يتفق معظم الجنوبيين إن لم يكن كلهم اليوم على أمرين, الأول أن الوحدة اليمنية كانت خطأ تاريخي وأنها قد ماتت, والثاني أن خريطة دولتهم هي الخريطة التي دخلوا بها في إتفاقية الوحدة اليمنية مع الجمهورية العربية اليمنية. يختلف معظم الجنوبيين في كل أمر آخر تقريباً, ولا بأس. على مستوى الخلاف, هناك خلافات إعلامية في وصف الفكاك من الوحدة اليمنية, بين إستقلال, وإنفصال, وإستعادة الدولة. هناك خلافات على مسمى الدولة الجنوبية المنشودة, من الجنوب العربي إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية إلى جمهورية الجنوب العربي إلى دولة حضرموت ومسميات أخرى متعددة. هذا الخلاف على المسميات وإن كان غير ذي أهمية إستراتيجية للقضية الجنوبية, يعتبره المعارضين لإنفصال الجنوب في الشمال ومعهم بعض الجنوبيين أيضاً أنه دليل على عدم صلابة المطالب الجنوبية في الإنفصال, يريد المعارضين لإنفصال الجنوب في الشمال ومعهم بعض الجنوبيين حبس القضية الجنوبية ومطلب الجنوبيين في مربع القضايا الحقوقية ومكافحة الفساد فقط, بينما أكدت الحرب الأخيرة التي شنها جيش علي عبدالله صالح ومليشيات الحوثيين, وأكدت سيطرتهم على كل الشمال بسهولة نسبية أن لمشكلة الجنوب مع مركز الحكم في الشمال أبعاد طائفية ومطامع إقتصادية وسياسية عمرها مئآت السنين. على الجنوبيين اليوم مناقشة خلافاتهم وعدم كبتها بالتخوين, يجب عليهم الإعتراف بأن الهوية الجنوبية هي هوية قصيرة العمر نسبياً بدأت في 1959 وأنتهت في 1990, سبقتها عشرات السنين من هويات السلطنات والمشيخات في نفس الرقعة الجغرافية, كما أنها لم تشمل كل خارطة الجنوب (سلطنات الواحدي والقعيطي والكثيري والمهرة) وهي السلطنات التي بقت تحت مسمى محمية عدن الشرقية. أن الكثير من قادة شعار "الجنوب العربي" اليوم كانوا أنفسهم قادة إسقاط الجنوب العربي الفيدرالي في 1967, وهم أنفسهم من قتلوا فكرة دولة الجنوب العربي في 1967 وأضافوا عليها إسم (اليمن). ومع ذلك فأن عملية يمننة الجنوب يجب أن يحكم عليها بمعايير الزمن التي حصلت فيه, كان هناك شعور جارف بالقومية العربية, وكان يُنظر إلى صيغة الكيان الجيوسياسي في الجنوب كصنيعة بريطانية إستعمارية, كما أن النظام السياسي الذي حكم الجنوب بعد 1967 قد تبنى إلى جانب الشعارات القومية واليمنية, تمكين أبناء الشمال المتواجدين في عدن من المشاركة في صنع القرار حتى قبل رحيل البريطانيين. لهذا التمكين أسباب عديدة منها خطاب الإستعداء الذي كان موجود بين المحميات وعدن ومنها أن إنخراط أبناء الشمال في عدن في النقابات العمالية منحهم تواجداً على الساحة السياسية. لكن, في الرد أولاً على الخطاب القادم من مركز الحكم فيم يتعلق بإسم الكيان الجيوسياسي الجنوبي المنشود, يجب التأكيد أن إسم الكيان الجيوسياسي في الشمال قد تعرض لنفس التغيير في المسمى, من إيالة اليمن بسناجقها الأربعة تحت الحكم العثماني حتى عام 1864, ثم ولاية اليمن تحت الحكم العثماني أيضاً حتى عام 1918, ثم المملكة المتوكلية الهاشمية ولمدة 44 عام حتى 1962, ثم الجمهورية العربية اليمنية حتى عام 1990. هذا فيم يتعلق بالتاريخ اليمني المعاصر والذي سبقه أيضاً مسميات عدة للكيانات الجيوسياسية في كل الرقعة الجغرافية جنوباً وشمالاً كممالك سبأ وحمير ومعين وكندة وغيرها. كما أن الدول الموجودة اليوم في قائمة الأممالمتحدة لم توجد هكذا منذ بدء الخليقة ولا من ألف عام ولا حتى من مائة عام, تتغير الدول بإستمرار, تتغير خرائطها وأعلامها وأسماؤها وحتى عددها, منذ عام 1990 حتى اليوم أي خلال 26 عام فقط أضيفت إلى قائمة الدول في الأممالمتحدة 34 دولة جديدة. ليس المسمى هو نقطة القوة أو الضعف, هي الهوية التي تصنع الكيان والمسمى. الهوية الوطنية هي شعور جامع لدى جماعة بشرية بالإنتماء. وتعرف أنها شعور جامع بالإختلاف عن الآخرين. ليس للهوية اليمنية اليوم وجود حقيقي على الأرض الجنوبية التي دخلت في إتفاقية الوحدة اليمنية مع الجمهورية العربية اليمنية. حجة أخرى يتم تناولها من قبل الرافضين لمبدأ وجود دولة جنوبية هو أن إسم الجنوب العربي أو جمهورية الجنوب العربي أو إتحاد الجنوب العربي, أنه إسم جغرافي لا يمكن أن يعبر عن أمة ووطن, ولهذا الرأي رأي مضاد, تحمل كثير من دول العالم اليوم أسماء ذات دلالة جغرافية, كالرأس الأخضر, أفريقيا الوسطى, جنوب أفريقيا, جنوب السودان, ساحل العاج, الجبل الأسود, كما أن لإسم الولاياتالمتحدةالأمريكية أصل جغرافي يشبه وجود دولة مفترضة سمها إن شئت الولاياتالمتحدة الأفريقية أو العربية. كانت بلجيكا تعرف بهولندا الجنوبية حتى 1830. نستطيع الإستمرار في هذا الجدل وصولاً إلى إسم دولة (المملكة المتحدة). كتب المفكر الكبير د. أبو بكر السقاف في 2005 التالي " عقدت في نوفمبر 1993 ندوة في هاواي بمبادرة من مؤسسة كارينجي، شاركت فيها الولاياتالمتحدة، وروسيا ، وبعض دول شرق أوروبا، وصدر عنها تقرير «كون»، وفحواه أن تجربة سويسرا، وأسبانيا (فرانكو) والهند، تؤكد أن الفدرالية تحول دون نشوء نزاعات سياسية، كما تضمن الاستقرار، وأن الإقصاء، والاستبعاد القانوني والفعلي لأية جماعة عن المشاركة في إدارة الدولة يؤدي إلى قدح شرارة المطالبة بحق تقرير المصير" بالطبع وجه المفكر الكبير هذا الحل للنظام الحاكم في صنعاء حينها كمخرج لأزمة وجود رآها تعصف بالجمهورية اليمنية ككل. بكل تأكيد تجاهل حاكم صنعاء حينها دعوات الفيدرالية وهو المنتصر في الحرب على الجنوب. لا يجب على الجنوبيين إرتكاب نفس الخطأ كما لا يجب عليهم تكرار خطأ الجبهة القومية في عام 1967 بالتوجه نحو كيان/دولة جنوبية مركزية, ونفس خطأ علي سالم البيض والنظام الحاكم في الجنوب في الدخول بوحدة مركزية مع الجمهورية العربية اليمنية. يجب التأسيس والتأكيد على كيان جنوبي إتحادي, يحفظ خصوصيات المناطق الجنوبية المختلفة في كيان جنوبي جامع وعادل. لا تنعم دول أستقلت حديثاً بعد صراع طويل بإستقرار سياسي لجملة من الأسباب منها مركزيتها المفرطة وهي جنوب السودان, تيمور الشرقية وأرتريا. لا يجب علينا في الجنوب إعادة إختراع العجلة, النظام الفيدرالي هو أكثر أنظمة الحكم إستقراراً بينما يميل النظام المركزي نحو التفكك كلما زادت حدة مركزيته. تسمح الفيدرالية بإدارة أبناء المناطق لشؤونهم اليومية, التعامل مع إحتياجاتهم الخدمية, تنظيم قوانينهم الداخلية وتعيين رجال الشرطة والأمن من أبناء المنطقة نفسها مم يجعل الأمن شريك للمجتمع المحلي لا عدو له. تدفع الفيدرالية المناطق المختلفة لتطوير إمكانياتها وتنويع مصادر الدخل والتنمية فيها. تبقى بكل التأكيد الأمور السيادية تحت إطار واحد, يبقى الجيش على الحدود الموحدة للكيان الجنوبي لا داخل المدن وبين المناطق وتبقى السياسة الخارجية موحدة.