بعد مرور حوالي ثمانية عشر شهراً من الإغتراب والعمل في المملكة السعودية، عادت حكومة اليمن الشرعية الى الوطن لممارسة عملها والاشراف على إدارة المناطق المحررة. والجميل في عودة الحكومة اليمنية ان أعضائها لم يتجاهلون الشرخ الإجتماعي العميق الذي نحتته السنين الخوالي في صلب المجتمع وعمقته الحرب الأخيرة، فمنهم من حط رحاله في عدن ومنهم من ولّى وجهه شطر محافظة مأرب. ولكن الغريب في الأمر ان رئاسة الحكومة في عدن لاتزال تعزف على أوتار بالية دون إكتراث لمشاعر مجتمع جريح ولا إحترام لقيمة النشيد ولا مراعاة لوهن الأوتار وضعفها، ولكن لعل في ذلك شفاءً لقلوب عليلة أخرى. ما يهمنا الآن هو ان تستطيع حكومة بن دغر تخليص نفسها من آثار الغربة وحب التسلط المركزي وتثبت للجميع قدرتها وأهليتها في إدارة البلد من خلال تهيئة الظروف الملائمة للخطوة التالية وذلك بتفعيل دور السلطات المحلية في المحافظات وحثها على الإستقلالية والإعتماد الذاتي. ومما لاشك فيه ان التحديات التي يواجهوها محافظي المحافظاتاليمنية خصوصا الجنوبية والشرقية منها كثيرة ومتنوعة، ولكن قدرة المحافظين والسلطات المحلية في تلك المحافظات على تحرير قيادتها وطاقمها الإداري من آثار النظام المركزي القديم هو محك النجاح وهو التحدي الأول الذي يتحتم على السلطات المحلية تجاوزه. فلا يمكن ان تتغلب أي محافظة على العقبات الكثيرة التي تعيق سبل تنميتها، وإن كانت وفيرة، إلّا بتحرير أفكار وأنشطة قياداتها من إرهاب السلطة المركزية الذي اعتدناه لسنوات طويلة.
لابد للحكومة اليمنية وللسلطات المحلية في المحافظات استيعاب المتغيرات والمتطلبات الراهنة والتعاطي معها بحكمة ومسؤولية كاملة تقود الى إكتشاف أفضل الطرق لإستثمار وإدارة الموارد البشرية والطبيعية الوفيرة بعيداً عن الاتكالية والتسلط المركزي الذي يثبط العزيمة ويرهن جهود ونجاح السلطات المحلية في المحافظات برضى المركز. يجب ان تدرك السلطات المحلية في كل المحافظات جيداً ان الاعتماد الكلي على دعم التحالف العربي والحكومة الشرعية ليس إلّا إختبأ عن المواجهة وتنصل عن المسؤولية، وليس هو الحل لإدارة المحافظات وتنميتها ولكن النجاح الفعلي يكمن في إستطاعة السلطات المحلية في كل محافظة على التخلص من داء المركزية وحُمّى الإتكال ثم التصرف بمسؤولية وإستقلالية تامه كفيلة بتشجيع الابداع والابتكار لاكتشاف الموارد المحلية الدائمة واستثمارها.