أثارني مقال نشر في موقع عدن الغد بتاريخ 14 أبريل 2015 للدكتور عيدروس النقيب بعنوان... " أرجوكم . . . لا نريد جيشا وطنيا !. و أقتبس الجمل التالية من هذا المقال : ""قال أحد المقربين من الرئيس عبدربه منصور هادي أنه وبعد انتهاء الأعمال العسكرية الجارية في البلد سيبدأ "العمل على بناء جيش وطني يمني ". يحمي الوطن والمواطنين ولا يعمل ضدهم " و قد رأى النقيب أن عبارة "الجيش الوطني " هي عبارة مراوغة ومظللة ولا تعكس بالضرورة ما تعنيه المفردتان المكونتان لها "". حقيقة أن كلمة "جيش وطني " يغفل الناس عن فهم معناها الحقيقي. فكل الدول التي تحكمها أنظمة ديمقراطية مدنية أو دكتاتورية (شخصية أو حزبية) , أو ملكية .. جميعها تسم جيشها بالجيش الوطني. و لذلك درج الناس على فهم أن الجيش الوطني يعني عادة مصطلح الجيش الشرعي للدولة , أو النظام الحاكم. تمييزا له عن جيوش المتمردين أو المرتزقة , أو الجيوش الخاصة.
و من التعاريف القليلة التي وجدتها لمصطلح الجيش الوطني , أن الجيش الوطني ، هو قوة عسكرية من الأفراد هدفها الأساسي حماية الوطن و الحدود و أمن المواطن و يشارك في العمليات العسكرية ضد العدو و في الكوارث البيئية ، (((و ليس له أي توجه سياسي أو عرقي أو عقائدي))) . و لو نضرنا إلى العديد من جيوش العالم من منطلق هذا التعريف " فهي تقوم بقتل المواطنين لصالح القائد أو الرئيس لحماية منصبه و لحماية مصالح القادة الذين يتعيشون من أموال النظام هذا ، و تقوم هذه "الجيوش " بتخزين السلاح عبر صفقات مشبوهة لاستعمالها ضد الشعب نفسه . و عندما يصبح الجيش أداة للحاكم (فردا أو حزبا) في البطش بالمواطنين يصبح أفراد "الجيش " مثل أفراد الشركات الأمنية التي تقتل بمقابل مالي ، و ينعدم لديهم الحس الوطني و الولاء للوطن. و نلاحظ أن البلدان المستقرة سياسيا هي التي تنظم قوانينها و دساتيرها دور الجيش في حماية الوطن و النأي به عن التحزب و السياسة.
و الآن لنستعرض تطور الجيش الجنوبي منذ العهد البريطاني حتى قبيل الوحدة اليمينة. الجيش البريطاني الذي أحتل عدن كان في قوامه عدد من الضباط و الجنود الهنود لأن عدن وقتها كانت تدار من قبل حكومة الهند البريطانية. و لم تأتمن بريطانيا تسجيل أي عربي (السكان المحليون لعدن و المحميات و اليمن) في جيشها. لكنها بعد مضي حوالي 80 عاما منذ احتلالها لعدن , و بدء مد علاقتها بالدواخل أو ما سمي لاحقا بالمحميات , فكرت في إنشاء قوات مسلحة عربية. فأنشأت ما سمي بالكتيبة اليمنية الأولى في عام 1918 و التي ارتكزت على قوة عسكرية في عام 1917 سميت الكتيبة العربية. استوعبت الكتيبة اليمنية الأولى بشكل استثنائي مجندون من اليمن و من المحميات على حد سواء و كانت قوة نظامية زيا و تسليحا و تدريبا.
لم تدم الكتيبة هذه طويلا فحلت بعد سنوات و أنشأت بريطانيا بعدها ما عرف "بجيش محمية عدن " و أشتهر بكلمة "الليوي " و هي تحريف لكمة Levies " و تعني جيشا. و في كلتا القوتين كان من أسسهما البريطاني الكابتن ليك. كما أنشأت " قوة شرطة ريفية باسم "حرس الحكومة " و في كلا القوتين حصرت الانخراط فيهما لأبناء مستعمرة عدن و المحميات. كما تحيزت بريطانيا في التجنيد فيهما لصالح العوالق و العواذل. و بلغت نسبة العوالق في أي من القوتين أكثر منن 30 % . فكان جيشا فيه خلل في التوزيع الوطني لمنتسبيه . و لم يكن جيشا وطنيا بأي حال بل قوة مسلحة تخدم المصالح الاستعمارية البريطانية. فسهام في دك منازل المناوئين لبريطانيا من قبائل المحميات. حتى بعد إنشاء الاتحاد الفدرالي بين السلطنات و المشيخات المختلقة كان قائده بريطانيا. و بغض النظر عن طبيعة دور جيش الليوي ؛ فقد كان أداة بريطانية لتطوير حياة الناس في المحميات. فقد عرفوا معنى الراتب الشهري و التغيير في المأكل و الملبس و التعليم و الصحة..إلخ. و مر الجيش بمراحل تطور سياسي حتى أصبح جيشا للإتحاد الفدرالي .. و بقى تحت هذا المسمى حتى نيل الجنوب استقلاله عن بريطانيا. مع دخول الجنوب و عدن بالذات مرحلة الكفاح المسلح ضد بريطانيا في عام 1963 , تسيّس الجيش هذا... ليس ضد بريطانيا ؛ بل ضد أخوانه مقاتلي حرب التحرير ضد بريطانيا إنسامجا مع الأهداف البريطانية لتسليم السلطة للجبهة القومية. و من المعروف أن الجيش هذا قصم ظهر جبهة التحرير في تلك الحرب حتى يصفى الجو للجبهة القومية, و رغم أن للجيش قائدا عربيا.. إلا أن الجيش كان مشرفا عليه الزعيم داي البريطاني و لن يتحرك إلا بإذنه. بعد الاستقلال تنكرت الجبهة القومية للضباط اللذين وقفوا معها .. فسرحتهم من الخدمة .. و دبرت اغتيال عدد منهم. كما أن الأحقاد ضد العوالق في صدور أقرانهم من المناطق الأخرى بسبب تاريخ كثرتهم في الجيش , قادت إلى تسريحهم بالتدريج و سجنهم في عام 1968 و كسر شوكتهم بعد ذلك , وبدأ الشرخ الوطني في تركيبة الجيش هذا في التوسع. بعد إنشاء الحزب الاشتراكي اليمني في عام 1978 من طراز جديد , أنتشر تسييس الضباط و الجنود , فتشكلت المنظمات القاعدية الحزبية في كل مستوىاته. و تم نشر العقيدة الماركسية اللينينة في أوساطه و حصر التجنيد فيه على أبناء العمال و الفلاحين , ليصبح كما كانت تقول أدبيات الحزب الاشتراكي جيشا للبروليتاريا (يقصد كارل ماركس بالبروليتاريا الطبقة التي لا تملك أي وسائل إنتاج وتعيش من بيع مجهودها العضلي أو الفكري). و لذلك تنتفي عنه صفة الوطنية هنا. فأصبح الجيش "جيشا للحزب الاشتراكي اليمنى " و ليس وطنيا بأي حال. و أستخدمه الحزب لتنفيذ تبعات اعتناقه لعقيدة الماركسية اللينينة , و لينغص حياة الجيران الذي يصفهم بالقوى الرجعية و الظلامية , من خلال افتعال الحروب معهم. مثل الجمهورية العربية اليمنية و سلطنة عمان و المملكة العربية السعودية. هذا إلى جانب دعم الجبهة الوطنية التي قاتلت نظام الجمهورية العربية اليمنية, و جبهة تحرير عمان التي كانت تقاتل قوات سلطنة عمان. و لم يكتف الحزب بحروب الجيران فأرسل الجيش هذا ليحارب مع الرفيق الرئيس الماركسي الأثيوبي " منجستو هيلا ميريام " و ضد من ؟ ضد الصومال بسبب النزاع حول إقليم أوجادين. كما أرسل هذا الجيش إلى ليبيا لمقاتلة القوات التشادية الموالية للرئيس حسين حبري. و لم يكن هناك أي عداء بيننا و الصومال و لا التشاد و لا توجد بيننا وبينها أية حدود حتى تعتدي عليها. و خلال الصراعات بين أجنحة الحزب الاشتراكي التي كانت تحصل بمعدل كل خمس سنوات تقريبا .. كان الجيش هذا ينال نصيبه من الخسائر البشرية و المعنوية , بسبب الاقتتال بين المؤيدين من منتسبيه للأجنحة السياسية المتصارعة في الحزب '... ثم يلي ذلك تسريح الضباط و الرتب الأخرى بسبب انتمائهم الحزبي و احتسابه على الطرف المهزوم. و كل هذا بسبب تسييس الجيش و لذلك تنتفي عنه صفة الوطنية.