برزت إلى ذهني فكرة لأن أكتب عن ظاهرة راقبتها بنفسي وربما راقبها الكثير من أبناء الجنوب لكن لم أجد مقالا يتناول تلك الظاهرة عينها، ثم يراودني الشك بين هذا وذاك وأقول ليت شعبنا سلك مسلكا محايدا ولعب دوره السياسي (المبهم) الذي يحتاج إلى مئات المحللين السياسيين والخبراء، وليته لم يرتم في أحضان طرف معين لكان على الأقل وجد اهتماما واسعا وحظي باحترام طرفي الصراع وبالذات الطرف الذي يدعي المصداقية في تعامله مع حيثيات قضية الجنوب الوطنية، هذا أولا. وثانيا: ليس ضروريا أن تمارس السياسة من قبل الشعب كله، فكان ينبغي على شعبنا المكافح في الجنوب أن يتمسك بهدفه السامي مهما كلفه الأمر ويدع القيادة السياسية تتعامل مع مجريات المرحلة فهي من سيبحث عن صديق دائم يتفق وأهدافنا فيكون لنا ونكون له دون ممارسة ضغوط أو ابتزازات مستقبلا على سياسة الدولة المدنية التي ستقام في الجنوب إن شاء الله.
وفيما يخص الظاهرة التي تحدثت عنها سلفا فيمكن القول بإختصار إن عنوان الموضوع يعد قاموسا سطحيا لها، لكوننا نبحث عن السر الحقيقي من وراء تحرك الجماعات الإرهابية بالتزامن مع سعي المقاومة الجنوبية للسيطرة على العاصمة عدن. وإذا ماتناولتها من زاوية أخرى فإن التساؤل التالي يكشف بعدا من أبعادها السياسية التي لازال البحث عنها جار: لماذا لم يسلم الملف الأمني للعاصمة عدن إلى المقاومة الجنوبية التي حررتها وعدد من محافظات الجنوب، بدلا من إرسال قوات أفريقية لحمايتها.؟ أليس أهل مكة أدرى بشعابها.؟
إن مما أثار فيني الدهشة هو الهدوء والسكينة والإستقرار في العاصمة عدن بمجرد وصول قوة أفريقية بسيطة دفع بها التحالف العربي الذي تقوده السعودية، ولايعني إن هذه القوات بحنكتها ودهائها العسكري وخططها الإستراتيجية أمنت العاصمة عدن ولكن أستغرب التعاون الأمني الذي يثير الشك بين الجماعات الإرهابية المتطرفة (القاعدة وداعش) وبين التحالف العربي المتمثل بتجميد النشاط التخريبي لعناصر القاعدة وداعش في الوقت الذي تعد فيه القوات الأفريقية غير كافية لتأمين مديرية واحدة من مديريات العاصمة عدن، وكذلك الصمت المريب إزاء وصول التعزيزات الإفريقية التابعة للتحالف إلى عدن وكإن هذه الجماعات لاوجود لها. لكن في المقابل حينما تحشد المقاومة الجنوبية كل رجالها للعمل على تأمين العاصمة عدن دون تنسيق مع السعودية ودول التحالف تبدأ تلك الجماعات بمزاولة نشاطها غير الأخلاقي فلا تسمع إلا عن إغتيال الضابط فلان أو الناشط فلان ولاتسمع أيضا إلا التهديدات داخل جامعة عدن لفصل الجنسين أثناء الدراسة، ولاتسمع كذلك إلا عن استهداف نقطة تفتيش تابعة للمقاومة كالذي حصل في مدخل الطريق البحري و.. و... إلى آخره من الإساليب والممارسات العدائية القذرة، فأستغرب حقيقة تنشيط تلك الجماعات في الوقت الذي تعتزم فيه المقاومة الجنوبية تأمين العاصمة عدن والمدن المحررة، فيما يتوقف نشاطها بوصول دفعة قليلة من المقاتلين السودان، وكإن هناك تنسيق رهيب جدا بين تلك الجماعات وبين السعودية وقوات التحالف.
ولكي لا نشكك بالسعودية وقوات التحالف يمكن الإشارة بكل شفافية إلى قيادات يمنية تحتضنها السعودية بالوقت الحالي ولها سوابق في مجال العمل الإرهابي كالجنرال علي محسن الأحمر والشيخ عبدالمجيد الزنداني حلفاء القاعدة حسب التقارير الدولية وغيرهما من القيادات التي لاتختلف معهما ، ولذلك فإن الأصح أن ننسب الخلايا النائمة في عدن والجماعات المتطرفة إليهم _على الأقل- إن أردنا الإنصاف وقراءة المشهدين السياسي والأمني قراءة مقاربة للحقيقة. لأن الدلائل على الأرض واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وقد يقول البعض:إن الإختلالات الأمنية في عدن ليست بصالح السعودية والحكومة الشرعية وإن من يقف وراء هذه الأعمال هو المخلوع صالح وجماعة الحوثي، أنا أقول إن هذه الأعمال تخدم الشرعية (اليمنية) بدرجة أساسية وهي صناعة القيادة اليمنية التي تقمصت ثوب الشرعية وفرت إلى السعودية لتنفذ مخططاتها عبر خلاياها النائمة في عدن والتي أعتادت الحفاظ على الوحدة اليمنية بإختلاق المشاكل بين أبناء الجنوب وبطرق ووسائل كهذه منذ الحرب الظالمة على الجنوب في صيف 1994م فضلا على إرتباطها وولائها المطلق وقتئذ لمجرم الحرب المخلوع علي عبدالله صالح.
لذلك فلننظر إلى الواقع بعين العدل والعقل والمنطق، لا بعين المرايا والإنحياز للسعودية ولامانع أن يرى البعض أنه استفاد من عمليات التحالف لكن الحقيقة تقال، فالعاصمة عدن أصبحت محررة ولاوجود للحوثيين فيها ، ولو افترضنا بإن هناك تواجد للحوثيين لكانوا استهدفوا الجنود السودانيين قبل كل شيء مثلما استهدفوا الإماراتيين في مارب، وبالتالي لا أعتقد أن الحوثيين في حال تواجدهم سيتركون المجال لقوات التحالف تؤمن عدن ويقفون عائقا أمام أبناء المدينة نفسها خصوصا وقد أدركنا حجم عدائهم للسعودية وخياراتهم الإستراتيجية. وفي الأخير الحديث طويل جدا بهذا الشأن ولامجال لإيراده هنا ولكن أرجو التدقيق في استيعاب الفكرة بمضمونها الصحيح.
خاطرة: ظلت الضالع محاصرة من أبسط الخدمات الأساسية حتى من الإغاثة وهي بالوقت نفسه محررة من المليشيات الحوثية، وذريعة الحكومة الشرعية إغلاق الحوثيين للمنافذ المؤدية إليها، هذا عندما كان الحوثيون مسيطرين على العند، واليوم وقد مرت شهور عدة على تحرير لحج بالكامل والعاصمة عدن، ولازالت الضالع محاصرة فلا كهرباء ولا دواء ولا مشتقات نفطية ولا إعادة ترميم مدارس، هذا الأهم وعن غير ذلك حدث ولا حرج.