منذ 26 سبتمبر .1962 وكان كل نظام حاكم يحاول الإبقاء عليها في تلك المرحلة مفضّلاً إنشاء الشبكات مطرح المؤسسات، والبطريركية الأبوية السياسية بدلاً عن دولة العدالة والتنافسيّة . وفي الواحد والعشرين من سبتمبر 2014 استطاع الماضي أن يخترق العاصمة وأن يخضعها بقوة السلاح . كان غزواً مسلّحاً مفتقراً لكل شروط بقائه، وممتلئاً بكل أسباب اضمحلاله . إذ لم يعد بالمقدور، في عالم الحداثة الفائقة، أن يتحدث المرء عن الهيمنة باستخدام البندقية المجرّدة . طهارة السلاح صارت جزءاً من الماضي السحيق، حلّت محلها طهارة الابتكار، وغريزة الحرية والتحرير . الميليشيا التي سيطرت على العاصمة، وكانت كلها جزءًا من النظام الذي واجهته 11 فبراير، سقطت في "الوهم الأكثر خطورة "،بتعبير المفكر العسكري الأميركي جوزيف ناي، معتقدةً أن القوة يمكنها أن تصنع الاستقرار، أو تجلب النصر . بدت الميليشيا التي سيطرت على العاصمة وكأنها تخوض حروباً نابوليونية، الجيل الأول من الحروب، معتمدة على حشود البشر المدججين بالبندقية . وبالمعنى العسكري كانت متأخرة حوالي 250 عاماً عن العصور الحديثة . إذ نحن نعيش في زمن الجيل الخامس من الحروب / الصراع : الابتكار، الفرادة، التكنولوجيا، الإرادة السياسية والأخلاقية، والوسائط التكنولوجية، إلخ . فبعد أن دخلت الميليشا صنعاء اكتشفت أنه لم يعُد هناك من جبهة أمامية يمكنها أن تطلق عليها السلاح . وبدا سلاح الحوثي، لأول مرّة منذ أعوام، وليس لديه شيءٌ يفعله . أما المجتمع الحي، مجتمع 11 فبراير، فخرج إلى العلانية مرّة أخرى، وهو لم يعد بمقدوره أن يختفي أو يتلاشى، وحاصر حصاره . 11 فبراير التي أنجبت هذا المجتمع الحيوي واليقظ والشجاع والمغرور هي الثورة الأم، ثورة كل الثورات . فلم يحدث قبلاً أن ثورةً أيقظت كل هذا المستوى من المعرفة والكبرياء والوعي والبسالة والحضور والتحدّي كما فعلت 11 فبراير . لقد نفخت روحاً سحريّة في أمّة مجهدة ومتعبة وتائهة . وكما راهن شباب فرنسا في ليل باريس البارد على الزمن، وعلى التراكم، وعلى بسالتهم، صارخين " نحن الثورة الفرنسية " فإن 11 فبراير قد وضعت شعباً بأكمله على السكة الصحيحة . وفي حالة يقظة نادرة لمجتمع كامل حاولت ميليشيا قادمة من خارج أسوار الأزمنة المعاصرة أن تسرق البلد، وأن تحوّل الشعب اليقظ إلى رعايا . السرقة في وضح النهار، أمام هذا المستوى العالي من اليقظة والانتباه، تبدو أقرب إلى سلوك سكارَى فقدوا إحساسهم بالزمن وضلوا طريقهم . إنها مسألة زمن يا فبراير . ففي الفالق العظيم بين الماضي الذي يرفض أن يموت والحاضر الذي يحاول أن يولد تحدث أعراض مرضية عظيمة . أما القطار فقد غادر المحطّة . *من صفحة الكاتب على الفيس بوك