تمثل "الدبلوماسية المائية" واحدة من الدبلوماسيات الجديدة وغير التقليدية التي شاعت في الآونة الأخيرة في ممارسات العلاقات الدولية، وتتزايد فعالية "دبلوماسية المياه" إذا ما اقترنت بالصيغ غير النمطية لنظريات الأمن غير التقليدى، أو بتلك الصراعات الباردة على حصص المياه في الأحواض الدولية. مشكلة الدراسة تتمثل مشكلة الدراسة في فهم وتحليل طبيعة الإشكالية الطارئة في العلاقات المصرية الإثيوبية في الوقت الذي يبدو فيه جليا أن الخيار الدبلوماسي القائم على الوسائل التقليدية لم يعد يجدي نفعا ولذلك تحاول هذه الدراسة التعريف بأهمية الدبلوماسية المائية وفاعليتها في التوصل إلى حلول تحقق المصالح الوطنية لكل الأطراف. ما هي الدبلوماسية المائية؟ وما هي أدواتها؟ وما هي التحديات التي تواجه المفاوض المصري في غرف التفاوض المغلقة حول أزمة سد النهضة؟ وما حقيقة الدور الدولي الداعم لتأزمة المسألة والممول للسد والمحرض على تفاقم الأزمة؟ وما هو دور الدول الخليجية في الحل؟ وما هي الخيارات العملية التي يمكن لمصر أن تعتمد عليها في إطار سعيها لحل الأزمة؟ مفهوم الدبلوماسية المائية وأدواتها يعرف مفهوم الدبلوماسية المائية Water Diplomacy بأنه نظرية ممارسة تنفيذ إدارة المياه التكيفية لقضايا المياه المعقدة، وهو أحد أنماط الدبلوماسية الحديثة التي تعتمد على نهج ممارسة الدبلوماسية بشكل أكثر تكثيفا تجاه أزمات المياه على وجه التحديد؛ بأن يشخص المفاوض مشاكل المياه، ويحدد نقاط التدخل، ويقترح الحلول المستدامة التي تراعي وجهات النظر المتنوعة والقيم المستهدفة ومواطن الغموض وعدم اليقين فضلا عن المتغيرات الطارئة على صعيد التنافس بين الدول في مجالات المياه مع الإلمام بالاحتياجات التي تتطلبها كل حالة. كذلك تعرف الدبلوماسية المائية بأنها مجموعة الأنشطة والفعاليات التفاوضية والدبلوماسية التي تستهدف قضية مائية معينة، بحيث يتم حشد الكوادر والجهود البشرية، وتخصيص الإمكانات المادية والرمزية، خلال فترة زمنية محددة، لتحقيق أهداف إستراتيجية على الصعيد المائي الدولي، وبحيث تكون هناك خطة إستراتيجية مائية تسعى الأجهزة الدبلوماسية من خلال تحركاتها وأنشطتها الخارجية إلى تحقيق أهدافها. وتركز الدبلوماسية المائية على إنشاء حلول مبتكرة تقوم على أساس علمي يتحسس القيود المجتمعية لمجموعة واسعة من مشاكل المياه، ويفهم من مصطلح الدبلوماسية المائية أنه الألية التي تشمل أدوات الدبلوماسيين تجاه مشاكل المياه والسياسات البيئية، وإستراتيجية إدارة المياه، والحلول الهندسية التي تجتمع معا وتطبق في سياق مشكلة المياه لتوفير الحلول السياسية والتفاوضية الإجرائية على المستوى المناسب لكل حالة على حدة. والدبلوماسية المائية هي كذلك "مجموع العمليات والآليات والموارد التي يمكن استخدامها على نحو مرن للتركيز على بناء وتعزيز الثقة بين البلدان المتشاركة في مجاري الأنهار والبحيرات والبحار"، ويمكن للبلدان التي تشهد صراعات مائية التوصل إلى اتفاقات ترضي احتياجات مواطنيها من المياه فضلا عن مصالحها الوطنية عن طريق تلك الآليات من خلال التوصل إلى تقنيات مبتكرة وإدارة تعاونية لا يمكن من خلالها تسهيل حل المشكلات فحسب، بل ويمكن أيضا من خلالها إدخال وسيلة مهمة لتعزيز الحلول المستدامة التي تلقى قبولا لجميع الأطراف لتحقيق المصالح الوطنية. وتعد "دبلوماسية المياه" واحدة من الدبلوماسيات الجديدة وغير التقليدية التي شاعت في الآونة الأخيرة في ممارسات العلاقات الدولية، وفي الآونة الأخيرة برزت الحاجة إلى تفعيل "الدبلوماسية المائية" بشكل أكثر إلحاحا مع احتدام الجدل حول قضايا توزيع المياه في الحالة التي بين يدي الدراسة الراهنة وهي حالة: "سد النهضة والعلاقات المصرية الإثيوبية". ويرى البروفيسور شفيق الإسلام ان أدوات الدبلوماسية المائية تتركز في مجموعة العلوم المساعدة التي تشكل معارف الدبلوماسيين ويجب أن يحيط بها المفاوضون في مجالات الدبلوماسية المائية، ذلك أن للعلم دور كبير في تغيير مسارات التفاوض، وتعد المعرفة العلمية والفنية مهمة فى المفاوضات المائية، لكن ليست بالطرق التى تستخدم بها غالبا، فمن النتائج العكسية استخدام المعلومات العلمية لتبرير تعسف القرارات السياسية. على سبيل المثال: المعلومات العلمية تزايدت بشكل كبير خلال العقود القليلة الماضية، لكن قدرة الدول على إدارة موارد المياه لم تتحسن نسبيا. "وببساطة فإن الربط بين الخبراء وخلق المزيد من المعرفة العلمية وتطوير قدرات نموذجية أكثر وتبادل البيانات ليس كافيا لتحسين إدراة المياه. فنحن بحاجة إلى طرق (وسائل) أكثر فعالية لخلق معرفة قابلة للتنفيذ تكون جديرة بالثقة، ويسهل بلوغها ويتم استخدامها من قبل جميع الأطراف لتعزيز السياسات وتنفيذ البرنامج"، وفقا للسسكايند. مرة أخرى، للحصول على معلومات علمية وفنية يمكن الوثوق بها واستدامتها، يجب أن يتم جمعها بالتعاون بين الأطراف المتفاوضة، كما أن النتائج العلمية المتعلقة بالمياه تتوقف عادة، فى جزء منها، على الأحكام غير الموضوعية والأحكام المحملة بقيمة، مثل: ماذا تقيس؟ وكيف تقيم الاستخدامات المتنافسة؟ (مثل الحفاظ على الماء من أجل استخدامه في الزراعة)، وكيف تضع نطاقا للدراسة؟ (مثلا: ما هى الآفاق الجغرافية والزمنية التى تستخدمها)، وما هى المؤشرات والنماذج التى توظفها؟ وماذا تفعل بشأن البيانات المفقودة؟ أحكام مثل هذه يجب أن تكون شفافة ويجب أن تتم بالتشاور مع هؤلاء الذين سيتأثرون بالنتائج، ويمكن أن تساعد التحليلات العلمية والفنية فى خلق القيمة، لكن فقط عندما ينظر إليها على أنها مفيدة للطرفين. ويمكن القول إن "العمل المشترك فى مجال قياس تدفقات التيار ومشروعات التخطيط يبقى إجراءات بناء ثقة كبيرة (CBM) خلال سنوات عملية التفاوض، كما أن فحص مدى دقة وصحة البيانات المقدمة من طرف واحد، كانت باستمرار محل تساؤل وتمحيص الطرف الآخر، لكن هذا لم يقوض الثقة المتبادلة بينهما"، وهذا ما أشار إليه يورى شامير، وهو مفاوض إسرائيلي عمل على اتفاق المياه لعام 1994 بين إسرائيل والأردن. وفي حين تحظى الثقة فى عملية جمع البيانات وخلق المعرفة بأهمية خاصة عندما يضع الأطراف خيارات إبداعية بناءة تستهدف زيادة القيمة، فإنه من المفيد تواجد منسق ماهر فى مفاوضات المياه فى كل نطاق ومرحلة، فى الحالات التى يكون فيها التفاوض على نقاط أو مشكلات فنية / تقنية، وهو ما يلزم في حالة مفاوضات سد النهضة الإثيوبي بين مصر والسودان وإثيوبيا، ومن الضرورى أن يكون هناك مفاوض ذو خلفية علمية وتقنية كبيرة حتى يتمكن من إطلاع أصحاب المصالح (الإدارة السياسية/ الرأي العام) على حقائق الأمور. مع هذا الدعم التقني يمكن للأطراف المتفاوضة خلق قيمة من خلال تحديد التغييرات فى الممارسة أو السياسة التى من شأنها أن تكون مفيدة للطرفين. على سبيل المثال: تغيير سعر المياه يمكن أن يغير الطلب، وهذا بدوره قد يغير العرض على المدى القصير. وبالمثل، تحديد تكنولوجيات جديدة وتكاليفها وفوائدها قد يغير ديناميكيات العرض والطلب فى الحوض. وبالتالى، فمن المهم على الأجهزة الدبلوماسية جلب المعرفة العملية والأفكار فى جميع مفاوضات المياه، ولكن ليس فقط لتبرير القرارات التى يتخذها أحد الأطراف. بدلا من ذلك، ينبغى أن تستخدم المدخلات العلمية الموثوقة خلال مرحلة "الاختراع" التى يمكن لأصحاب المصلحة استخدام المعلومات الموثوق بها لصياغة الاتفاقات المثمرة بشكل تعاونى. فضلا عن ذلك فإن المفاوض في مسائل الدبلوماسية المائية بحاجة ماسة إلى أدوات يمكن من خلال الإحاطة بها ممارسة "فن الممكن لتحقيق المصالح الوطنية"على نحو جيد، وعلى رأس هذه الأدوات مجموعة من العلوم المساعدة التي تمكن الدبلوماسي على طاولة التفاوض من التوصل إلى حلول ناجعة في هذا الصدد، ذلك أن الدبلوماسية المائية عمل شاق يحتاج إلى صبر ويتطلب الكثير من الجهد والعمل الدءوب من خلال تحصيل معرفي جدي ومتنوع.