بعد أن توسمت الشعوب العربية خيراً عقب قيام ثورات الربيع العربي ولاح في الأفق بصيص أمل لاحترام الإنسان وحقوقه التي كفلتها له الاتفاقيات والصكوك الدولية ، جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن ، ازدادت حدة انتهاكات حقوق الإنسان بشكل ملفت للنظر كٌممت الأفواه وصودر الحق في التعبير . اليمن أيضاً نالت نصيبها الوافر من تلك الانتهاكات فقد طالت الكل دون تفريق ، فلم ينجُ منها شاب أو امرأة أو طفل ونال الإعلاميون والصحافيون نصيب الأسد من تلك الانتهاكات ، فمهنتهم هي مهنة (البحث عن المتاعب ) وبحسب مؤسسة حرية للحقوق والحريات والتطوير الإعلامي ، فقد تم رصد 359 حالة انتهاك تعرض لها صحافيون وإعلاميون ووسائل إعلامية مختلفة في اليمن خلال العام 2014م. قد لا تختلف الانتهاكات الحاصلة اليوم عن مثيلاتها قبيل الثورات العربية ، لكن ليس بالضرورة أن يكون الانتهاك جسدي وليس بالضرورة أن تكون الجهات المنتهكة جهات حكومية ورسمية فاليوم اختلط الحابل بالنابل ، وأصبحت جهات كثيرة رافضة لحرية التعبير ولعمل الصحافيين في نقل الحقائق . هناك العديد من الصحفيين ووسائل الإعلام الذين تعرضوا لانتهاكات ، فالانتهاك قد يكون لفظي أو جسدي ,إغلاق صحف ومصادرتها وكثير من الانتهاكات التي تمارس بحق المواطن والصحفي على حد السواء وعن ما إذا كانت الصحافة هي مهنة البحث عن المتاعب.. تحقيق : لينا الحسني فعلاً يحدثنا الصحفي ماجد الشعيبي قائلاً : لم تعد الصحافة الحديثة مهمة البحث عن المتاعب لكون وسائل الإعلام الحديثة سهلت من عمل الصحفيين بشكل كبير ، وأيضاً أثر ذلك بشكل سلبي على أداء الصحفيين وعلى الصحافة والقارئ بشكل عام ، فالمواد الصحفية التي تنشر اليوم ، خصوصاً في واقعنا في الجنوب لا يبذل فيها محرروها أي جهد أو أي تعب ، فالكثيرون يتحصلون على المعلومات عبر وسائل الاتصال المتنوعة وسهلة الاستخدام ، افتقدنا حقيقة مفهوم أن الصحافة مهمة البحث عن المتاعب لكون الصحافة اليوم ليست صحافة حقيقة تقدم للقارئ الحقيقة وتبذل جهد كبير من أجل تقديم الكثير من الحقائق الهامة ، نحتاج حالياً لصحافة حقيقة وصحفيين متخصصين ووسائل إعلام محترمة ومستقلة كي نستطيع القول أن الصحافة مهمة المتاعب. وعن تجربته التي تعرض فيها للاعتداء كونه صحفي ويمارس عمله الطبيعي يقول : كل ما أتذكر موقف الانتهاكات أشاهدني وأنا أسحل في أحد شوارع عدن بالقوة من قبل جماعات إرهابية لا تفرق بين صحفيين وبين منافسيها من الجماعات الدينية الأخرى التي تتسابق معهم على أحقية تمثل الدين ، لا أحب شرح تجربتي حيال ما تعرضت له ، لكنني أقول أنه يجب على الصحفيين التعامل بحذر في ظل هكذا أوضاع ، فالموت أقرب من ضغطة زر الكاميرا .. وفي الوقت نفسه لا أدعوهم بالتخلي عن عملهم والهروب عن تقديم الواقع والحقائق للقراء ..فمن خلال عملي في أكثر من صحيفة محلية لاحظت أن من يديرون هذه الصحف يخشون من نشر تقارير ومواد صحفية رصدت عن انتهاكات ترتكبها جماعات متطرفة أو غيرها. هناك الكثير من الصحفيين يقدمون حياتهم للخطر ويطالهم الكثير من الانتهاكات ، والمشكلة هنا أن الدولة لم تعد هي الهم الأكبر لدى الصحفيين ، ففي ظل هذه الفوضى والانفلات الأمني يخشى الصحفيون على أنفسهم من مختلف الجماعات المسلحة والكيانات السياسية والدينية المتطرفة . لم تختلف حدة الانتهاكات على الصحفيين لكون ثورة التغيير التي قامت في صنعاء تم وأدها في المهد .. لهذا لم يتغير شيء في المشهد السياسي لكي نقول أن التعامل مع الصحفيين أو غيرهم سوف يختلف! هكذا بدأ حديثه الإعلامي نجيب محفوظ الكلدي واستطرد قائلاً : أيضاً نحن كصحفيين جنوبيين كل القوى المتعاقبة على الحكم في صنعاء كانت ولا زالت تتعامل معنا بالطريقة نفسها من القمع و التهديد ، حيث يتم القمع المباشر للزملاء الصحفيين عند قيامهم بالتغطيات الصحفية سواء في المسيرات والمهرجانات التي تخرج مواكبة للثورة الجنوبية، أو من خلال التهديد والوعيد والتخويف وبطرق عديدة ومتنوعة! ولا شك أن هذا يؤثر كثيراً على العمل الصحفي والإعلامي لكون الصحفي أصبح هو الهدف الأول للسلطات الأمنية "القمعية" بهدف إسكات الصوت الذي ينقل الحقيقة بغية إخفائها. كما أن دائرة الخوف لدى الصحفيين اتسعت، حيث والبلاد تعيش في وضع اللا دولة، وبروز قوى عدة في المشهد السياسي والأمني.. وبهذا قد يكون الصحفي هدف لكثير من الأطراف المتصارعة في البلاد خاصة في حال خالف هواها فيما ينقل وينشر. عن الانتهاكات المؤثرة في عمل الإعلاميين يحدثنا الصحفي أديب السيد : الانتهاكات التي تطال الإعلاميين في الغالب، هي متنوعة، كالتهديدات والمضايقات بل وتصل إلى الاعتداء ، لكنها في الأغلب هي تهديدات يتم ممارستها ضد الإعلاميين لإثنائهم عن دورهم في السلطة الرابعة .. أما بالنسبة للانتهاكات وهل تراجعت بعد 2011م، في الحقيقة - نوعا ما يكون صحيح القول بأنها تراجعت لكن بالنسبة للصحفيين في الجنوب ، فلا يزال التهديد والملاحقة مستمرة ، وعادة إذا توقف أحدنا عند نقطة عسكرية ورأوا بيدك كاميرا أو التقطت صورة ما ، فقد تتعرض حتى للتصفية الجسدية وليس للضرب ومصادرة أغراضك فقط .. لهذا أكاد أجزم أن في الجنوب لا يزال الوضع على ما هو عليه ولم يتغير شيء . ويشاركه الرأي الإعلامي فواز الحنشي بالنسبة للاعتداءات التي يتعرض لها الصحفيون وخاصة في اليمن، تتنوع هذه الاعتداءات بين اعتداء جسدي واعتقال واحتجاز وتهديد وترهيب وفصل تعسفي واختطاف وشروع في قتل ومصادرة صحف، ونهب أدوات الإعلاميين (نهب الكاميرات وتكسيرها أحياناً، ومحاكمة إعلاميين ومؤسسات إعلامية .( أما فيما يخص التأثير على عمل الصحفي، أرى أن هذه الاعتداءات بقدر ما تمثل عليه ضغوطات وخوف وقلق على حياته هي قد تزيده شجاعة وإقداماً على ممارسة عمله بمهنية ويكون ذلك بمثابة تحدٍ في نقل الحقيقة كما هي ، وكشف الزيف والحقد الذي يمارسه المعتدون الذين يريدون إسكات صوت الحقيقة. الاعتداءات بعد 2011 هي لم تخف بل تقل حيناً وتزداد حيناً آخر بحسب الأوضاع التي تعيشها البلد.. فمثلاً بلغ إجمالي الاعتداءات على الصحفيين في العام 2011 ( 333 ) حالة بحسب ما جاء في تقرير " مؤسسة حرية للحقوق والحريات والتطوير الإعلامي" بينما بلغ في العام 2014 ( 359 ) حالة اعتداء. وفي الشهر الأول من عام 2015م بلغ عدد الاعتداءات 25 حالة ، وهذا مع سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء الذين يحاولون قمع كل من يقف في طريقهم، وينذر ذلك بكارثة في التضييق على الحقوق والحريات في الأيام القادمة. وللإعلاميات دورهن ونصيبهن من مهنة البحث عن المتاعب فهي كما تصفها الإعلامية فردوس العلمي : مهنة البحث عن الحقيقة بس بالتأكيد مصحوبة بالمتاعب ، لكنها بالتأكيد هي مهنة المتاعب اللذيذة ما يميز هذه المتاعب أن الصحفي ينسى التعب حينما يرى نتائج موضوعه في عيون القراء . وعما إذا كانت الانتهاكات تطالهن لأنهن نساء أو لطبيعة عملهن كصحفيات تقول : إن الانتهاكات كثيرة وتختلف على حسب ثقافة المنتهكين لحقوق الإعلاميين ، منها إطلاق الرصاص بمختلف أنواعه ، الاعتقال ، الاختطاف ، الإهانة ، الضرب ، الإصابات قصف المباني كل هذا انتهاكات ، إغلاق ومصادرة الصحف وإحراقها وهي تمارس من السلطة أو الجماعات المسلحة أو الفاسدين وأصحاب النفوذ من يسعون دوماً لإخفاء الحقيقة ، بالتأكيد فهذه الانتهاكات تقلل من فرص نقل الحقائق وتنوع الأخبار وبهذه الانتهاكات يكون مصدر الخبر واحد وبهذا تختفي الحقيقة ويسيطر طرف على الوضع .وتؤكد أن الانتهاكات تطالهن للسببين لطبيعة عملهن ولأنهن نساء. فيما تقول الصحفية ميادة سلام عن مهنة الصحافة : بالطبع فهي مهنة كتب عليها أن تسمى مهنة البحث عن المتاعب ومع هذا يحلم بها الكثيرون لأنها مهنة نبيلة بالرغم من أنها محفوفة بالمخاطر .يواجه الكثير من الصحفيين الاعتداءات والانتهاكات كالاعتداء بالضرب والاختطاف والتهديد والطرد والإقصاء ، بل ويصل الأمر أيضاً إلى قتل الصحفيين .. لماذا ؟ .. فقط لأنهم يبحثون عن الحقيقة ويحاولون الحصول على المعلومة التي دائماً يتم حجبها لإعاقتهم من نشر الحقيقة العامة على الرغم من أن قانون الصحافة والمطبوعات يمنع حجب المعلومة ، كما تواجه الصحفية صعوبة كبيرة في نيل حقوقها داخل المؤسسات الصحفية أسوة بزملائها الصحفيين وتضييق فرص الحصول على المناصب الإدارية ، بل وأحياناً كثيرة تواجه إقصاء وتهميش في مجتمع ذكوري بحت .. فنجد أن عدد المؤسسات الإعلامية التي تُديرها الصحفيات لا يتعدى أصابع اليد الواحدة على الرغم من وجود كفاءات كثيرة وقامات صحفية كبيرة تستحق أن تكون في أعلى الهرم الإعلامي. بطبيعة الحال الانتهاكات التي نواجهها تؤثر على عملنا بشكل أو بآخر ، لكن نحاول قدر المستطاع أن نؤدي رسالتنا على أكمل . وبرغم الانتهاكات والمعوقات التي تطال الإعلاميين والوسائل الإعلامية من اعتداء وتهديد بالتصفية والضرب وغلق الصحف والمواقع وحتى القنوات الفضائية ، غير أنهم لا يزالوا يعملون بإصرار لإيصال أصواتهم ونقل الحقائق على أمل أن يأتي يوم ويحترم العمل الصحفي والإعلامي وتختفي أو حتى تقل حدة الانتهاكات على الإعلاميين .