يتفاقم الوضع في اليمن يوما بعد يوم ليصل حد المأساة، ويكشف عن واقع سياسي يسير نحو المجهول، مشبع بالنزوات الطائشة والتصرفات الصبيانية الآثمة, ومثقل بحماقات جسيمة اقترفتها المليشيات "اللقيطة" التي تكونت في رحم المؤامرة الدنس, من عملية بغاء سياسي مفضوح بين أعداء اليمن، اثناء غياب فاضح لقوة الدولة وهيبتها، وخرجت معربدة عابثة بكل مقدرات الوطن، ورمت بكرامته وسيادته من مكان سحيق، غير أبهة بحجم الخسائر اليومية التي يتعرض لها، وغير مدركة خطورة الوضع وما يخلفه من أزمات يومية على المواطن البسيط، الذي يتجرع وحده ويلات هذه الحرب الماجنة ويتحمل تبعاتها. "ما نبالي"، بهذا الشعار الأجوف، خاوي المضمون، تستمرئ المليشيات الوضع وتستعذبه. فهو يخلق لها مزاج لا مبال لا تستطيع العيش بدونه، في غياب تام لأي شعور بالمسؤولية تجاه المواطن، فلا هم لها سوى الاستمرار في إراقة ما تبقى من ماء وجه هذا الوطن، وترك آلات الدمار الممنهج تدك بنيانه طيلة هذه الأشهر من عمر الصراع، دون العثور على حلول تخرجه مما هو فيه، ما خلق حالة من التأفف والنفور ربما تدفع الشعب إلى تفعيل دوره لقلب مجريات الأحداث، -نحن لا نراهن عليه تماما- فأذلاله بالتجويع والإفقار، والتدمير والقتل، سوف يعطيه دافعا قويا للانتفاضة، وفرض واقعا يلغي النخبوية والفئوية والسلالية، وينهي حالة الحرب والحصار الممارس عليه منذ أكثر من عام. من جانب آخر .. لا يخفى على أحد أن هناك معاناة من عمليات قوات التحالف "غير الدقيقة" والتي أصبحت تتعاظم يوما بعد يوم، مهددة الصفة الشرعية التي أصبغت عليها بالتلاشي والانحسار، ف"الدقة المتناهية" لم تعد الصفة الحقيقية والدائمة للعمليات, وقد أودت بحياة الكثير من الأبرياء، وأشاعت الرعب والخوف في قلوب المواطنين، وخلفت المزيد من الأضرار والخسائر في البنية التحتية –المنهكة أصلا-، فحولت قناعات الكثير من المؤيدين إلى سخط وغضب على دول عاصفة الحزم، ما يعني انحسار غطائها الشعبي، وفقدانها لشرعيتها التي اكتسبتها من كونها انطلقت من أجل الشعب. لا شك أيضا، أن الاختلاف الكبير بين الدول المحورية في التحالف، سيُبقي الوضع مرتبكا وسيخلق ديناميات قابلة للانفجار في أي لحظة، فقد أدى هذا الاختلاف إلى تعثر الكثير من الخطوات التي كان يجب إتمامها، واستمرار هذا الاختلاف وتكراره يعني بالتأكيد تردي الاوضاع في اليمن، وانحدارها إلى مستويات أكثر خطورة، وستصبح اليمن خليطا ساما يجمع ضعفا هيكليا موروثا مع تحديات الصراع وما سيخلفه، وهو ما يجب على الأطراف المحلية أيضا ان تستوعبه وتعمل مع دول التحالف من أجل التسريع بإعادة الاستقرار في البلاد، فبقاء هذا الحال لا يخدم أحدا، وسيضعهم أمام مسؤوليات أكثر تعقيدا وأغلى ثمنا سيكون عليهم الوفاء بها لزاما. الحقيقة انه وبغض النظر عن السبب فان اليمن ليست بأحسن حالا مما كانت عليه عشية التدخل العربي. من هنا ينبغي على دول التحالف والدول الشقيقة والصديقة، أن تسعى جادة في إعادة الاستقرار إلى اليمن، والضغط على الفرقاء اليمنيين لاعتناق الحل السياسي كمخرج وحيد، والدفع بالمسار السياسي إلى الأمام، وإنهاء حالة الحرب والاقتتال فيه، ولملمة الأوراق وجمع الصفوف، والانطلاق في عملية سياسية نظيفة، وإجراء انتخابات رئاسية عاجلة كخطوة هامة في عملية إرساء الأمن والاستقرار، واعادة إعمار ما دمرته الحرب، يليها استفتاء على الدستور، ونظام الحكم، وشكل الدولة، في خطوات مرنة وسلسة تحكمها المصلحة الوطنية الجامعة. بعد كل هذا لا نستطيع في وقتنا الراهن ان نتنبأ بالحالة التي سيكون عليها اليمن بعد أيام، فربما يستمر الوضع كما هو عليه وربما يتعقد اكثر، وفي كلا الحالتين يتجه اليمن إلى الأسوأ. إلا أننا على يقين كامل بأن مليشيات مبتورة الولاء، ومقطوعة الجذور الوطنية، ستزول وستذهب إلى غير رجعة، مدركين تماما عمق الشرخ الذي أوجدته في المجتمع اليمني، وحجم الخسائر التي تكبدها الوطن بسبب رعونتها وطيشها، ومدركين حجم المعاناة التي تحمّلها الشعب مُكرهاً، والجراح التي سيبقى يعالجها ما بقي من زمن، كما ستزول معها كل التيارات السياسية والنخب التي أحدثت سلبا خلال الأحداث، والتهت بمصالحها، ولم ترتق إلى حجم الوطن ومعاناته المستمرة.