أزمة ضمير أم أزمة أخلاق أم أزمة قيم أم ... أم... أم...؟؟؟ هذا الذي نشاهده في عدن ونعيشه ماذا يمكن أن نسميه؟ منذ أكثر من أسبوع وشركة النفط تضخ كميات كبيرة من البترول لكافة محطات التوزيع في عدن ولحج وأبين والضالع، إلا أن الطوابير الطويلة للسيارات والازدحام على تلك المحطات مازال مستمراً وبنفس الوتيرة تقريباً. سيارات ودبب، دبب من مختلف الاحجام والألوان؛ شنط السيارات مليانة دبب، ودبب فوق سلالها ودبب معلقة في الجوانب، وناس رايحين جايين محملين بالدبب! البترول والديزل هو شغل الناس الشاغل هذه الأيام. لا يكاد الواحد يفطر حتى يهرول إلى أقرب محطة: قاته وماءه وشرابه في سلته، وبندقيته معلقة بكتفه، وفلوسه في جيبه ودببه بيديه. يقول لك باب رزق وانفتح، طلبة الله. في الأيام الأولى كانوا يبيعونه مباشرة وبأسعار خيالية وصلت إلى أكثر من (15) ألف للدبة؛ الآن وبعد أن أرتفعت القدرة الشرائية عند البعض وتراجع السعر أخذوا يخزنونه في البيوت، بعضهم وصل مخزونه إلى عدة براميل. وكم من الحوادث المحزنة نتجت عن هذا التخزين، ومع هذا لا أحد يعبأ؛ الكل يجري ويجمع ويشفط ويخزن؛ بعضهم يسرح هو وأولاده؛ أما كبار الحارات وعقالها وكبار الشخصيات فلا تسأل، وخلي الطبق مستور كما يقول المصريون. الكثير من اصحاب سيارات وباصات الأجرة بطلوا عاد يشتغلوا واكتفوا بالمرابطة أمام المحطات، فقد وجدوا في ذلك شغلة أربح؛ فبدلاً من اللف في الشوارع على ألفين أو ثلاثة ألف ريال، فإن الوقوف في الطابور لعدة ساعات ويروح بعدة دبب يربح في الواحدة منها شقاء يوم كامل أو أكثر. الغريب أن سعة خزانات السيارات قد اتسعت بشكل لا يصدق. تصوروا سيارة كورولا يتسع خزانها لأكثر من عشر دبب. فعلى أي جهة يمكن أن نلقي اللوم لمثل هذه الظواهر المعيبة والسلوك السيء والمشين؟؟ لقد مكثنا أكثر من خمسين سنة ونحن نعلق فشلنا وخيباتنا وإخفاقاتنا على شماعة الإمامة والاستعمار حتى وقعت وتكسرت. وأخشى أن نمضي خمسين سنة أخرى نعلق أخطاءنا ومساوئنا ومصائبنا وسلبياتنا على الآخرين، مهما كانت مبرراتنا، ومهما كنا صادقين. صحيح نحن بشر نؤثر ونتأثر بما حولنا، ولكننا كبشر أيضاً نستطيع أن نتحكم في سلوكنا وعلاقاتنا، واختيار الطريق الأنسب لحياتنا وتقرير مصيرنا. إن هذا الذي يجري في عدن ومحافظات الجنوب الأخرى من فوضى غير معقولة وغير مقبولة في كل شيء، سواء فيما يتصل بأزمة الوقود الحالية أو غيرها، يعبر بوضوح عن أزمة عميقة في القيم الدينية والإنسانية وحتى الأخلاقية. يقول أحمد شوقي: وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا ورمضان كريم