يعتب الكثيرون على كتّاب الرأي السياسي، لماذا ينصب اهتمامهم على الشأن الخارجي قبل الداخلي وخاصة العلاقات الاقتصادية والسياسية مع أن المعالجات الداخلية التي ينشرها كتّاب الرأي المحلي أكثر من كتّاب الرأي للشؤون الخارجية.. من أجل أن نفهم الأسباب علينا إدراك أن العالم مترابط بشكل لم يحدث في التاريخ لأن التطور التقني وإيقاف الحروب وتحويلها إلى علاقات مصالح، أدت إلى خلق أجواء تتعدى الصراعات الايدلوجية، إلى مبدأ التنافس، ولذلك سيغيب خلال العقود القادمة احتكار القوة من طرف واحد، أو طرفين، كما اعتدنا على مراحل ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى آفاق بروز آسيا كقوة جديدة تلحقها نماذج في أمريكا اللاتينية لتضع أقدامها في سلالم القوتين التقنية والاقتصادية، واستغلال الموارد وتطوير البنى التحتية وتوسيع دوائر التعليم والبحث العلمي، وهي ظاهرة عالم تتسارع فيه القوة الاقتصادية على القوة العسكرية.. المثال الذي يطرح دائماً كيف أصبح الاقتصاد الصيني أسرع نمواً من غيره ليصعد للمركز الثاني متخطياً اليابان وألمانيا، وتتحول صادراتها إلى المعمورة بدفع قوي حتى وصلت إلى حد طرد الكثير من البضائع من أسواق دول صناعية كبرى مثل أمريكا وأوروبا، لتجد أن الاستثمار في هذا البلد الكبير، أفضل من منافسته على سلع لا تستطيع مصانع تلك الدول منافستها بالسعر وتدفق الانتاج مما دفعها إلى المشاركة والاستثمار حتى يمكن موازنة المعاملات بينهم، ومع ذلك لم تكن الصين مجرد دولة انتاج وتصدير، بل سوق هائلة لاستيراد بضائع أخرى، ومواد أولية تحرك بها مصانعها، بل وغيرت بوصلتها من قطاع اقتصاد داخلي إلى توسيع استثماراتها في بلدان خارج اهتمام الدول الغنية مثل قارة افريقيا ومحيطها الآسيوي وأمريكا الجنوبية لتدق ناقوس الخطر بأن تتحول إلى قطب أول في العالم خلال العقود القادمة.. الهند لا تملك ديناميكية وسرعة النمو الصيني رغم أن نظامها السياسي ديموقراطي بينما الصين يديرها الحزب الشيوعي بدكتاتوريته التقليدية، غير أن الهند لازالت في كثير من سياساتها الاقتصادية تعتمد منهج الاقتصاد الموجه من الدولة وحزبها الحاكم، ولذلك يأتي نموها متوسطاً حيث لا تزال الزراعة والبرمجيات التي تعد متقدمة بها والتعدين وصناعة السينما، هي المحور الأساسي، بنفس الوقت لا يزال على خط الفقر من شعبها ما يقارب 30٪ رغم غنى أرضها، ويصعب القول إن السبب نوعي بين قدرة الصيني على اكتساب المعرفة وطاقة العمل اللذين يفتقدهما الهندي، وهذا ليس صحيحاً ولا يعود السبب لنظام سياسي، وإنما اجتماعي حيث نسبة العاطلين والأميين بين الهنود أكثر من الصين، ومع ذلك هناك من يراها تتقدم سريعاً ومنافساً في المستقبل للصين.. نموذج البلدين وغيرهما ممن نوجه كل علاقاتنا معهم يضيف لنا بعداً دولياً على كل المستويات خاصة وأننا نعتمد المورد النفطي الواحد وضرورة توسيع اقتصادنا ومواردنا حتى لا نعتمد على سلعة واحدة فرض أن نهتم بكل العالم في استيراد تجاربهم وفتح أسواقهم ومشاركتهم في توطين مختلف النشاطات التي تنقلنا من الاقتصاد الريعي إلى الانتاج وتعدد مصادر الدخل، وهو اهتمام عند أي كاتب أو غيره لا يقل أهمية عن الشأن الداخلي.. *نقلاً عن "الرياض" السعودية