الحرب الأخيرة على الجنوب، كانت أسوء من الوحدة ذاتها، و إن كان مافقدناه في ظل الوحدة، الهوية، مؤسسات الدولة، نحنُ نفقد الآن إنسانيتنا، وإرثتنا الطبيعي من عدن، عدن الّتي ضمت الأضداد جميعها في صدر واحد، اليوم نحنُ نَكفُر بكلّ ماعلمتنا إياه، ونلبس الطائفية بينما نعتقد أننا مدنيون بإمتياز . وماهيّ المدينة؟ ، هيّ ليست شعارات، المدنية الّتي بتُ لا أراها حتى في مثقفينا، أو من كنت أعتقدهم كذلك إلا ماقبل الحرب،المدنية يا سادة نلتمسها حتى من اللفظ، ونحنُ ، وكلي أسف ندوس عليها يوميًا، من خلال أغانينا الّتي أصبحت تحتوي على مصطلحات لم نعتدها، لم نهتف بها يومًا في الشارع، نحنُ من جاب كلّ زقاق المدينة ينشد وطنًا ماكانت قضيتنا مذهب، ولا دار عبادة، ولا كنا يومًا ننفر من إختلافنا . الأشعار، و الصور، والمقالات .. لوث الفِكر ومن بقيّ منا يصون إنتمائهِ لطائفة الوطن المستضعفة ؟ . هذهِ الحرب اللعينة عرتنا تمامًا من أفكارنا، من إنسانيتنا، والسبب الرئيسي بعد جماعة أنصار الله، هوّ نحنُ ، الشباب الثائر، المتحمس، الّذي خرج في عنفوان الثورة منذ عام الحراك الأول إلى الآن، نحنُ من قرأ، و كتب، و أنتفض حينما كان الجميع صامتون، اليوم نبيع كلّ ماعلمتنا إياه الثورة، ونشتري كلام المنابر الظلامية الّتي ظلت تعتبر خروجنا على الظلم نشوز عن تَرهات الكتب، و أصحابها ! و كلّ الخوف بأننا لا نمتلك إلا أصواتنا، ويمتلكون هم أصغر الأسلحة حتى أكبرها، والفضل يعود لمن شحن النقيض المذهبي للحوثي، وهوّ على دراية تامة بأن هذهِ الخدعة تسير في كلّ البلدان الّتي دخلت يد المملكة بها، و إن تكن اليد يد عون، لابد أن لا ننساق مُقبلين الأيدي، من حمى ديارهِ لم يكن يغازل ثورتنا، و هنا علينا أن نضع الجنوب فوق كلّ إعتبار، ونعلم أن الإرهاب لا يختلف من صاحب العمامة البيضاء، عن السوداء، كلاهما يسقطان الوطن أرضًا، و سنخرج من المولد بلا حمص كما يقولون، إن لم نتمسك بمبادئ الثورة الجنوبية، الّتي حقرت من حرب دماج، حينما كان الإصلاح يشحن أفراده إلى هناك جماعات، كانت يدنا، وألستنا نظيفة من الطائفية، وستظل كذلك، ومن ركب موجة الحرب ليذيل نفسهُ إلينا ،نقول له : من شذ عن الثورة ليس منا !! . ظللنا -القلة الجنوبية- نكتب، بأننا مؤمنون بوجود عناصر تكفيرية في الجنوب، كما نؤمن بحقنا في الحرية تمامًا، إلا أن عدم مباركتنا لدخول أنصار الله، وقوات صالح للجنوب، كان لأننا نعي أن الثمن لن يكون الدم فقط، بل الفكر أيضًا، وبأن النقيض المذهبي لا يلد إلا الطائفية، ولا يمحوها!!، و بأن المسؤول الأول عن حماية الوطن هوّ الجيوش النظامية، مع تمكين أهل المنطقة ذاتها من مساعدة الجيش في حربهِ مع الإرهاب، والجميع يتذكر مواقف معظم الجنوبيون من حرب القاعدة في أبين، لم نصفق للإرهاب لكن ظلت لدينا تحفظاتنا الخاصة تجاه الجيش، مقارنة هذا مع ماحدث في الحرب الأخيرة عن الجنوب يخلق لنا أسباب منطقية لإنتشار فكرة الإنضمام للجماعات الّتي تصنف نفسها " دينية"، بينما حرب أبين خلقت لنا أرواح تنفر من الإرهاب، و سبله، وهذهِ ظاهرة لا بد أن نفهمها ، عودةً لهذه الجماعات ،أقول هنا جماعات، لا أحزاب، وإن كانت في فترة ما الأحزاب الدينية كانت تمثل لدينا عقبة، فلنترحم على هذهِ الأيام إذن، لأن الجماعات هذهِ -أيّ المستحدثة بعد الحرب،أو من إكتسبت شهرة أكبر مؤخرًا- ، لا تعترف في السياسة،بل هذا كُفر محض، إذن فلنترقب سيناريو مخيف يحلم أصحابهُ بإعادتنا إلى ماقبل التاريخ، وعلى أبناءنا المندفعون نحو هذهِ الجماعات تحت سلطة غسيل المخ، أو الوعود الكاذبة، أن يتوقفوا قليلاً لسؤال شيوخهم، إن كنتم تعتقدون بأن الدم سيخلق نظام، ماهوّ مشروعكم القادم للجنوب؟ هذا على إعتبار بأنهم يذيلون أنتمائهم للجنوب . ماهو المشروع الّذي ستقضون بهِ على الفقر، الأمية، البطالة، أم أن المشاريع الّتي تقدمها الأحزاب عادةً لا تفيد،و ماينجينا حقًا من وحل الظروف السيئة هوّ التركيز على حالات الإختلاط الشحيحة جدًا، للأسف طبعًا في بلادنا، الّتي تخلق كَبت مضاعف، وعاهات مجتمعية تتفاقم، ولا تُحل بطرق الجاهلية! قطع الأيدي، فصل الجنسيين، خلق حالة رعب بين أفراد المجتمع لا يبني أمة، يبني فُتات فقط، وأنتم - ياشباب الغد- إن كنتم ترتضون حياة كهذهِ، فما الغاية؟. الحوريات اللاتي تهرعون إليهن على حساب رقابنا، لن يقبلن بأيديّ ملطخة بالدم، إنتظروا قليلاً على الأرض لعلكم تحبّون، لمَ ماتت رغبتكم في نساء الأرض ؟، إنتظروا لعلكم تخرجون من دائرة تمني الموت للحظي بحياة أفضل، إلى دائرة الحياة فيأتيك الموت، وأنتَ ممتلئ بالحياة، مكتفي بالتجارب، فتذهب للمجهول خاليًا من الدماء، لمَ تحمل نفسك أرواحًا ستُثقل كاهلكَ في الحساب الأخير ؟ ، قلي لمَ تُحاسبنا، حسابًا متقدمًا، إن كنت تؤمن بالحساب الأخير ؟ . _ بعد أن نجني ثمار التطرف، لا أريد من قال في شعره، مقالته، كتاباته، " رافضة .. مجوس " أن يبكي المدنية، من لم يحفظ لسانهِ عن مباركة التطرف، لا يحق لهُ أن يصبح مدنيًا لأن أعمال الإرهاب لا يتناسب مع تطالعاتهِ ، متى نفهم ياقوم أن مجرد التعاطف مع رموز هؤلاء التنظيمات تحت أيّ مبرر يعني مباركتهم، متى نفهم أن خطب الساسة لدينا في الجنوب، ولفظهم لهكذا مصطلحات يطرحنا تحت مجهر العالم، ونصنف طائفيون، متى نتعلم من النخب الطائفية الّتي تكذب على العَوام بإسم المدنية، فقط لأنها تعيّ ردة فعل العالم خلف الشاشات ؟! أسهبت بالحديث، وما أستفرغت كلّ الكلام المحشور في حلقي، أشعر بأستياء، قهر، وخيبة، بأننا سنجلب لأنفسنا نكسات فكرية، أخلاقية، وسنهدم ما لم نبنيهِ بعد ! .