لم يتمكن الحراك الجنوبي ، ولن يتمكن ، بوضعه الحالي ، من إجراء تقييم موضوعي شامل لتجربته النضالية على مدى ما يقرب من ثمانية أعوام ، لسبب بسيط ، وهو ان الحراك ليس جسما واحدا ، منضبطا ومتماسكا ، تنظيميا وسياسيا. وعلى الرغم من أهمية هذا التقييم في هذا الظرف الدقيق ،إلا ان تسارع الأحداث يستدعي التوافق ، وبصورة عاجلة ، على صيغة عملية للخروج من هذه الدائرة المغلقة بالاستناد الى المعطيات التالية :- 1- وحدة الصف لا تعني التطابق 100٪ ، فهذا حلم لا يسنده الواقع ولا يزكيه التاريخ في اي مجتمع كان. 2- وما دام الامر كذلك فان الخطوة العملية تتمثل في التكتل والائتلاف بين المكونات المتجانسة في الرؤية والاهداف، ولا يوجد ما يمنع تشكيل ائتلاف ( ديمقراطي ) يقابله آخر ( جمهوري ) مثلا ، او ( عمالي ) يقابله آخر ( محافظ ) ،شريطة احترام قواعد اللعبة الديمقراطية وأعراف السياسة. ( بدأت هذه الفكرة بالتبلور على الارض منذ فترة قصيرة ). 3- نستطيع القول إن كل مكونات الحراك تتفق في الهدف النهائي وهو حق شعب الجنوب في استعادة حريته ودولته المستقلة ذات السيادة على حدود عام 90م ، وإن اختلفت العناوين والشعارات. وربما يستثنى من ذلك فصيل واحد لا يعترف بالدولة المطلوب استعادتها ، ويرفع شعارات هلامية تحتمل اكثر من تأويل وأكثر من تفسير ما يدخل القضية الجنوبية في متاهات هي في غنى عنها. 4- حالة التشتت التي يعيشها الحراك تسببت في خسائر كبيرة وأهدرت فرصا كثيرة. وما لم نتجاوزها سيستمر مسلسل الفرص الضائعة. 5- استعادة الدولة ، سواء تمت عبر عملية سياسية ، او عبر فرض الامر الواقع ، تستوجب حشد كل الجهود وتنسيق المواقف للالتفاف حول أهداف الثورة الجنوبية وليس الالتفاف عليها. وما يحدث هذه الأيام من بسط على الارض وسيطرة على المؤسسات ، حتى وان كان يتم تحت عنوان ( تأمين الجزء على طريق تأمين الكل )، لن يكتب له النجاح ، بل ويمكن ان يؤدي الى نتائج عكسية ويؤسس لصراعات بينية ، ما لم يستوف الشرط أعلاه وما لم يأتِ في إطار رؤية واضحة وجهد متكامل. في ضوء كل ذلك ، نرى انه بالإمكان تشكيل ائتلاف موسع يضم كافة المكونات التي تؤمن باستعادة الدولة التي نعرفها والتي يعرفها العالم. ونقول استعادة الدولة وليس استعادة النظام وشتان ما بين الاثنين ، مع الأخذ بعين الاعتبار المسائل التالية :- 1- ما يهم هو الجوهر والهدف النهائي وليس العناوين والشعارات ، وإن كان من المهم توخي الدقة في اختيار المصطلحات والمفاهيم وخاصة عند التعامل مع المجتمع الدولي والاقليمي. 2- استعادة الدولة تعني اول ماتعني، اعادة بناء وإعادة تأهيل البنية التحتية للدولة الجنوبية. مايستوجب المرور بمرحلة انتقالية ، تطول او تقصر بحسب الظروف. 3- الانخراط في الائتلاف لا يفقد المكونات استقلاليتها التنظيمية ، ولكنه يلزمها باحترام ادبيات الائتلاف ، كما يمنع ازدواجية الإنتماء لإطار مماثل. 4- الشفافية والصراحة واحترام ضوابط العمل المؤسسي ، كلها شروط ضرورية لضمان كفاءة الاداء. 5- ترجيح كفة الشباب من الجنسين في مختلف الهيئآت ،على ان تبذل قيادة الائتلاف كل جهد ممكن لتأهيل الشباب. 6- فور تشكيل الائتلاف يتم تكليف هيئة او لجنة محددة للاضطلاع بمهمة الحوار والتفاوض مع الأطراف المعنية محليا واقليميا ودوليا. على ان تمنح هذه الهيئة الصلاحيات اللازمة للقيام بمهامها واستخدام التكتيكات المناسبة في إطار الاستراتيجية المقرة. 7- انشاء جهاز إعلامي فعال يتمتع بالمهنية والموضوعية وان يساهم بصورة إيجابية في تجسيد سياسة الائتلاف واستراتيجيته ويعمل على تعزيز وحدة الصف الجنوبي وكسب الأصدقاء ويتجنب اختلاق عداوات لا مبرر لها. 8- إعطاء قدر اكبر من الاهتمام للعمل السياسي في الداخل والخارج والبحث في التحالفات والتفاهمات الممكنة بما يعظم عناصر القوة ويقلص جوانب الضعف في الجانب الجنوبي ، والعكس في جانب الخصم. 9- تخضع علاقاتنا مع الآخر لحسابات المصلحة العليا للقضية الجنوبية ، وليس لأي حسابات ايديولوجية او مناطقية او تمويلية. 10- السعي من اجل التوقيع على إطار تفاهم مع المكونات الجنوبية المماثلة وصياغة ميثاق شرف يكرس احترام التعدد والرأي الآخر ويقطع الطريق امام ثقافة التخوين وافتعال الصراعات غير المبررة. ملاحظة ، بعد كتابة الموضوع ، تواردت الأنباء حول وصول الرئيس عبدربه منصور هادي الى عدن. وإذا صح ان خروجه لم يأتِ في إطار اتفاق مع الحوثيين ، يكون بذلك قد كسر اكثر من جدار وليس فقط جدار الإقامة الجبرية. وهي خطوة جريئة ستكون لها تداعيات هامة في مختلف المستويات.