يدرك الفرد حقيقةً الأسباب والعوائق المسببة للإحباطات والمشكلات، لكنه يدور في الدائرة نفسها من التفكير السلبي لرؤيته للأمور والمسببات، بسبب اعتقاده الخاطئ، مما يجعله يحصل على النتيجة نفسها.
يعتقد الفرد أن هذه الظروف أو العوائق لا يمكن أن تتغير أو تتبدل، فيصبح سجيناً لهذا الاعتقاد، وتبرمج حياته على هذا الأساس، مما يزيد من المشكلات، بل تصبح أكثر حدة وصراعاً، لينتج عن ذلك مقاومة عنيفة في داخله، لها انعكاس أيضاً على محيطه الخارجي.
الفرد الواعي هو الذي يبحث عن سر تعلقه في هذا الاعتقاد، وخصوصاً إذا كان يدرك أنه اعتقاد خاطئ، أو اعتقاد يولد الكثير من المشكلات أو الإحباطات، عليه أن يقف قليلاً ليتأمل ذلك من دون إصدار أحكام سريعة.
الكثير ضاعت سنوات حياتهم وهم يدورون في دائرة الإحباط نفسها، والاستسلام وإسقاطها على المحيط أو الظروف، أي يظلون يبكون ويتباكون، لترتاح أنفسهم من تحمل المسؤولية والهرب منها.
نعم، فطبيعة الحياة متحركة متفاعلة معطاءة ومنتجة، لا يستطيع من يدور في فلك الإحباط واليأس أن يعيش فيها بسلام، وهنا يأتي دور الفرد في تحمل المسؤولية، مسؤولية نضجه الروحي والفكري في أن ينمو ويتطور، ويغير النظرة أو الاعتقاد الداخلي الخاطئ، ولن يأتي إلا بهذا الوعي في تحمل الفرد مسؤولية نفسه، وأنه هو المسؤول الأول في هذا الوعي، فلن يقدم أحد له طبقاً من ذهب جاهزاً ومجهزاً، بل هو سعيه وبحثه في حقيقة دوره في الحياة.
إذاً، هنا عليه التوقف عن هذا البكاء أو الإسقاط الوهمي، نعم أحد صور الأنا هو الوهم، بأن يتخيل الفرد أنه ضحية الظروف، أو لم يستطع أن يجد أحداً يساعده، نجده في دائرة حديثه الذاتي السلبي (لا أستطيع، دائماً حظي سيئ)، أو شعوره بالغضب والتهكم، وهذا غير صحيح، وإن كانت الظروف لها الدور في ذلك أحياناً، لكن هل يقف عاجزاً مستسلماً!
ما هو دوره حينما أصبح واعياً بأن اعتقاده، أو أفكاره، أو عدم تحمله المسؤولية كان هو الأساس في زيادة توسع دائرة الإحباط لديه؟
مهم جداً أن يتوقف الفرد عن إثارة الأوهام وتصديقها، أو القذف في كل شيء على المحيط والظروف والمجتمع.
هناك حقيقة، على الفرد أن ينهض بنفسه ووعيه واستقلاليته بقوة العزيمة والإرادة والإيمان، وأن له دوراً كبيراً وعظيم في تخطي هذه العوائق أو المسببات، إذا كان هذا الاعتقاد موجود وبقوة في داخله كانت أول خطوات التغيير الحقيقي والفعلي، لأن ذلك دلالة على أنه فعلاً يقدر ويحترم عقله وفكره ونضجه، في أن يحاول أن يتخطى هذه الظروف.
المحاولة تلو المحاولة هي دليل الحركة والتفاعل مع كل المحيط الداخلي النفسي والخارجي المجتمعي والعملي، يساعد ذلك في صنع دوائر أخرى من الفرص والتجربة والتعلم، مما يوسع دائرة التفكير السليم، التي تجلب حياة جميلة ومنتجة كما يرغب، وهناك سر في ذلك هو (الإيمان في الاعتقاد أنه سيحدث وأستطيع أن أفعل)، بعد الاتكال على الله في كل شيء.
إذا كان الاعتقاد بأن ما يؤمن به أنه قريب ومتوافر في هذا الكون الفسيح سيجده حتماً، لكنه يحتاج إيجابية وقوة في العمل وتطوير الفكر والذات، وهنا الفرق بين الأماني والأحلام، وبين واقع معيشي يتطلب قانون الحركة الفكرية والحركة العملية، والإيمان بالتدفق والتوسع والوفرة في كل شيء، والناتج سيكون قريب جداً من كل ما يعتقد، وإن اختلفت الصور أو الشكل المهم أن يصل، ويؤمن ربما يحصل على أشياء أهم وأجمل وأعمق مما كان يتصور، أي لا يحصر نفسه في زاوية واحدة، ما لم يجده الآن ربما الغد يجد أفضل منه، العالم فسيح والفرص عدة، والأهم الاعتقاد الإيجابي أنه يستطيع أن يتغير للأفضل.