انتظر المعلمون في مديرية مودية الراتب ، وهم يعدون الأيام يوماً يوماً حتى تجاوزت أيامهم المائة يوم ، فجاء اليوم الموعود ، فلقد جاء الراتب ، ولكنه راتب مجهول ، لا يدرون عنه شيئاً فمنهم من يقول : جاء راتب سبعة ، وآخر يقول : راتب ثمانية ، وفوجئ الجميع بأنه راتب مبتور ، راتب أعور أصور أعرج أقرع أبكم منتوف الريش ، لا لون له ، ولا طعم ، ولكن رائحته قد فاحت في كل الأرجاء. لقد جاء نصف راتب شهر سبعة ، فاقشعرت الأبدان ، فالكل متلهف له ، والكل يريده ، والكل يطلبه ، والكل ينشده ، والمعلم المسكين الذي كان يحلم براتب ثلاثة أشهر مصدوم . لقد جاء النصف المشؤوم ، لقد أصبح معلمو مودية يعيشون ثلاثية الموت ، ثلاثة أشهر تعصرهم حتى جففتهم ، حتى مزقتهم ، ونثرتهم ، لقد جاء النصف القاتل ، جاء النصف المفتن ليزرع في طريقهم العقبات ، فالتجار ينتظرون المعلم على أحر من الجمر ، ليعطيهم هذا النصف وإلا ( يا عين لا تذرفي الدمعة ) . لقد أصبحت أحلام المعلم في مودية الراتب ثم الراتب وأول وآخر أحلامه الراتب ، فاستكثروا عليه تحقيق هذه الأحلام فجاءوا له بنصف الراتب حتى ينسى معنى الأحلام ، فمن يا ترى المسؤول عن قطع الراتب ، عن تأديب الأستاذ ؟ هل هو طالب كان بالأمس تلميذ فاشل يتفنن في تأديب الأستاذ ؟ أم هو مسؤول فاشل لا يقدر حتى على توفير الراتب ؟ من هنا من هذا الراتب يجب تغيير المسؤول حتى يأتينا من يأتي بالراتب . يا إخوة هل سيصبح سؤالنا متى سيأتي نصف الراتب ؟ راتب راتب كلمة نرددها دوماً أما اليوم فقد شقوا الراتب نصفين ... يا رب يكتمل النصف الآخر حتى يكتمل الراتب .