خلال ستين يوماً من بدأ عاصفة الحزم بقصف مواقع الحوثيين وقوات الحرس الجمهوري وانطلاق قطار الحرب اليمنية للعام 2015م ، لم يرافق العاصفة أي مشروع مفهوم لكيفية تموين الجنوبيين المحصورين بين نقاط الاشتباك الناشئة عن تلك الحرب ، ولم نستطع ان نستنتج أي مقاربة عملية للإجابة عن تساؤل مد المترسبين اسفل خط المشتبكين بوسائل العيش التي يتعين حتماً فهم أنها ستقطع من جهة الحوثيين رداً على الصمود الاسطوري الذي أبداه الجنوبيون في صد هجوم الحوافيش على مديريات عدن ومدن الضالع ولحج وأبين .. مرت مدة كافية للموت بين أوساط الجنوبيين جراء قطع وسائل العيش أمام أعين أمراء العاصفة دون أن نسمع صفارات الإنقاذ التي تخيل التوقع السليم انها ستسارع إلى إنعاش الجنوبيين أن تبقى فيهم رمق بعد فترة صبر جاوزت حدود الصبر .. لقد كان محتما على المعنيين بالصمود الجنوبي الاسطوري إدراك حقيقة أن قطاعات سكانية جنوبية كبرى قد اقفرت بالفعل من كل أساسيات الحياة الضرورية بعد ان نفذ مخزون المؤن من أسر يتراوح مستواها الطبقي بين محدودي الدخل وتحت خط الفقر وزادت أزمة الرواتب من ايغال الفاقة بين أوساط أولئك الذين اخرجوا من ديارهم جراء القصف العشوائي الذي طال حواضر سكنية جنوبية على غرار مديريات عدن ولحج والضالع وأبين وشبوة ، وقد أدى وقف الاستيراد في الموانئ والمطارات اليمنية والتضييق على التجارة الخارجية بسبب الحصار البحري غير المعلن ، أديا إلى شل حركة البضائع وافقار آليات السوق واختلال موازين العرض والطلب وظهور بوادر التضخم ، كما أديا الى وقف الخدمات الأساسية ونقص المعروض السلعي إلى مستويات باتت تشكل خطرا حقيقيا على توافر السلع الأساسية كالدقيق والأرز والسكر والالبان وزيت الطبخ .. وعلى الرغم من وضوح تلك المعاناة الإنسانية الجنوبية التي باتت تتحدث عن نفسها بلغة اممية تعبر عن كل لغات الضمير الانساني الدولي ، وعلى الرغم من وابل التحذيرات والبيانات الدولية عن استفحال الازمة الانسانية جراء الحرب في اليمن واقتراب تلك الازمة من مستويات الكارثة الإنسانية بما في معنى الكارثة من أخطار غذائية وطبية وبيئية ، على الرغم من وضوح كل ذلك يظل خطاب "العاصفة" الرسمي مداوما على مفردات القصف كمقصد اساس يستصحب معه في مداراة إعلامية تضليلية مفردة الإغاثة في حالة اقتران مضللة تموه على نوايا صورية عن مشاريع إغاثية جادة تفصل بطريقة إنسانية بين وسائل الحرب ووسائل الاعاشة .. بينما يتم على هامش هذا التضليل الرسمي تجميع عناصر مشروع "حوانيت الجبهات" التي تعني تحويل خطوط النار المقاومة إلى حقل "اقتصاد الحرب" الذي سيشكل الحامل الحقيقي لمشروع توظيف الإغاثة في بيادة الحرب كما تتصوره أولويات وخطط عاصفة الحزم .. وأعتقد بعد ملاحظة انتعاش مصادر الحياة في بعض جبهات المقاومة الجنوبية سواء في نقاط التفتيش او خطوط النار او معسكرات التدريب أعتقد أن الرسالة واضحة للجنوبيين بأن الجنة الإغاثية تقع تحت ظلال السيوف .. وبمعنى آخر يريد "المعنيون" ان يجبروا الجنوبيين على القتال عبر محفز الماء والغذاء الذي يؤمنوا وصوله للمحاربين ويمنعوا أو يمتنعوا قصدا عن توفيره إلى القرى والمدن والمناطق السكانية التي تنأى بنفسها عن هذه الحرب .. وقد لا تأتي تلك الوفرة الجاذبة للعمالة الحربية الجنوبية في جبهات القتال الطيعة لمشروع "حوانيت النار" قد لا تأتي في هيئتها الاعتيادية كامداد مباشر للجبهات بالمزايا النقدية والعينية والمنافع والخدمات والهبات ، بل قد تأتي في شكل فرص الحصول على أسلحة وذخائر وعطايا نقدية وغنائم ومستلزمات ونقل وانتقال وتطبيب وما يتبع هذا الحصول من حركة تبادل حثيثة تنشئ سوقاً حرة لتبادل المنافع والأغذية والحاجيات .. وهكذت يبتدأ تشييد "حوانيت النار" ببسط الدعم للمقاومين في جبهات المقاومة بالاشكال الكفيلة بتحقيق الوفرة الظاهرة المحسوسة بالقدر الذي يكفي لاظهارهم في حال ميسور يزيد من قدراتهم الشرائية المرئية بحيث يتحول هذا اليسار الملحوظ إلى نقطة جذب هدفها جذب جميع الخاضعين لوضع الافقار التحويلي من وضع الناي بالنفس إلى وضع الكفاح المسلح .. ان تحويل المعركة أمام الجنوبيين من خيار إلى مصير وربط مقومات العيش بالانخراط في المعارك ضد الحوثيين هو مدخل مشروع "اقتصاد الجبهات" الذي يجسد مشهد الإغاثة الإنسانية كما تتصوره "العاصفة" بنزعتها الأنانية التي تفرض على الجميع بمن فيهم الجنوبيين المصورين خلال تبريرات الحرب بأنهم هدف "التحرير" تفرض عليهم أن يتظافروا كبيادق في حرب إذلال المتمردين على كبرياء "العاصفة" .. وخدمة لهذا المشروع شرعت جبهات المقاومة التي نشات كخط نار مباشر شرعت في توسيع نفسها والتحور إلى متطلبات اقتصاد دائم من خلال اشهار نفسها كمجالس عسكرية وفتح معسكرات تدريب بما يعنيه هذا التحول من تكوين طيف امتصاص واسع يتماهى مع نوايا "رسملة" المقاومة الجنوبية الشعبية وتنظيمها كحواضن اقتصادية تستوعب نوايا جذب "المخلفين" الجنوبيين إلى جبهات الحرب .. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تلك "النوايا" وحدها غير قادرة على خلق الاستجابات النفسية لمشروع "حوانيت النار" خصوصا لدى الجبهات الجنوبية النظيفة التي نشأت على أسس مشروع وطني جاد كما هو الحال في جبهات الضالع ومديريات عدن وكل الجبهات التي نشات على وصف الإستجابة السريعة والعفوية الى الكفاح المسلح ضد الحوافيش ، بينما ستزيد فرص الاستجابة لمشروع "حوانيت النار" في سائر الجبهات التي تباطئت ثم نشأت برعاية خارجية تملك الحق عليها في إعادة التشكيل والتصنيع وقبول الاستعمالات المختلفة على طريقتها .. وفي الأخير ننوه الى حق اي طرف في اي حرب ان يستفيد من تكتيكات مبدا "الحرب خدعة " ، ولكن ما هو غير مقبول ان تتمدد تلك التكتيكات الى حقل الاغاثة الانسانية ومواد الضمير البشري فتجعل منها أثناء الحرب وعلى خلاف المطلوب اعوادا في كنانة التخطيط والتدبير والتنفيذ الذي يجعل من كل المدنيين مسرحا للحرب النزقة التي لا تجيد المسايرة بين دواعي الموت ودواعي الحياة ،،،