في ظل الاجتهادات والآراء المطروحة على الساحة اليمنية في تحديد ما هي الدولة المدنية القادمة التي ننشدها، تكاد معظم الآراء تجمع على أن ما حال دون إقامة هذه الدولة بهذا المفهوم يكمن في المركزية الشديدة التي حكمت المرحلة الماضية وجعلت المركز (الرئاسة، الوزارات، الهيئات..الخ) تمسك بزمام الأمور وتحتكر القرار دون إعطاء صلاحية للوحدات الإدارية التنفيذية في المحافظات بل حتى على مستوى المركز نفسه، فإن وزارة المالية أصبحت تتحكم في الموارد المالية، وحتى تلك الوزارات والمصالح الحكومية ظلت تشكو من عدم صرف موازناتها المقرّة سنوياً من قبل وزارة المالية التي تصرف هذه الموازنات بالتقطير، وهي التي تقرر ما يُصرف وما لا يُصرف، رغم إقرار هذه الموازنات سنوياً في مجلس النواب، ومن ثم بقرارات جمهورية.. هذه المركزية الشديدة أدت إلى عرقلة مشاريع التنمية وتعقيد معاملات الوزارات والمقاولين والمواطنين، وكانت أحد أسباب انتشار الفساد والسمسرة والمحسوبية واختلال عدالة التوزيع وتكافؤ الفرص. وإذا سلمنا بأن المشكلة تكمن في المركزية الشديدة هذه فإن الحل يكمن في اللا مركزية، ولكن كيف؟ هناك من يدعو إلى دولة فيدرالية من إقليمين؛ شمالي «الجمهورية العربية اليمنية سابقاً» وجنوبي «جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً»، وهناك من يرى أن تكون الدولة اليمنية من عدد من الأقاليم، وهناك من يرى أن تظل الدولة المركزية القوية وتعطي صلاحيات للمحافظات، وأياً كانت الآراء فإنها تصب في 80 % منها على الأقل على اللا مركزية.
من وجهة نظري، دولة فيدرالية من إقليمين تشطير جديد وستؤول في النهاية إلى الانفصال، وهو أمر سيعيدنا إلى المربّع الأول، ناهيك عن المشاكل التي ستنفجر داخل كل إقليم.
تقسيم البلاد إلى أقاليم هو خُطوة متقدّمة مقارنة مع الحكم المركزي، غير أنه سيؤدي إلى مركزية جديدة في مراكز الأقاليم على حساب محافظات الإقليم التي تتبع محافظة مركز الإقليم.
الحل الأمثل في اعتقادي هو أن تتكون الجمهورية من (22) وحدة إدارية، وهو نفس العدد للمحافظات الحالية، تكون بنفس المسمى أو بمسميات جديدة (ولاية، إقليم، محافظة ..الخ) لنفس المحافظات بحدودها الإدارية الحالية.
يجب أن يكون لكل محافظة برلمان محلي وحكومة محلية وشرطة محلية ولها الاستقلالية الكاملة في إدارة الوحدة (المحافظة)، بما لا تخالف الدستور الاتحادي (الدولة المركزية).
يكون للمحافظة رئيس ينتخبه البرلمان المحلي، ويقدم رئيس الإقليم حكومة الإقليم للمصادقة عليها من قبل البرلمان المحلي.
للبرلمان المحلي حق إصدار التشريعات المحلية وبما يتوافق مع خصوصية المحافظة وبما لا يتعارض مع الدستور.
يكون لكل محافظة مواردها المحلية من الموارد السيادية (ضرائب، جمارك، بترول، غاز ..الخ) و60% من الموارد هذه تكون لموازنة الحكومة المركزية والمشاريع الوطنية وجزء منها يُعاد توزيعه على المحافظات، وخاصة المحافظات ذات الموارد المحدودة.
يكون لكل مديرية مجلس محلي يُعتبر السلطة المحلية للمديرية، ويشرف ويراقب نشاط الجهاز التنفيذي في المديرية، ويُقر أعضاء السلطة التنفيذية وفقاً لمعايير صارمة في شغل الوظيفة العامة يحددها القانون.
للمديرية 20% من حصة المحافظة من الموارد السيادية المتحصلة في المديرية.
الهيئات المركزية: 1. يكون للدولة رئيس يحدد الدستور مهامه وطريقة انتخابه، بحيث تكون ولايته أربع سنوات ولا يجوز انتخابه لأكثر من دورتين انتخابيتين (8) سنوات.
2. تتكون الحكومة المركزية من عدد من الوزارات يتم تحديدها وفق القانون ويتم مُراعاة الكفاءة في أعضائها ومشاركة جميع المحافظات بوزير فيها أو رئاسة هيئة من الهيئات المركزية، ويتم اختيار بقية أعضاء الحكومة بحسب الكفاءة.
تكون مسؤولية الحكومة المركزية ما يلي: 1. حماية أمن وسيادة الجمهورية من خلال إشرافها التام على وزارة الدّفاع، ويكون للبلاد جيش وطني مهمته الدّفاع عن حدود البلاد البرية والبحرية والجوية وحماية سيادتها ووحدتها، ويتم تمركز الجيش أينما اقتضت الضرورة، ولا يتدخل في الحياة المدنية للمواطنين إلا في حالات الطوارئ؛ مثل: المساعدة في حالة الكوارث أو الطلب من وزارة الداخلية في الحالات التي تتطلب دعم ومساندة الشرطة المحلية أو الشرطة الاتحادية.
2. تكون للحكومة المركزية شرطة مسلحة تتواجد في جميع المحافظات ولا تتدخل هذه الشرطة في الحياة اليومية للمواطنين في المحافظات، وتظل في معسكراتها، ولا تتدخل إلا بطلب من السلطة المحلية لإسناد الشرطة المحلية في الحالات التي تتطلب ذلك وبموافقة من وزير الداخلية للحكومة المركزية.
3. تقوم وزارات الحكومة المركزية بالتخطيط للمشاريع المركزية وتقديم الدّعم الفني والإشراف والرقابة على عمل الحكومات المحلية وتقييم أدائها وتقديم المشورة لها في تنفيذ خططها.
4. تقدّم الحكومات المحلية خُططها للحكومة الاتحادية لمناقشتها من حيث عدم التضارب في الخطط أو تكرار المشاريع ذاتها وبحيث تضمن التكامل بين المحافظات، وكذا من حيث التمويل المركزي فقط.
البرلمان الاتحادي: يكون للدولة برلمان اتحادي يتكون من عدد من الأعضاء يتم انتخابهم من المحافظات، بحيث يُراعى عند تحديد نصيب كل محافظة معيارا الكثافة السكانية والمساحة الجغرافية، وبحيث لا يزيد عدد ممثلي كل محافظة عن 30 نائبا ولا يقل عن 10 نواب.
مجلس الشورى يتكون من عدد متساوٍ من كل محافظة، 10 يتم انتخباهم من المحافظات، و30 عضوا يتم تعيينهم من قبل رئيس الجمهورية في حالة النظام الرئاسي.
تم إعداد هذه الرؤية على عجالة، وهي عبارة عن هيكل ملامح الدولة التي أتصوّر -من وجهة نظري- بأنها الشكل الملائم، الذي إذا كان مقبولا للأطراف المتحاورة سيتم إثراؤها ووضع تفاصيلها من خلال الدستور والقوانين التي ستنظّم تركيبها ومهامها، وما هذه إلا بعض عناوين سيتم إثراؤها.