حينما تتحرر المدن ويُطرد الغزاة منها، تبدأ بالخروج من عنق الزجاجة، لتنفض غبار الركود، وتشرع بمواكبة التطور وتزرع الأمن و.... وما الثورات العربية السابقة إلا انموذج لتلك الأدلة التي لا تدع أي مجال للتساؤل، عندما طردت المستعمرات الغربية وأخذت تزاحم في فضائيات الحياة حتى استقرت في خير مستقر. فأين الحكومة اليمنية ووزرائها من هذه الحقائق التي تأتي كثمرة ومحصول لأي نضال وطني كما حصل مؤخرا؛ إلا أن الشرعية لا زالت نائمة عن مثل هذه المسميات. فالحكومة اليمينة التي اضاعت نصف عمرها متنقلة من دولة لأخرى؛ وظلت ترقد فوق بساط فنادق الرياض حتى تعفنت الوسائد من مضاجع أفرادها، لم تعد تعني للشعب شيئا، ذلك بأنها أسهفت بوقتها وعجزت أن تلبي تطلعات الشعب وتصغي لمطالبه واتسمت بالفشل الذريع وراء كل مخطط وضعته، وكان الرئيس هادي هو رأس ذلك الفشل، هذا الأخير الذي أصدر جملة من التغييرات الحكومية لم تكن عند مستوى مسؤولياتها. لكن المراقب للأوضاع بعين مفتوحة يرى أن أرض الجنوب ليست مكانا مناسبا للشرعية، ولا تتطابق مع نزعاتها وهنا يمكن القول بأن الجنوب هو سببا في فشل الشرعية لعدة أسباب انفصامية منها: أن نظرة الحكومة اليمنية إلى الجنوب لم تتغير منذ عام 94م، حيث تراه بعين الأقلية الدونية، وترى بأنه أشبه بحزب متطرف جاء يطالب بحقوق جذرية لم يعد من الممكن وجودها في ظل بحث العالم عن سلام شامل يتبعه دولة ذات وحدة وطنية؛ وعكس ذلك صحيح أيضا حيث لا يرى الجنوبيون الحكومة إلا من باب واحد، هو باب الاحتلال الذي سلب حقوقهم ونهب ثرواتهم وأذاقهم ويلات العذاب رغم تبدل وتناوب الشخصيات الحاكمة والممثلة؛ مما جعل الحكومة الشرعية تباشر عملها السياسي والإداري من عدن دون مراعاة لشعور الجنوبيون، بل وحتى عدم الاستجابة لأبسط مطالبهم الحقة التي يفرضها الواقع على الحكومة باعتبارها المسؤول الأول عنها، هذا الأمر الذي يعده الشعب في الجنوب انتهاكا لثورته التحررية التي راح ضحيتها آلاف الشهداء والجرحى، ويرون بأنه خيانة للقضية الجنوبية باعتبار الحكومة أحد أدوات القمع التي استخدمها المخلوع طيلة حكمه وسخرها في قمع كل مطالب جاء بها شعب الجنوب. كذلك واقع الجنوب اليوم متغير جدا، وهو أكثر خطورة من سابقه؛ حيث كثر أعداءه المتربصون واتجهت كل مطالبهم ونزاعاتهم نحو عدن -صمام الجنوب- مما جعل الجنوب ومعه الحكومة تحت مخالب متعددة؛ توحدت بهدفها للنيل من الجنوب والشرعية معا، وتفرقت بانتماءاتها ومسمياتها. لذلك فإن الجنوب ليس ارضية صالحة للحكومة كي تمارس توغلاتها وتباشر وظائفها منه؛ خصوصا وأن حمم البراكين الثورية لشعب تزداد كلما تماطلت الحكومة في واجباتها وتعثرت في محاولة النهوض بالبلد إلى وضع أفضل، مما يجعل الحكومة أمام تحد صعب إلى جانب تحدياتها الحالية في مشاريعها المتعددة وأهمها ملف الكهرباء، وهو الملف الشائك الذي عجز كل المسؤولين عن إيجاد حل لأزمته الراكدة؛ بالإضافة إلى مشاريع أخرى والتي يظهر فيها فشل حكومة بن دغر يوما عن آخر!