أضحت العاصمة عدن مستنقع دم كبير وبركة أموات وأشلاء ضحايا وحديقة أشباح فارغة وممتلئة في نفس ألان بالخراب الممهور ببصمات الضياع ونفقه المظلم الذي دخلت عدن تحت خيمته من غير أن تأبه لا أدري كيف أصبحت مثل ريشة فملت عن جادة عالمها وانحرفت نحو تلك الجراح تاركة تلك الأصوات ومعتقة إياها ومهاجرةً عن مكانها ومن ظنوا أننا نعيش معهم في لحظات المرور بتلك المشاهد التي تواريناعنها ودفنت احاسيسنا في جذورها وغصت في أتونها وفي ليلها المتثائب الذي يروم عبثاً البحث عن نجمة محتضرة تهديه سواء السبيل وتخلصه من ظلامه الدامس الذي يخفي وراءه أحزاناً كبرى. على أطلال دمار عدن اليومي واحتراقها المستمر... دبت في النفس الحيرة والمآسي التي تواجدت_على نحو آدميتنا_ في داخل ارواحنا وغرقت في كومة من الضباب الأسود عكس على مشاعرنا وغرائزنا جميعها الشعائر الكاذبة المهزومة للنظم السياسية التي استغرقت جسدنا حتى أفلستنا من أنفسنا أو كادت وبشبه معجزة لا أدريها سرحت في تلك الرؤى القديمة ونحن نحمل حزننا المتراكم وترسبات العذابات التي عشناها في هذا الوطن حتى غرقت في تلك الصور الاليمة والعوالم السوداء والفضاءات المُعذِبة والمساحات المدلهمة إلتي أقسمت على دمار بلادنا وهلاك أرضنا وأستبدال أبتسامة الورود المصطنعة في عدن ألألم بجرح منكوء ذاتي النزيف ابدي الألم كنا نشعر أن رقعة الدمار في عدن مع رائحة الخراب والدم تتسع كل ثانية وأن الجرح لم يعد له مكان ولازمان كغيمة نخرت عباب السماء وتشظّت في قلب الكون .. الجرح في بلادي .. كالفراغات المجهولة التي تملأ ليالينا السوداء المكفهرة الخائفة من نفسها... كالصحراء التي تنمو متصلة وهاربة من كل المحاولات اليائسة لإجهاض التصحر الذي يهاجمنا كالذئب المفترس من كل جهة وحدب وصوب.... كان الدخان المتسخ بلون القتل والغدر يجول ويصول في شوارع عدن وطرقاتها ويسعى لذبح الرؤية التي ولدت فيها ساعات الأحزان الأبدية حيث النيران تشتعل في دواخلنا بحرارة فاقت حرارة ظهيرة صيف عدن القاسي على أهله الساحب ستار العذاب على حياة العدنيين النافذة في أديم أغوارهم السحيقة طواحين الإنسان .. فوق أديم عدن يولد كل يوم وفي صباحه المظلم الذي ما عاد صباحاً عشرات الجثث الحية التي لا نجد لها ذنب سوى قسوة وبربرية الجثث الميتة التي قتلتها والتي تمارس الموت وتمتهن الخطيئة وتحترف السادية أمام مناظر ومشاهد رؤية صراخ الثكالى ودموع الأيتام وعويل الأرامل على شهيدهم الذي قتلوه بدم مثلج لا بارد فحسب... لعدنوالجنوب التي كانت جميلة صراعات عديدة لا نعرف أولها ولا أخرها...ولكن المشكلة ليست في ذلك بل تكمن المشكلة في أن صراع الجنوبوعدن تحديدا كصراع فالنتين مع إبليس في رواية (فاوست) لغوته... صراع لا ترى عدوها فيه لكي تقضي عليه أو يقضي عليها...ولذلك فهي لا تعرف ولن تعرف أين تسدد ضرباتها وطلقات مسدسها الفارغ... هل هذه فعلاً عدن التي حدثنا عنها وعن مجدها التاريخ بما يشبه الأساطير والخيالات ؟ كأنها ليست هي ... فهي تشيح بوجهها عني خجلة من دمائنا التي تجري فيها ...وأنا اشعر بالملال القاتل من ليل عدن البهيم ونهاره المظلم الثاوية فيه أحلام محتضرة لأسم عريق يدعى الجنوب يتسكع حافي القدمين بثياب رثة أمام سفارات العالم يطلب اللجوء السياسي الإنساني ... أن خريطة الجنوب المضرجة بالدماء والممزوجة بالآهات ليست كخرائط بقية البلدان الأخرى في أرجاء المعمورة . فسيمفونية الأسى والعذاب وإيقاع الخراب والدمار وإلحان الموت والتقاتل تُعزف جميعها في الآن نفسه في كل مكان وزمان وتتمرأى في جبين كل جنوبي ... لتؤكد الحقيقة القاسية التي تقول بأن جنوب 2015ليس جنوب 94 ... توطئة أمسكت بقلمي لأكتب فضجّ حين لمح في عينيّ بريقا عاكس هواه.. كيف سوَّلَت لك قريحتك أن تدون حروفك بعيداً عن ألمك ؟!! فنفرت دموع من المآقي تشكو سئمت الرجم بالكلمات يا عدن !!!