كنت عابرا في طريق وعر بعض الشيء فالزمني هذا اخذ الحيطة والحذر وقبل كل خطوة عملت حسابي ملتفتا بنظري للبعيد .. فلمحت عن بعد جسدا قصير القامة يتحرك بخفه يميناً تارة وأخرى يسارا رافعا يده بالعالي فتقدمت نحوه بثقة وكلي حذر كي لا أقع بوعورة سبيلي وإذا به صبيا يلهو ويلعب وما بيده كان عبارة عن راية لوطن أسير بيد سجانه أكملت طريقي فإذا بي اسمعه يتمتم شدتني رنات صوته وفاض بي الشجن اقتربت أكثر كي أقراء كلمات دندنته فإذا به يردد كلمات أناشيد ثورية وطنيه أدخلت البهجة لقلبي المثقل وأحسست الأرض من تحتي أقدامي تستوي وثقتي بنفسي ترتقي وتعتلي .. ابتسمت فخطر لي أن اهمس لهذا الصبي بسؤال قصدت فيه الاستهتار ومستصغرآ لعقله فدار بيننا هذا الحديث : أنا : يا ولد لو سمحت هل لي بسؤال الولد : رد بابتسامه مشرقة تحمل معاني الأمل وبكل أدب ليس معتلي رد .. تفضل يا عمي اامر ما تري وسأل ما تشتهي .. أنا : ازددت تعجبا لما يحمل من حسن الرد فتكلمت في داخلي رائع فتعمدت متكبرا مستهزئا بغروري معتلي .. ما اسمك : رد مبتسما وكأنه قراء ما اضمر له وما مقصدي فرد بحنكه ردا أدهشني وهزني : اسمي العدني للجنوب انتمي .. فزاد عنادي بداخلي حلفت أن استمر بحواري له حتى أكسره بسؤال يفوق إدراكه او دون هذا انهار وانتهي .. أنا : وكم عمرك يا عدني .. ابتسم شامخآ كالذي يحفظ الأجوبة قبل ما يسمع أسئلتي الولد : عمري آلاف القرون انقص منها خمسه وعشرون عاما أذرفت فيها الدمعي ولا زلت أصارع ظلمهم بحاضري للحفاظ على تاريخي وحضارتي وكي يرى النور مستقبلي .. أنا : صعقني رد الصبي المعز الآبي فتمتمت بداخلي (( يا الله سبحانك تجعل قوتك في اضعف خلقك )) فيزداد تجبري وزادت كبرتي بآخر سؤال فأما آن اكسر الفارس المقاوم وأما أن استسلم وأعود أدراجي متحسر منهزم ... أنا : يا ولد لله درك أين الطريق للجنوب .. الولد : لماذا تسأل لسوق أنت إليه واردي .. لكني سارد عليك فوجهتك هي نفس وجهتي .. يا عمنا الحكيم .. ردي لك (( الطريق للجنوب ألموطني في ضمير نفسك ونفسي وضمير كل نفس إليه متوجهِ )) هذا آخر سؤالك وآخر ردودي لك فتبعني من هنا واعني أكمل الطريق الذي إليه أوصلتني وكن علي ثقه أنني علي عهدك ودربك لن أتراجع او انحني .. أنا : رغم مرارة الأقدار وعجزي الذي أثقلته هموم السير في الطريق الوعر .. ابتسمت لاني أحسست ان الطريق بعد هذا الصبي قوة من ماضي وشعلة في حاضر والنور للوطن في المستقبل