لقد كشفَ الإحتلال اليمني عن وجهه البشع ، وأصبحَ يُجاهر بعدائهِ لكل ما يمت بصلة إلى الجنوب العربي كهوية ، ونسي هذا العدو الأرعن بأنه قد أبرمَ وحدةً مع الجنوب العربي وليس مع جزائر واق الواق ، وأن هذا الجنوب العربي الذي جاءهُ يسعى في ثوب جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية لن يغير جلدهُ ، فهوَ ابنُ حضارةٍ تضربُ أطنابها في عمق التاريخ ، وليس في ذلك التاريخ بصمة يمنيةً مثلما يدّعون ، كما وليس ثمة رابطٍ بين صنعاء عشيقة السل والجرب وعدن حاضبنة التقدم والرقي ، عدن قبلة التجارة والسياحة ، تهوي إليها الأفئدة من مختلف الأمصار ، وكان اليمني فيها مسترزقاً يعيش حالة الإغتراب ، يحضرني في هذه الجزئية بعض الأراجيز التي كُنّ يرددنها زوجات المغتربين اليمنيين ومنها : ( شاقي عدن ماهل هلى كروشه ، قل له يروّح لعنبو قروشه ) . كان اليمن عبارة عن مخاليف تدين بالولاء للعرش الإمامي وليست دولة ، كما لم تكن دولةً ذات يوم ، وربما كان انهيار سد مأرب آخر عهدها بحياة الدولة ، وبالمناسبة فإن 26 سبتمبر لم تكن ثورة بالمعنى المتعارف عليه كثورة 14 أكتوبر التي استغرقت أربع سنواتٍ عجاف ، ويعلم الكل بأن 26 سبتمبر هو انقلابٌ عسكري قادهُ المشير عبدالله السلال المقرب من سيدهِ محمد البدر ، ومن هنا بدأت الخيانة ، وأسست لنظامٍ يقوم على أساسٍ من الغدر المتعاقَب ، والذي مثّل السمة الغالبة لهذا الكيان الهش ، والذي قَبِلَ بنظامٍ جمهوري ترأسه القبيلة ، . هذا ومن الطبيعي أن نفترض حسن النية حيال حديثنا عن الصفوة الجنوبية التي حققت انتصاراً ساحقاً ، وانتزعت بموجبه وثيقة الإستقلال الأول من الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس ، ذلك أن أحداً من تلك الكوكبة لم يكن سعيه لتحقيق مكاسب ذاتية ، ولكنها الوطنية التي تقلدَ وسامها الكل حتى صبيحة يوم 13 يناير من العام 86م ، ولقد كان قبولهم بفكرة يمننة الجنوب هو الخطيئة الغير مقصودة ، وقد وضع السيد علي سالم البيض حداً لهذه المهزلة المأساوية ، وما يزال يحمل شعار تحرير واستقلال الجنوب العربي ليصلح بذلك ما أفسده الدهر ، ومعه يقف أحرار وحرائر الجنوب ممن حصحص الحق في أعينهم ، وتبين لهم زيف الدعاوى الوحدوية الباطلة . اليوم تشهد العاصمة عدن حرب شوارع مذكّرةً بمواجهات الجبهة القومية وجبهة التحرير في ستينيات القرن المنصرم ، الفارق هنا يكمن في أننا هذه المرة مع عدو عابر للحدود ، وطامع في إبادة شعب الجنوب وطمس هويته للإستيلاء على خيرات أرضه ظاهرها وما تحت الثرى ، ولا أرى أثراً للرموز المقاتلة والدهاة العباقرة ، الذين يبالغون في التغاضي ، ويلزمون الصمت في لحظةٍ تاريخيةٍ فارقة تتطلب منهم الكثير ، لقد تركوا الأمر بحذافيره لدول الجوار لتحارب بالوكالة ، ومتى تحقق النصر سيبدأ دورهم على المنلبر وفي قاعات المؤتمرات . أيها الفتيةُ المناضلون البواسل : إن ربع قرنٍ من المعاناة انتهت بشن الحرب لمحوكم من الوجود تكفي لأن تدركوا بأن هذا العدو الغاشم يقاتل تحت شعار " الثروة أو الموت " وهذا يعني الفناء المحقق لليمني في حال انسلت ثروة الجنوب من بين أصابعه ، فالدعم الخليجي الذي كان يستجيب لسد حاجاته لم يعد في حكم المتاح ، وموارد اليمن معروفة بشحتها ناهيك عن القات وما أدراك ما القات ، وعليه فإن المواجهة مع هذا العدو تحمل معنى أن نكون أو لا نكون ، وأن نتمثل العبرة في قول الشاعر : وإذا لم يكن من الموت بُدُّ ، فمن العار أن تموتَ جبانا .