أصبح في حكم الواضح أن اطماع فرقاء الأزمة اليمنية بتوزيعهم الجديد المتشكل عقب فرار الرئيس عبدربه منصور هادي إلى مدينة عدن ثم إلى العاصمة السعودية الرياض وعقب اقرار الضربات الجوية التي ينفذها التحالف العربي تحت مسمى عاصفة الحزم . أصبح واضحا أن اطماع هؤلاء الفرقاء تبدو أبعد من حيثيات الوضع كما يتخذه مشهد الأزمة على المستويين السياسي والجغرافي من جهة وعلى المستويين الداخلي والدولي من جهة أخرى .. فالرئيس هادي الذي يحلم بحكم "يمن جديد" ، ويحلم وفقاً لآخر خطاب رئاسي ألقاه في مدينة عدن بأن يرى علم الجمهورية يرفرف بمعقل حركة الحوثيين بمدينة مران ، هذا الرئيس لا يملك إلى الآن وضع قتالي مفهوم على جبهات الحرب التي تصنف إعلاميا بأنها جبهة موالاة عسكرية للشرعية الدستورية المستهدفة من قبل الغزو الحوثي ، وهو يفتقد حتى اللحظة إلى تشكيل عسكري منظم يتحرك بسلاسة داخل جبهات تلك الحرب ويرتبط عضويا بادوات داخلية يهيمن عليها هذا الرئيس الذي يدير جبهته الحربية من العاصمة السعودية الرياض .
وهذا التحليل هو ما يفسر حال الفوضى القتالية التي تتفشى في جبهة الدفاع عن الشرعية فهي لا زالت حتى اليوم تفتقر الى الإنسجام في اي شيء ضروري من تنسيق وتوجيه وتسيير واتصال وتموين .. ويزيد من معاناة الرئيس الصوري لتلك الجبهة بروز تلك التشكيلات القيادية العسكرية الميدانية تحت مسميات المجالس العسكرية التي نشات خارج اي قناة سياسية او عسكرية يتحكم بترتيباتها الرئيس هادي بواسطة اعوانه المنصبين في الداخل ، وتزداد المخاوف بان تلك التكوينات قد نشات بصفة نائية عن القبضة العملياتية التي يملكها الرئيس هادي بواسطة قيادة المنطقة الرابعة وقيادة اللجان الشعبية المسماه من قبله والتي يفترض أن يتشكل من خلالهما الرابط التوجيهي بين المقاومة والرئيس .
ولذلك يظهر أن تقصير وقت الحرب لن يكون حتماً في مصلحة الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي فهو أحوج ما يكون اليوم إلى مد فتيل الحرب ريثما يستعيد شيء من قدراته الداخلية التي تمكنه من اخصاب وضع الفوضى التي تشهده ساحة المقاومة الجنوبية كي يستخرج منها بنية قتالية ثابتة يكون ولائها الأكيد لمشروع الدفاع عن الشرعية الدستورية التي لا زال يمثلها رغم اضطراره إلى ترك الوطن والمغادرة إلى الخارج ..
وفي الطرف المقابل فان عبدالملك الحوثي والذي نكتشف يوما بعد يوم انه ملتزم بحلم الهلال الشيعي الكبير ، هيهات أن يتطلع إلى شرق المملكة العربية السعودية كخطوة في الطريق إلى قلب الهلال الشيعي في طهران وهو يفتقد السيطرة على مساحات شاسعة من أراضي الجمهورية اليمنية ويفقد زمام المبادرة في حرب تقع فيها جميع القوات التي تاتمر بأمره تحت طائلة القصف اليومي الذي تنفذه طائرات الدول المتحدة في عاصفة الحزم ..
بينما يستحيل أن نتصور الرئيس السابق علي عبدالله صالح مستردا حكم اليمن سواء بشكل مباشر او غير مباشر بواسطة نجله العميد احمد علي عبدالله صالح ومستردا تركته في هذا الحكم بارتداد زمني يتقهقر خلف الثاني والعشرين من مايو 1990م .. فهنا يتعذر الفصل وتجزئة غرام الرئيس السابق بالسلطة والوحدة معا خصوصاً وانه قد أودع كل أسهمه السياسية والاقتصادية والحياتية في مغامرة وجودية ورمى بكل قدراته الشاملة في مواجهة مصيرية بعد أن تحالف مع الحوثيين في حرب طرفها المقابل هو المملكة العربية السعودية ، وبالتالي نستنتج إن الحلف الحوفشاني يفتقر كذلك إلى الوقت الكافي لتحسين ظروف الحرب وهو بحاجة ملحة الى مد اجلها كي تكون صالحة لتقبل شروط وإمكانيات تحقيق اهدافه المرجوة منها ، وحتى تكون قابلة لاحتمالات انقلاب موازين الصراع لصالح اطماعه التي يستحيل أن تتحقق من حرب خاطفة قصيرة وغير متكافئة مع خصم يمتلك التفوق النوعي في الامكانات العسكرية بانواعها الجوية و البحرية والبرية ..
كما ان اللاعبين الدوليين الفاعلين في الأزمة اليمنية لم يبصروا مبتغاهم يتموضع حتى الان في ترجمة ميدانية يمكن أن تشجعهم على دعم التهدئة ونزع فتيل الحرب .. فايران لا تعنيها أراضي العربية السعيدة مالم يتصل نفوذها هناك بقدرات على ايلام العربية السعودية وايلام العالم من خلال التحكم بممر باب المندب .. ولا يبدو أن حال الحوثيين الآن بسيطرة جزئية على اراضي اليمن يشبع غرور الجمهورية الإسلامية بتحقيق تلك السيطرة الاستراتيجية التي تعزز من دورها إقليميا ودولياً ، حيث لا يزال حلفائها الحوثيون على رقعة الشطرنج وفي وضع اشتباك دائم لم يتوصلوا منه الى نقطة تطبيع ناجحة في اي من محافظاتالجنوب التي احتلوها حتى الآن .
وعلى المدى القصير لن يقنع إيران أن تصل عاصفة الحزم إلى نتائج حاسمة في تقليم أظافر الحلم الإيراني بتحجيم الظاهرة الحوثية تحجيما يمنع عنها ترف المبادرة في الشأن الحربي بشكل نهائي في المستقبل ، ولذلك ستعمل إيران على تجنب وقف الحرب اليمنية بأي شكل يضمن الا تنتهي الحرب بهذا المشهد الذي يتلقى فيه الحوثيون ضربات مؤلمة جراء القصف الذي تنفذه طائرات التحالف العربي ، فهو مشهد شديد الدلالة على أن حلفائها المحليين يخسرون المعركة بشكل يتعذر على إيران أن تقبله كخاتمة حرب تمثل رأسا في أطماعها التاريخية في المنطقة .
وعلى جبهة الساند الرئيسي الدولي لهذا الحلف لا يملك الروس أي مصالح ذاتية ذات ملامح واضحة في جنوب شبه الجزيرة العربية ولا تبدو دواعي مكافحة الارهاب والقرصنة في خليج عدن بالجاذب الكافي للروس لكي يقلبوا بوصلة اطماعهم الأساسية بعيدا عن اوروبا وشرق المتوسط ، لكنهم على استعداد كامل لجعل الأزمة اليمنية جزء من سوق مضاربة سياسية شاملة تحتوي على كل عناصر الصراع الشامل بين روسيا والغرب . وقد تتحول الأزمة اليمنية بالنسبة إلى الروس إلى مقياس حراري لضبط إشكالات العلاقات السعودية الروسية في مفارقاتها التي تحتاج إلى التهدئة في جوانب وإلى التسخين في جوانب أخرى ، وسوف يكون مفيداً للروس أن تسنح لهم فرص فتح ملعب سياسي مؤثر يكون محتوى لشكل التباينات الروسية السعودية في مختلف ملفات السياسة المتداولة بينهما إقليميا ودوليا .
في المقابل تتزايد الشكوك بأن الدور السعودي في اليمن مصاب بالحيرة الناجمة عن قصور التوصيف المتكامل لمشتملات الشان اليمني ، فهو في حقل متناقصات شديدة يحاول أن يبني شبح مقاربة سياسية تختصر الموقف السعودي في توجهات ملوك وليس في استراتيجية مملكة ، وتتجسد أعراض تلك الحيرة في تباين الخطاب الرسمي السعودي بشأن الأهداف المقصودة من تنفيذ التدخل العسكري في اليمن ، وهو تباين يقترب من معنى الارتباك الاستراتيجي في سياسات المملكة تجاه الحزام الحيوي للنفوذ المطلوب بقرب حدودها الجنوبية .. وأخشى أن تؤدي رغبة هذا الدور في أن يصل إلى نقطة وضوح بأي ثمن أخشى أن تدفعه تلك الرغبة إلى الاسترسال في الحرب وذلك كي يتجنب استحقاقات التفكير في كيفية الخروج من حال الحيرة المتلابسة بتقديراته للوضع في اليمن .
وعلى الرغم من نجاح المملكة في فرض معركة جانبية على إيران خارج سياق امكاناتها التي ستتعافى عما قريب عقب الاتفاق على ملفها النووي واستعادة عافيتها الاقتصادية برفع العقوبات المفروضة عليها من قبل الغرب ، وخارج سياق توقيتاتها وقدراتها الامدادية والاسنادية ، ورغم نجاحها في سرقة كل ظروف الحرب المثالية ضد ذراع إقليمي مفترض للجمهورية الإسلامية ، رغم كل ذلك لا تجد عاصفة الحزم سبيلا واضحا إلى نصر كاسح بعد زهاء الشهرين من القصف الذي لم يؤتي ثماره بعد ضد جماعات مغامرة قررت أن تتخذ طريق الهروب الى القمة . ناهيك عن الارتباك الناجم عن محدودية الأعمال الاستخبارية السعودية التي يبدو أنها تعول في مجملها على معلومات مهترئة بالكاد تستجمعها الذاكرة الاستخبارية الموالية للرئيس الشرعي .. وعلى الصعيد السياسي يبدو اضطراب المملكة ملحوظا في الترتيب لحوار الطرشان المنتظر أن ينطلق يومي السادس عشر والسابع عشر من شهر مايو الجاري ، فهذا الحوار الذي سيجري بين مكونات فصيل يمثل طرفا واحدا في الحرب اليمنية هو طرف الشرعيه الدستورية ما هو الا "مونولوج" سياسي يقترب من معنى الملهاة البرتوكولية ، وهو يحتوي فضلا عن ذلك على مخاطر تحدي مسار القرار الأممي رقم (2246) لسنة 2015م والذي يرتسم مسارا للحوار اليمني تتولاه الأمانة العامة للأمم المتحدة بواسطة المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن .. لذلك ووفقاً لتلك الخارطة المعقدة لمصالح الأطراف الدوليين والوطنيين من الحرب اليمنية - اليمنية يتأكد القول ان انتهاء تلك الحرب بعد زهاء شهرين تقريباً من بدأ عاصفة الحزم هو اجراء ضد مصلحة جميع المنخرطين في تلك المعركة ، وان استمرار تلك الحرب هو المصلحة الراجحة التي تتفق عليها نوايا جميع الاطراف سواء في ذلك الاطراف المحليين أو الأطراف الدوليين ،،،