حين رحّب مجلس التعاون باتفاق «السلم والشراكة» بعد اقتحام الحوثي للعاصمة اليمنية كان الاستغراب هو السائد، إذ كيف يرتضي المجلس نسف مبادرته بهذا الرضا الفريد ويستكين لسطوة تعني تبدل ملامح اليمن وتحوله إلى حاضن ميليشيا تجعل من صنعاء العاصمة العربية الرابعة التي ترتهن إلى سطوة طهران كما ظهر من ردود الفعل التشنجية التي عبّرت عنها القيادة ووسائل إعلام إيرانية عدة. كان المشهد إعلاناً بسقوط حضور «مجلس التعاون» وخروجه من دائرة التأثير، خصوصاً أن الاتفاق تجاهل المبادرة الخليجية وأسقطها كلياً. مجلس الأمن ومجلس الوزراء السعودي وسفراء الدول العشر جميعهم أملوا بأن يكون هذا الاتفاق مخرجاً لليمن من حال الاضطراب والصراع إلى الاستقرار والمشاركة، مع اليقين المطلق أن الحوثي يسعى إلى التهام السلطة كاملة ولا يريد الاكتفاء بموقع مكوّن يمني يسهم في الفعل السياسي. قيل وقتها إن الرياض مرتبكة ولا خيارات أمامها، وإن طهران حصدت نتاج خطة طويلة وأكملت حصارها على السعودية تحديداً والخليج عموماً، وستشهد الفترات المقبلة تهديدات جدية من كل جانب قد تغير خريطة المنطقة. كان اللافت في البيانات المرحبة أنها، جميعاً، شددت على أن الرئيس هادي هو الشرعية، مع أنه الذي سمح بهذا الاتفاق وأضفى الشرعية الكاملة على الاحتلال، فبدا أن هذه المفردات لا تعدو كونها حيلة العاجز الذي أُرغم على قبول الأمر الواقع ومحاولة المهادنة معه. وفقاً للسياسة السعودية، في رأيي الشخصي، فإنها كانت ترى هذا الاتفاق شأناً داخلياً وتدعمه ما دام هو الرغبة اليمنية، لكنها حددت سياقاته في عدم تجاوز السلطة الشرعية واشترطت اندماجه معها، لذلك ارتفعت نبرة «مجلس التعاون» حدة وصرامة حين تمدد الحوثي واحتجز الرئيس وأعضاء الحكومة، ثم زادت الأمور سوءاً، فسحبت والدول الفاعلة الأخرى ديبلوماسييها وأغلقت سفاراتها وهي إجراءات بدت، حينها، شكلية ومتأخرة وتؤكد هيمنة الحوثي المطلقة. حين أفلت الرئيس هادي من محبسه وتحرر من سجنه ثم سحب استقالته ومارس سلطته بوصفه الرئيس المعترف به، سارعت دول الخليج إلى دعمه عملياً في شكل سريع، فبعثت أمين مجلسها، ثم أوفدت السعودية وقطر سفيريهما لمباشرة أعمالهما من عدن باعتبارها العاصمة الفعلية بحكم كونها مقر الرئيس في انتظار تدفق السفراء الآخرين، ما يجرّد صنعاءالمحتلة من أي تأثير سياسي، ويفقد الحوثي كل أدوات الضغط التي كان ينوي من خلالها تمرير رغباته في الاستحواذ الكامل على كل مفاصل السلطة على أن تبقى مظاهرها الشرعية باقية من دون تأثير. إذا كانت اليمن محل صراع، فمن انتصر؟ هل هي طهران أم الرياض؟ من وجهة نظر سعودية، فالمنتصر هو اليمن الذي يحاول استعادة روحه بعد انكشاف خداع الحوثي وتخلخل تحالفاته، فلم يكن لدى السعودية - طوال العلاقة التاريخية - مع اليمن أية نزعة للهيمنة، بل كانت الرافد والداعم لاستقراره وتحقيق تنميته. ولعل النتائج المتحققة حالياً تفسر البرود الخليجي تجاه اتفاق «السلم والشراكة» استناداً إلى معرفتهم بطبيعة الشعب اليمني العنيد، وعدم خضوعه للاحتلال، ومقاومته الشرسة، وقدرته على طرد الغزاة مهما كانت قوتهم. الدرس المهم أن الصخب لا يصنع واقعاً، لكنه يثير الرعب ويولد التساؤلات، ولعل ما يحدث في اليمن دلالة على أن الذين يعملون بصدق ومحبة ينجحون أخيراً حتى إن حاصرتهم الظنون وتشويه السمعة حيناً من الزمن، ما يعني عودة التفاؤل والثقة والأمل بتغيرات تحمي البلدان العربية من انهيارات تدمر مكوّناتها وتشرّد شعوبها وتنسف اقتصاداتها.