يطرح الاتجاه نحو اعتبار عدن عاصمة جديدة لليمن تحت قيادة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي، بعدما نجحت المقاومة الشعبية في فرض سيطرتها على المدينة ومنشآتها، تساؤلا حول مدى نجاح الحكومة الجديدة في استغلال موارد البلاد النفطية، والتي تأثرت جليًّا منذ اندلاع الثورة اليمنية في عام 2011، وتعرض القطاع النفطي لتدهور سريع، بسبب التخريب المتكرر للمنشآت وخطوط الأنابيب النفطية، مما هبط بإنتاج البلاد إلى أكثر من نصف مستوياته السابقة، وأصبح الأمر أكثر سوءًا منذ استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، فعلى الرغم من أن قبائل المحافظاتالجنوبية في حضرموتوشبوة تؤمّن جيدًا المنشآت النفطية، فإنه مع تصاعد العنف والصراع المسلح بالبلاد توقفت أغلب الشركات الأجنبية عن العمل، وتضاءلت قدرات البلد الإنتاجية إلى النصف تقريبًا مقارنة بمستويات العام الماضي، وتفرض الحرب الدائرة في الآونة الأخيرة صعوبات عديدة أمام حكومة عدن في إدارة موارد البلاد النفطية، ولعل أهمها تأمين المنشآت النفطية وخطوط أنابيب النفط، وإعادة تأهيل المنشآت المدمرة، علاوةً على أن الحرب الدائرة ربما تعيق أي جهود لعودة الشركات الأجنبية للعمل مجددًا. تدهور الإنتاج: على الرغم من التخريب المستمر الذي تعرضت له المنشآت النفطية طيلة السنوات التالية لاندلاع الثورة اليمنية، فإنها تمكنت من الحفاظ على مستوى إنتاجي خلال فترة السنوات الثلاث الماضية عند متوسط يُقارب 160 ألف برميل يوميًّا، ولكن التحول السياسي الكبير الذي شهدته اليمن منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة في سبتمبر 2014، وما تبعه من تصاعد أعمال العنف والصراع المسلح بالبلاد منذ مارس الماضي؛ قاد إلى تغيرات ملموسة على صعيد القطاع النفطي. وتُقدر المؤشرات الأولية أن قدرات البلاد الإنتاجية هبطت إلى 60 ألف برميل يوميًّا في أبريل الماضي، بحسب الوكالة الدولية للطاقة. وبنهاية عام 2015، سيكون بمقدورها -بناءً على أقصى تقدير، وفقًا لما رأته الوكالة- إنتاج 50 ألف برميل يوميًّا. وللعلم فإن 80% من حقول النفط بالبلاد توجد في جنوب شرق البلاد في محافظاتحضرموتوشبوة، بينما يوجد بالشمال اليمني قطاع نفطي واحد بمحافظة مأرب، بالإضافة إلى حقل مشترك بين الشمال والجنوب. ويؤزم استمرار الوضع المتدهور للقطاع النفطي الأوضاع الاقتصادية للبلاد، إذ أن النفط يُعد موردًا رئيسيًّا لإيرادات موازنة البلاد، وأحد صادراتها السلعية الرئيسية، وبحسب آخر بيانات متوافرة قبيل اندلاع الصراع المسلح، خسرت اليمن نحو مليار دولار من عائداتها النفطية في عام 2014، وبخلاف ذلك، ومع استهداف مصافي النفط بالبلاد، تصاعدت أزمة نقص المشتقات النفطية، وارتفعت أسعارها قرابة أربعة أضعاف مستوياتها السابقة. متغيرات جديدة: كانت المتغيرات التي طالت قطاع النفط اليمني متعددة، ومُنبِئة باستمرار تدهوره، لا سيما بعدما سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، والتي تلازم معها تصاعد أعمال العنف والصراع المسلح بالبلاد، ويمكن تناولها على النحو التالي: 1- سيطرة القبائل: حتى الوقت الراهن، ووفق كثير من المراقبين لصناعة النفط باليمن، ما زالت حقول النفط ومنشآتها بعيدة عن سيطرة الحوثيين، وفي أعقاب انهيار الجيش اليمني في غضون الشهور الماضية، انتقلت مهمة تأمين الحقول للقبائل؛ حيث تؤمّن قبائل محافظاتشبوةوحضرموتومأرب المنشآت النفطية على الرغم من توقفها عن العمل، أو التي تعمل بأقل من طاقتها. ورغم استهداف الحوثيين مرات كثيرة لمصفاة عدنالجنوبية خلال يونيو الماضي، فقد استطاعت قوات المقاومة الشعبية إحكام السيطرة عليها، وتُقدر طاقتها اليومية بنحو 150 ألف برميل يوميًّا من المشتقات النفطية لتوفير كثير من احتياجات البلاد، ولكن ما يعد تطورًا أكثر خطورة على صناعة النفط، ما نجح فيه مسلحو تنظيم "القاعدة" باليمن بالسيطرة على ميناء الضبة النفطي بحلول أبريل الماضي، وهو أحد الموانئ الرئيسية الثلاثة بالبلاد. 2- تخارج الشركات الأجنبية: كان طبيعيًّا في ظل المخاطر العالية التي فرضها الصراع المسلح والمتصاعد منذ شهور، أن أعلن عدد كبير من شركات النفط الأجنبية إجلاء موظفيها، وإيقاف عملياتها، ومن بين هذه الشركات "أوكسدنتان بتروليون" الأمريكية، و"دي إن أو" النرويجية، و"نكسين" الصينية، وقد صرّح الرئيس هادي، في ديسمبر الماضي، بأن هناك تقريبًا 34 شركة نفطية توقفت عن العمل باليمن، ليفقد القطاع بذلك أحد أهم اللاعبين الرئيسيين به. 3 شح المشتقات النفطية: تُواجه اليمن أزمة خانقة منذ عام 2014 بسبب شح ونقص كبير في المشتقات النفطية، لا سيما البنزين والديزل، جراء توقف عمل المصافي النفطية بالبلاد، ولعل أهمها مصفاة عدن، ويدلل على ذلك تصريح لمسئول بشركة النفط اليمنية نهاية يوليو الماضي عندما قال إن "الخزانات النفطية الموجودة حاليًّا لا تُغطي احتياج اليمن إلا لمدة سبعة أيام". وقادت الأزمة السابقة إلى زيادة أسعار المشتقات النفطية بنحو أربعة أضعاف قبل بداية الصراع، بحسب منظمة أوكسفام البريطانية، ولتنتقل الأزمة تلقائيًّا إلى كافة القطاعات الاقتصادية الأخرى من النقل والكهرباء والخدمات. صعوبات راهنة: بينما يعتزم الرئيس هادي تشكيل حكومة جديدة بالجنوب، وإعادة تشغيل المؤسسات الاقتصادية من هناك؛ تبقى مهمة إدارة القطاع النفطي محفوفة بكثير من الصعوبات والمخاطر، ومنها: 1- تأمين حقول وخطوط أنابيب النفط: رغم أن حقول النفط في الشمال والجنوب على حد سواء، لم تكن هدفًا مستساغًا لمسلحي الحوثيين طيلة الشهور الماضية، فإن استمرار المعارك بين الحوثيين وقوات المقاومة الشعبية قد يمثل تهديدًا للمنشآت النفطية وخطوط الأنابيب، ويُشار إلى أنه في منتصف الشهر الماضي اقتربت المعارك الدائرة بين الفريقين من محطة بلحاف للغاز المسال، وتاريخيًّا، كان خط أنابيب النفط الواصل بن مأرب وميناء رأس عيسى هدفًا متكررًا لتفجيرات من قبل تنظيم "القاعدة"، وقد يعني ذلك أن الحكومة الجديدة عليها ضخ مزيد من الأموال لبناء خطوط أنابيب جديدة، وكذلك إعداد وتحضير موانئ الجنوب لتصدير النفط منها، بعيدًا عن تهديدات الحوثيين أو "القاعدة". 2- دمج القبائل المحلية: تعكس المهام التي تضطلع بها القبائل في الآونة الأخيرة بالمحافظاتالجنوبية من تأمين المنشآت النفطية؛ في فحواها، مطالب تاريخية من القبائل بتمكينها من القيام بتأمين المنشآت، إلى جانب تعظيم المردود الاجتماعي والاقتصادي الذي تقوم به شركات النفط الأجنبية في المناطق الجنوبية، وتعتقد القبائل أن العقود النفطية دائمًا ما كانت مجحفة بحقوق سكان الجنوباليمني، خاصة وأنها تجاهلت حقوقهم في عمليات التوظيف داخل هذه الشركات. وفي حادثة تصف هذه الإشكالية بوضوح، في يناير 2014، وجه المسئولون اليمنيون اتهامًا للقبائل باستهداف نقاط تفتيش للجيش قريبة من حقول النفط بحضرموت في يناير 2014، وفي بيان مقابل، أصدر ما يسمى "حلف قبائل حضرموت" بيانًا يؤكد فيه أحقية أبناء القبائل في الحصول على وظائف في الشركات النفطية، وتسليمهم مهام حراسة الشركات النفطية. 3- إعادة تأهيل المنشآت النفطية: تبدو حكومة اليمن بحاجة إلى استثمارات عاجلة لإعادة تأهيل المنشآت النفطية التي تعرضت للدمار والتخريب مثل المنشآت النفطية في تعز، علاوة على إعادة تأهيل مصفاة النفط الوحيدة بعدن التي تعرضت للقصف المباشر مرات عديدة. 4- جذب الشركات الأجنبية: من أجل معاودة الشركات الأجنبية عملها مرة أخرى، ليس هناك مفر أمام حكومة عدن من أن تقدم ضمانات كافية لطمأنة الشركات العاملة في جنوباليمن، بأنها تستطيع مواجهة أي تهديدات لتنظيم "القاعدة" والحوثيين، ولكن لسوء الحظ، ففي ظل الصراع الدائر حاليًّا فإن إطلاق أي وعود ربما لا يلقى صدى كبيرًا من قبل الشركات الغربية إلا بعد التوصل إلى حل سلمي يشمل كافة الأطراف المتصارعة والقوى الإقليمية المنخرطة في الصراع، وهذا يبدو منطقيًّا للغاية؛ لأن المخاطر التي ستتحملها الشركات الغربية مرتفعة بشكل كبير. تبقى مهمة عودة قطاع النفط اليمني إلى أدائه قبل الصراع المسلح صعبة للغاية في ظل تعقد وتعدد الصعوبات الأمنية بالبلاد، والعقبات اللوجستية، وصعوبة عودة الشركات الأجنبية في الظرف الراهن، وهو ما قد يقود إلى دخول البلاد في مأزق مالي واقتصادي متكرر.