أي يمن تيمننا فيه، ولساننا غير لسانهم ، بادلناهم السلام فردوا لنا بالخصام ، فتحنا لهم الأبواب يدخلوها بسلام، فقالوا:هذه ديارنا من زمان ، تنازلنا لأجل العروبة فصار الكل عندهم أكذوبة. يا للعجب..! كنا نحسبهم أيقاضآ للإيمان، ولكنهم في سبات عميق وسط ظلمات الجهل والطمع والفيد بادلناهم المودة، والحب، والوفاء فأتوا يحملون على أكتافهم الضيم ،والحقد، والكراهية. أبينا إلا أن نوفي بالعهد، فما صار منهم إلا أن أصبحوا من ناقضي العهود ومصاصي الدماء. فرشنا لهم الأسواق ورودآ لكي يترزقوا من القحط الذي حل بهم فما كان منهم إلا أن زرعوا لنا مطبات من الأشواك. كل هذا في وقت كان الجنوبيون في أعلى مرتبة الرقي والإزدهار بينما كان الطرف الآخر من أخوتنا الشماليين، في يمن تعيس تنهشه الذباب. لم نكن نعلم يومآ ما إنها قنبلة موقوتة من العيار الثقيل، سوف تنفجر إنفجارآ مدوي تخلف بعدها ركام من الويلات التي أشبعتنا فقرآ وجوعآ وخوفآ.
هل جزاء الإحسان إلا الإحسان..؟ أتونا مثل الفئران شاردين، فتحولوا بين لحظة واخرى قططآ وكلابآ تلهث وراء كل ما يليق لهاء من الأطماع لتسد به جوعها. كنا في قمة وعز الرفاهية وسط حديقة تملؤها الورود. فما كان منهم إلا أن حولوا ذلك البستان إلى حلبة لمناطحة الثيران. لم يكتفوا بسلب الأرض، بل جردونا حتى من رداءنا الذي نرتديه. حولوا أجمل بقع في تاريخ الوطن العربي إلى ساحات تباع فيها النخاسة.
كان الجنوب أشبه بشجرة ضخمة يتظلل تحتها العرب جميعآ. وها هي الشجرة -اليوم- يجردها الطامعون من أوراقها لتصبح جرداء لا يتظلل تحتها إلا الفاشلون وما قيل -هنا- إلا غيض من فيض وقطرة ماء من بحر. لكن لذة الإنتقام - الوحشي ، وما خلفه الجاهلين المتطفلين ، بهذه الأرض الطاهرة - لا تدوم فوق اللحظة التي عبثوا فيها وعاثوا في الأرض فسادآ. وأخيرآ ها هي قطرات الماء نسمع خريرها..لتصنع جدولآ من جديد. أمام الرضاء الذي وفره العفو والتسامح ليدوم إلى أبد الآبدين .