عندما نتحدث ونحكي عن البطولات لأبطال حقيقيين خاضوا غمار البطولة وهم يدافعون عن الأرض والعرض في أنبل موقف يمكن ان يوقف فيه الإنسان ألمقاوم للظلم والاستبداد الرافض للعدوان نهدف من ذلك إعطاء (نماذج) لأبطال صنعوا النصر لشعبهم ولوطنهم وهذه محاولة مني لإيفائهم ولو جزء يسير من حقهم علينا ومهما قلنا في حقهم لا يفي ذلك حتى بمقدار نصف قطرة دم واحدة .. ان هؤلاء الأبطال الذين نروي مآثرهم أنهم أبطال المقاومة الجنوبية وجلهم ينتمون الى الحراك الجنوبي والى رجال الدين من الجماعات السلفية ومن شباب لجان الأحياء في مدن ومناطق الجنوب ومن أئمة المساجد وشيوخ ورجال قبائل جنوبية وغيرهم .. ولا شك ان البطولات التي رسموها بدمائهم الزكية تحتاج من يدونها للتاريخ وللأجيال القادمة، لكي يعرف أبناءنا وأحفادنا كيف يتم صناعة النصر ؟! وهنا لابد ان أشير الى أنني تعمدت عدم الخوض في بطولات رجال وقيادات المقاومة الذين لازالوا أحياء ولازلنا نأمل منهم الكثير واكتفيت بسرد قصص بعض الشهداء والجرحى كنموذج فقط. في الضالع دروس متنوعة في حب الدفاع عن الوطن ودروس في البطولة والفروسية ودروس في التضحية والفدى أنها (الضالع) مدرسة الوطنية التي يعتز بها كل مناضلي الجنوب الأحرار ، ولا شك ان المدافعين عن الأرض والعرض قد رسموا الكثير من المشاهد والقصص البطولية التي ستحكي قصة أكثر من خمسة أشهر من المقاومة والصمود .. ومؤخرا كانت لي فرصة - ولله الحمد - ان أستمع باهتمام للكثير من المواقف البطولية لرجال صدقوا في عهدهم مع الله ومع أهلهم ووطنهم وسأظل أتذكر قصة الشهيد القائد (إياد الخطيب) كغيري ممن عرفوا حكايته، وهو الشاب الذي يقود مجموعة من المقاتلين في جبهات الضالع دون ان يعلموا أنه يقترض مبالغ مالية ليوفر لهم الغذاء والسلاح والذخيرة وقبل ان يلفظ أنفاسه الأخيرة شهيداً وقبل ان ينطق الشهادة كان يوصي أهله وزملاءه ان يقضوا ما عليه من ديون ضخمة كان قد أقترضها منذ بدأت معارك الدفاع عن الضالع وعن الجنوب .. تلك المواقف هي (البطولة) بعينها .. وهنا في هذه العجالة لابد لي من سرد قصة أخرى لبطل من المقاومة الجنوبية من أبناء الضالع وهو الجريح الذي فقد عينيه في أحدى المعركة التي خاضها ويدعى (كمال الجبني) (كمال الجبني) وضع الوطن في مقلتيه وأغمضهما . السماء ليست كعادتها في صباح ذلك اليوم من أيام الحرب والصمود في مدينة الضالع فقد تلبدت الغيوم باكراً وقبل أوانها المعتاد في كل صيف مما أكسب الجو كآبة إضافية لكآبة الحرب العدوانية اللعينة التي تشنها قوات العدوان الحوثي – العفاشي على الجنوب، وكان كمال الجبني يستعد لمغادرة الموقع بعد انتهاء نوبة حراسته الليلية هو ومجموعة من أقاربه كانوا طوال الليل يقوموا بواجبهم الوطني في الدفاع عن موقع جبل دار الحيد وحصنه التاريخي المنيع الذي يعد رمزا من رموز الصمود التاريخي لمدينة الضالع. لابد ان كمال الجبني يدرك أهمية الدفاع عن (دار الحيد) والذي يعني الدفاع عن أسم الضالع ورمزها ويعني الدفاع عن المدينة التي يشرف عليها، ويدرك ان التفريط في هذا الموقع لما له من أهمية استراتيجية يعني التفريط في الضالع ككل . هكذا كان لسان حال الرجال الصامدون على سفح جبل (دار الحيد) المطل على مدينة الضالع، وهكذا يرون ان الموت أهون من إعادة احتلاله من قبل قوات الغزو والعدوان الغاشمة من مليشيات الحوثي وحليفه المخلوع (صالح) وكان (كمال) ومجموعته يراقبوا كل الطرقات والمنافذ التي من المحتمل أن يهاجمهم منها العدو الذي دأب على محاولات التسلل الى مواقع المقاومة ومحاولة احتلالها، وكانت تلوح لكمال وفرقته في صباح ذلك قدوم أطقم عسكرية من نفس الاتجاه الذي يأتي منه زملاءهم الذين سيبدلوهم في حراسة الموقع، كان الاعتقاد ان هؤلاء القادمون هم من رجال المقاومة لكن الشك ظل يراودهم لأن قدوم زملاءهم لم يحن موعده تماما .. وفي لحظات فاصلة بين الحقيقة والشك لم يعد فيها مجال للتردد أمام رجال المقاومة بعد ان باشروهم المعتدين بوابل من الرصاص من كل جانب فتموضع كمال ومجموعته في مواقعهم، وكانوا لهم بالمرصاد في معركة ليست متكافئة فالمعتدين عددهم أضعاف عدد المقاومين الأبطال علاوة على امتلاك المعتدين أسلحة حديثة ومتفوقة أستمرت المعركة باشتباكات عنيفة وجها لوجه وأصيب كمال الجبني برصاصة في الجانب الأيمن لوجهه فبرغم أنها ليست عميقة وقاتلة لكنها على الفور أفقدته البصر فكان من زملاءه ان طلبوا منه العودة الى الخلف ليتمكنوا من إسعافه الا انه أستمر يقاتل .. فقام زملاءه بسحبه الى الخلف رغماً عنه وهو يمانع ويؤكد لهم أنه سيقاتل اعتمادا على سماع مصدر إطلاق النار من جهة المعتدين الغزاة هي الفداية الجامحة من جعلت الشهيد إياد الخطيب والجريح ( الكفيف) كمال الجبني وغيرهم يعتلوا شرف الدفاع عن هذا الوطن في لحظات تلقائية لا فيها تردد ولا فيها مواربة وليسوا حالة نادرة مطلقا فغيرهم كثير من الأبطال الذين صنعوا النصر في الضالع وفي عدن وفي لحج وأبين وشبوة ولازالوا يصنعوه في مكيراس وكرش وبيحان وكما أنتصر (كمال) وهو يضع حب الوطن في عينيه ويغمضهما في معركة (جبل دار الحيد) وحصنه المنيع أنتصر الوطن بشموخ رجاله، وهم يدافعون عن كل شبر في هذه الأرض الطاهرة رحمة الله على روحك الطاهرة إيها الشهيد القائد إياد الخطيب وتحية نضال للبطل الجريح ( البصير ) كمال الجبني الذي يتلقى العلاج حاليا في سلطنة عمان وتحية لرجال الضالع الصامدون .. ولا نامت أعين الجبناء .. الى اللقاء .