. ويرى البعض أن فرنسا “المرتبكة” تتعامل بمعايير مزدوجة في بلد يقولون إنه يعيش مناخا حرا ضامنا لجميع أشكال التعبير، وطالما أدان المجتمعات الدكتاتورية التي تقمع أفكار نخبها. لكن هذا الصرح الأفلاطوني بدأ يتهاوى بسبب الانقسام الاجتماعي على خلفية هجوم شارلي إيبدو، وبات هناك خلط واضح بين حرية التعبير والإرهاب. وأثارت دعوات تطالب بوضع قوانين أكثر تشددا لمكافحة الإرهاب، جدلا، وقوبلت باعتراضات من جهات عديدة نظرا إلى أنها تستهدف الرقابة على الاتصالات والإنترنت، وبالتالي “حرية التعبير”، في حد ذاتها. خطوة عدها البعض ضربة استباقية لوسائل الإعلام الاجتماعي التي عوضت بشكل ما المدونات في عرض الأفكار وتسويقها لأكثر عدد من المتابعين، فعدد مستخدمي “فيسبوك” فقط تجاوز المليار شخص. ويبدو أن المعركة القادمة في فرنسا لن تكون فقط محاربة الإرهاب والتطرف بل أيضا حرب “الدفاع عن حرية التعبير” التي تفتخر بها المجتمعات الديمقراطيةعلى خلفية شيوع حالة من الهيستيريا الإعلاميّة والسياسيّة التي عمّت عددا من الدول الأوروبية. وأصدر القضاء الفرنسي للمرة الأولى إدانات بتهمة تبرير الإرهاب، وهي جريمة أدرجت أخيرا في القانون الجنائي الفرنسي. وفي تولوز حكم على شاب في ال21 من العمر بالسجن 10 أشهر، لأنه هتف في المترو متضامنا مع الأخوين كواشي، منفذي الهجوم على صحيفة شارلي إبيدو. وفي تولون -جنوبفرنسا- حكم على شاب، 27 عاما، بالسجن عاما بعدما نشر على صفحته على فيسبوك صورا لإرهابيين وتصريحات تبرر هجمات باريس. وفى سترازبورع -شمال شرق- أجلت محاكمة رجلين بالتهمة نفسها وأبقيا رهن الحجز، الأول نشر على صفحته على فيسبوك صورة بندقية وذخائر وتعليقا بخط اليد يقول “قبلات حارة من سوريا، باي باي شارلي”، واتهم الثاني بأنه وجه الكلام مرتين إلى عناصر شرطة أمام مركز شرطة هاتفا “مئة بالمئة كواشي”.