يوم كان الرئيس الاميركي السابق جورج بوش يلملم اوراقه في مثل هذه الايام من العام 2009 او قبلها بقليل، لم يكن امامه وقد انخفضت شعبيته الى ادنى مستوى لها الا ان يقول انه فعل ما كان يجب عليه فعله وان التاريخ كفيل بتقييم منجزاته. ترك بوش ارثا مروعا من الدمار والخراب في العراق، كانت انهار الدماء من جراء الحرب الاهلية تتدفق وهو يتفرج، البلاد تعصف بها ريح الطائفية وتتوزعها المليشيات المسلحة وتنخر فيها قاعدة بلاد وادي الرافدين ومع ذلك كان يقول انه يشعر بالفخر. يردد الكلمة ذاتها زميله وخلفه اوباما وهو يلملم اوراقه، فهو يشعر بالفخر ايضا لأنه ترك سوريا تنوء بأحمالها ومصائبها وغطرسة نظامها ولم يوجد حلا حاسما وترك الامر للمساومات حتى تساوى اللاعبون الصغار مع الكبار في تقرير المصير السوري وصولا الى مستوى فلول وكتائب وفصائل صار بإمكانها تغيير مسار الصراع. اوباما وهو ينظر الى السنوات التي مرت على حكمه في حوار مطول ومتشعب نشرته مؤخرا مجلة اتلانتيك لا يملك الا الرثاء للحلفاء التقليديين، يذم سياسة فرنسا السركوزية كما يذم سياسة كاميرون في الشأن الليبي ويعلن براءته مما آل اليه الحال في ذلك البلد. واما في المواجهة الايرانية – السعودية الحالية فأنه ببساطة يدعو الدولتين الى التعايش في ظل ما يسميه "السلام البارد". هي اذا انصاف الحلول ومتاهة لا نهاية لها من الصراعات التي اشتعلت في ظل حكمه مع ترك نهاياتها سائبة بالضبط كما ترك الساحة العراقية بكل ما فيها من صراعات مشتعلة وانسحبت جيوش اميركا لا لشيء الا ليثبت وعوده الانتخابية. واذا كان ما عرف بعقيدة بوش قد قلبت الموازين واذكت عنفا عالميا لا نهاية له خاصة في الاقليم العربي انطلاقا من الساحة العراقية فأن عقيدة اوباما شهدت فصول ما عرف بالربيع العربي وما آلت اليه الاحوال من دمار وخراب في اكثر من بلد عربي صار مهددا في سيادته ووحدته الترابية. وان سعى اوباما لأبراء الذمة وانه لم يفعل سوءا يذكر في تقرير مصير هذا البلد العربي او ذاك فأن لنائبه بايدن الذي يعتز بصهيونيته المعلنة صولات وجولات فيما يتعلق بالخرائط السائدة واولها مشروعه الشهير لتقسيم العراق على اساس عرقي ومذهبي وطائفي. ولأن ذاك الصراع قد اشتعل ووصلت الامور الى شفير المواجهة حيث تلعب ايران ادوارها الواضحة فأن اوباما لن يقول كلمة تسوء ايران ولا يضيره اشتعال الطائفية السياسية بل انه ببساطة ينعى العالم العربي وقد استحوذ عليه ذاك النوع من "التخلف" معلنا ان اميركا بصدد الاستثمار السياسي في ساحات عالمية اخرى اكثر تقدمية وتحضرا من هذه الساحات التي يعصف بها التطرف. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل كانت اميركا بعيدة الى هذه الدرجة عن بؤر الصراع حتى تتمكن من ان تغسل ايديها من كل شيء بهذه السهولة؟ هل كانت بريئة الذمة مما جرى ورافق ما عرف بالربيع العربي؟ وهل كانت اميركا مجرد متفرج على ظاهرة صعود الاسلام السياسي - الاخواني وهبوطه وفشله فيما بعد؟ الم يكن لها الحضور الفاعل في السياسات الاخوانية التي سادت بلدين على الاقل هما تونس ومصر؟ ثم على الجهة الاخرى واذا افترضنا ان براءة الذمة التي ينشدها اوباما تتطلب مرافعة بصدد ما يسميه الطائفية السياسية، ذلك الوباء الذي صار يعصف بالعالم العربي، الم يكن اوباما هو المدافع اللدود من اجل رفع العقوبات عن ايران واعادتها الى المجتمع الدولي ولكن في مرتبة قوة نووية؟ الم يكن ذلك تأجيجا لظاهرة ظلت مستترة واطلاق يد قوة اقليمية فاعلة ومؤثرة مما كان له تفاعلاته ونتائجه اللاحقة مما نعيش فصوله اليوم؟ لعل اوباما في ما ينشده من براءة الذمة انما يسعى الى الهرب من واقع كارثي خلّفه وراءه، واقع يمور بالصراعات والاستقطابات فيما تقف اميركا متفرجة وهو اعلن ايضا في حواره مع المجلة المذكورة ان اميركا ليست في وارد التورط في مثل هذا الصراع الطائفي ولسان حاله يقول نحن من اسهم في اشعالها بقوة ولكن ليس علينا المساهمة في اطفائها ولا اعادة الامور الى نصابها. ختاما... يترك اوباما لصقور الجمهوريين الفرصة ليجلبوا مرشحهم ليكمل السير في نطاق الحرائق التي تشتعل في العالم العربي ليس مطلوبا منه كما يبدو اطفائها بقدر تحكيم البراغماتية السياسية لضرب اطراف الصراع ببعضها امعانا في الفوضى الخلاقة فيما اميركا تتخلى عن حلفائها وتتنكر لهم مخلفة وراءها حرائق وانظمة وبلاد محطمة وحيث لا يشعر اوباما ولا سلفه ولا خلفه بأي اسف عليها.