منذ خمسة أيام مضت والصبيحة تعيش حالة من الألم العام ، لرحيل كوكبة غالية من خيرة رجالها ، وهو الألم ذاته الذي يخنقني ويبعثر تفكيري منذ ليل الأحد الفائت وأنا أصارع حزني وآلمي ولا أكاد أخفيه ، برحيل نصف أعضاء مجلس قيادة طوارئ الصبيحة المشكل حديثا لانتشال واقعنا ، وسط الحسرة وندم عليهم ورحيلهم المبكر والمفاجئ . رحيل مدو وسط الصبيحة من كرش مرورا بطور الباحة إلى أقاصي جبال المضاربة وباب المندب غربا ،رحل نصف مهندسي الطوارئ في بداية مشوارهم ،غادرونا بصمت الطفولة دون أنين وضجيج، بل اختاروا الموت والرحيل على طريقتهم الخاصة و أثناء مهمة إنسانية بحتة لخدمة أهلهم ومنطقتهم وتامين حدود دولة الجنوب وتامين الجبهات الحدودية .
ومع هذا أبى الموت إلا أن يغيب هذا الأسبوع أهم أولائك الرجال الذين حملوا الهم والحلم والجرح لمدة ليست باليسيرة من الزمن ، حيث ترجّل فرساننا الخمسة ، وهم في طريق العودة إلى أسرهم والفرح يغمرهم بتحقيق انجازاً جديدا لمجلسنا هذا . في طريق العودة كان الجميع يحث الخطى سريعا ليبلغونا جميعا بانجازهم الجديد الذي تحقق ذلك اليوم ، وفي الطريق يدور حديث عن برنامج عمل اليوم التالي .
وقد دفع هولا الفرسان ثمناً باهظاً ، ثمن حبهم لأهلهم ، ومنطقتهم ، وجنوبنا الحبيب ، كما كانوا رحمه الله عليهم أول من تفاعل مع مثل تلك القضايا الإنسانية ، معلنين مع باقي قوام هيئة الطوارئ تطوعهم بتقديم ما أمكن تقديمه لجبهات الصبيحة المشتعلة ، والمحرومة من كافة سبل الدعم والإسناد ، متطوعين للعمل في هيئة الطوارئ لمناطق الصبيحة ولخدمة القضايا الإنسانية ، والحقوقية .
إن رحيل اللواء صالح ناجي حربي البرلماني الأسبق والدكتور طه علوان نائبا رئيس هيئة الطوارئ و اللواء الركن عبدة الشاعر قائد القوت الجنوبية السابق ومستشار وزير الدفاع ، ومستشار هيئة الطوارئ الحالي ، وكذلك الدكتور محمد سيف حسن الشعبي مساعد الهيئة ومعهم الدكتور غسان الكعلولي ترك الكثير من الحسرة واللوعة في قلوب جميع محبيهم ، بل وجميع أهالي مناطق الصبيحة خاصة والجنوب عامة.
ترك شهدائنا الخمسة خلفهم ميراثا هائلا من المحبة وعمل الخير سيظل شاهداً للأجيال القادمة . لقد كانت لهولا الرجال إسهامات بارزة ،في الكثير من المجالات الوطنية كلاً من موقعة ، في خدمة منطقة الصبيحة والقضية الجنوبية ، ومواقفهم الرافضة ضد السياسة التي انتهجتها ميليشيات الحوثي وصالح واحتلال مدن الجنوب ، ولم يقتصر دورهم عند هذا الحد بل كانوا سندا للمقاومة الجنوبية منذ اليوم الأول .
ولا اخفي سراً بان البعض وأنا منهم ، سادنا تخوف بأن خسارة الصبيحة لهولا الفرسان ، وهم من خيرة رجالها بأن حلمنا الجميل الذي لم يمضي على ولادته أسبوعان فقط ، هاهو يتوقف ويموت بموت هولا الأبطال ، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يجمع فيها السواد الأعظم في ربوع مناطق الصبيحة من الغرب إلى الشرق على هولا القادة ورفقائهم في تأسيس أول كيان موحد لقبائل الصبيحة المترامية الأطراف على امتداد ثلاث محافظاتعدن ، لحج ،وتعز .
بعد ارتقاء هولا العظام إلى بارئهم تسلل الخوف في خواطر عديد من الشباب والنشطاء ، من أن الحلم سينقضي وان النصف الآخر من قيادة الهيئة سوف تتراجع عن إكمال المهمة التي حملهم أيها أهلهم ، ويمكن أن تقبر باستشهاد نصف رموز ومؤسسي الطوارئ .
وخلال الأيام الثلاثة من العزاء ، وعديد أفكار تدور براسي ومخيلتي والمئات من شباب الصبيحة حزناً على أعز من فقدناهم ، وخشية من اندثار حلماً تشكل ، وخلال ألقاءات تلك في مجالس العزاء قرأت عدة أفكار وأسئلة محيرة في أعين الكثيرين ن لكن جميعها كانت تقول علينا المضي قدما في الطريق الذي اقتطعه هولا الشهداء .
وعزز هذا الموقف من خلال جلوسنا مع رئيس ونائب رئيس الهيئة وسكرتارية الهيئة، خلال الأيام الثلاثة الماضية رأيناهم أكثر حماسا وإصراراً على المضي بهيئة طوارئ الصبيحة ، قدماً وإنها ستبقى مخلصة ووفية للرؤية والمبادئ التي وضعوها منذ اليوم الأول بمعية زملائهم الشهداء وأنهم على الدرب ماضون بقوة وعزيمة أكثر من إي وقت آخر .
لمسنا حرصاً شديداً من أولائك الرجال على التعاون والتنسيق من أجل إغاثة المنكوبين ومتابعة استكمال علاج الجرحى ، واستخرج توجيهات عليا باعتماد تجنيد الآلاف من أبناء الصبيحة أسوة بباقي المناطق ، بالإضافة إلى إسناد دعم الجبهات بما يلزم للصمود في وجهة أي تقدم حوثي صوب مدن الجنوب ، ومتابعة ملف الخدمات لمديريات الصبيحة ،فضلاً عن القضية التي لا تقل خطرا وهي إنها مشاكل الثارات القبيلة كافة في هذه المناطق . إما نحن ، فإنه من واجبنا أيضاً أن يواصل باقي أعضاء هيئة الطوارئ طريقهم الذي رسموه مع زملائهم شهداء المحبة ورسل السلام ، خوصا والمرحلة التي تمر بها مناطق الصبيحة ليست بالهينة ، فالعدو يتربص بمناطقنا من كل حدب وصوب ويفرض حصاراً عليها منذ أكثر من عام من الآن ، في الوقت الذي حرمت فيه مديريات الصبيحة من جميع الخدمات ، وسبل الدعم مثل باقي المناطق الأخرى .
لا ينبغي أن ننسى أن الصبيحة قدمت المئات إن لم يكن الآلاف من الشهداء وزفت خيرة شبابها منذ بداية العدوان على الجنوب ، ومع ذلك فان عطائها لم ينضب ، وما تزال تنجب الرجال ، لكن السؤال ما الذي قٌدم للصبيحة حتى الآن نظير مواقفها هذه حتى اللحظة ؟؟
لطالما كانت الصبيحة تعتز برجالها على الدوام ، هاهي اليوم تتقاطر قبائل الصبيحة من كل القرى والأرياف إلى عاصمة الجنوب عدن لتقول بإنها فخورة بما قدمه أبنائها الشهداء رسل المحبة ، وتعتبرهم وجهاً من وجوهها وركناً من أركانها، وفي الحادثات كان لهولا وباقي رفاقهم كلمتهم الصائبة لإصلاح الأخطاء والاعوجاج ، وقد شكل أولائك الفرسان وبقية زملائهم الذين ندعوا لهم بطول العمر إجماعاً قلما وجد له نظير في شتى ربوع الصبيحة ، لما تحلو به من مكارم الأخلاق ودماثتها ، فاستحقوا أن يكونوا موضع احترام الجميع .
وقبل ذلك كله كانت الطريقة التي مات بها رفقائنا وقادتنا كفيلة بأن تثير عطف الجميع وحزنهم على هذا المآل ، الذي حصد أرواح هولا القادة ، وهم يجوبون القرى والأرياف كل يوم لإنقاذ ما أمكن إنقاذه من الشتات التي عانته الصبيحة لسنوات ..
وإذا كان الموت قد أسقط عن الصبيحة عدد من تيجانها ورؤوسها المناضلين ، فلا شك بان هذه القبيلة لا تزال تملك ألف رأس ورأس وألف تاج مرفوعا وقامات سامقة ستضل شامخة ، ستجعل من ذاكراتهم جوهراُ لا يخفت له بريق، ونبراساً على الطريق الذي سلكه واختاره المؤسسون .
من هذا المنطلق يمكن أن نقول أن حربي وطه علوان والشاعر والشعبي وغسان أحياء يرزقون ، في قلوب من يناصر قضيتهم قضية لحمة الصبيحة ، قضية المحبة والإخاء ، قضية انتشال الصبيحة من حالة الاندثار والإهمال التي مورست ضدها لعقود من الزمن بفعل السياسات المتعنتة للحكومات المتعاقبة وحتى لحظتئذ .
الموت لا يغيب إلا الذين حرضوا على الكراهية والمناطقيه ، وتركوا هذه المنطقة الجغرافية بعيداً عن أي حسابات سياسية ، تركوها حتى ساعتنا هذه تواجه مصيرها بنفسها ، مضى عام كامل والصبيحة تقاوم المشروع الانقلابي والحوفاشي ، في كافة مناطقها وحدوها بنفسها فيما فضل الجميع المشاهدة عن بعد ، ومتابعة ما يجري على هذه المناطق والخوف يخنقهم ماذا إن حدث وسقطت الصبيحة ، في الوقت الذي أنفسهم يرفضون أي إسناد ودعم للجبهات تلك أو حتى إغاثي وأنساني ، والأكبر من ذلك كله الإقصاء والتهميش الكلي لقيادات وكوادر الصبيحة من قبل قيادات الشرعية ومسئوليها الجدد ، فالموت يغيب هولا فقط ،أما من أولائك الحريصين على الدفاع والاستبسال على أرضهم والجنوب كله بإمكانيتهم الشخصية ، و أولائك الحريصين على الإخاء والمحبة والسعي إليه ، فهم من طينة الإنسان الصادق المحب لوطنه ولا يلفه النسيان أو يطمره الدهر .
فلا ينبغي أن يسقط مشروعهم وحلمهم ذاك ، الذي تغنوا به ، وتلك أغصن الزيتون التي حملوها معهم إلى مركز الصبيحة والى أطراف اليمن من الجنوب الغربي ، حينما تنقل شهدائنا وباقي هيئة الطوارئ إلى الجبهات المشتعلة في مديرية المضاربة على الساحل الغربي لباب المندب لتلمس أوضاعها ، بل يجب أن يغرس في تراب الصبيحة .
رسائل خاصة . إلى قيادة الشرعية : شهداء الصبيحة خرجوا يحثون الخطى للملمة القبائل ، خرجوا يبحثون عن دعم من جهات خاصة لإسناد ودعم الجبهات التي تدافع عن المدن المحررة ،والعاصمة الشرعية ، وعن شرعيتكم ، في المقابل لازالت شرعيتكم وحكومتكم متناسين مناطق الصبيحة عاما كاملاً ، من دون السؤال عن حال هذه الجبهات وعن احتياجاتها ، عن مصير جرحى الصبيحة منذ أكثر من عام وهم يسقطون تباعا ما مصيرهم وما هي احتياجاتهم ومن يتولى علاجهم . هولا الناس خرجوا بعد إن غبتم انتم وحكومتكم عن جغرافيا الصبيحة ، فإننا نطالبكم إعتماد شهدائنا شهداء محبة ، شهداء سلام ، أعيدوا حساباتكم مع مناطق الصبيحة ، فهي لا تزال تدافع عن شرعيتكم وعن تراب الجنوب .
إلى كافة قبائل الصبيحة المتنازعة : تقع عليكم مسئولية إنهاء أية نزاعات أو ثارات بعد الآن ، والجنح للسلام ، وفاء واحتراماً لولائك الشهداء "رسل المحبة والسلام " ودورهم في حقن الدماء ..