قال لي عمي عوض* يا ولدي لقد أشهرت سيفك على الكل فمن أبقيت لك صديقاً؟ قلت له: ياعم عوض لقد عم القبح، وأنتشر الفساد في الأرض، وطحن عظام الناس الجوع، وضرب قلوبهم الخوف، وتحطمت القيم لا بل دُمرت النفوس، أنتشرت شريعة الغاب وأخذ الناس يأكلون بعضهم بعضا، كم حصوناً هدمت، وكم نفوساً أزهقت، كم من الشهداء، وكم من الأرامل واليتامى والثكالى، صار الفقراء بالملايين وأصبحت اللقمة همهم، سُحقت آدميتهم وديست كرامتهم، وحُطم الإنسان في داخلهم. كل هذا والنخبة الجنوبية بين فاسد وحاقد وقبيلي وقروي ومناطقي وقاتل وسارق وأبن كلب وتقول لي لماذا أشهر سيفي على الكل؟! ياعم عوض أنا في حجر اليزابيث الثانية آوتني إلى بيت وأنا الذي لا أملك بيتاً في وطني، أطعمتني من جوع وأمنتني من خوف وكفتني شر اللجؤ إلى هؤلا الأوغاد الأنذال، لم أطلب منهم مالاً ولا سلطةً ولا جاه لأني لا أحتاجه منهم فما في النار للظمآن ماءُ. يا عم عوض أصدقائي هم هذه الملايين المطحونة من الغلابى والفقراء والمسحوقين والمجروحين الذين يبست في عروقهم الدماء وتحجرت في مآقيهم الدموع وجف الريق على شفاههم، هؤلا هم كنزي الثمين الذي لا يفنى، ورصيدي الذي لا ينضب، أملي المُشرع وقلمي المُترع، هم أجنحة نفسي المحلقة في الفضاء، ومجاديف قلبي على الأمواج العاتية. هؤلا ياعم عوض الذين نزلت لهم رسالات السماء، ولم يتكلم الله فيها إلا من أجلهم، وعلى عتبات أقدامهم الحافية المشرّخة ذُبح من أجلهم الأنبياء. ياعم عوض كم سجوناً دخلت، وكم قيوداً أدمت معصميك، عضيت على النواجذ من أجل وطنك وعندما أصبح أضيق من سم الخياط على الشرفاء مثلك عبرت المحيطات من أجل تاريخك وكرامتك وإنسانيتك وهناك أنتقلت من مصنع إلى مصنع وأنت بلا قدم ولا خبره ولا تجربة في العمل اليدوي وتعلمت وأنت في منتصف العمر وأكلت وأطعمت أولادك من عرق جبينك وحافظت على تاريخك وقيمك وكرامتك وشرفك وكسبت دنياك وآخرتك ولم تنحاز عن طريق هذه الملايين قيد أنمله، وأنا تلميذك فكيف لي أن أحيد عن هذا الطريق، كيف لي أن أرضى وقد عبرت أنا الآخر البر والبحر قابضاً على جمر التشرد وفراق الأب والأم والأبناء والأخوان والوطن .. كيف؟ لن أكون إلا ذلك التلميذ النجيب الذي يسير إلى آخر الشوط فهذا علمك الذي علمته وهذا بذرك الذي زرعته، هذا أنا الشاهر سيفي على رقاب الطغاة والفاسدين والإرهابيين والحاقدين والمناطقيين والمتعصبين والمرتزقة وقطاع الطرق، من أجل هذه الملايين التي ليست في حساب أحد.. اللهم اني أستخرتك منذ سنين طوال وأخترت هذا الطريق ولازالت على الدرب سائر فأعني ولا تكلني لأحد فأنت نعم المولى ونعم النصير وحسبي أنت ونعم الوكيل. *من رسالة للعم عوض علي حيدره