هناك بعض الحقائق الثابتة في السياسة ابرزها ان السياسيين ماكرون ومتنبهون لكل الامكانات المتاحة وان السياسيين اللامعين والمحنكين دائما ما يحتفظون في جيوبهم ببدائل وخيارات عندما يخوضون في امر يتعلق بالقضايا الوطنية المصيرية وقيل أن السياسة فن الممكن وانها اقتصاد مكثف... وهناك مبدا في السياسة ((لميكافيلي)) اصبح شائعا وهو (الغاية تبرر الوسيلة). وتعرف السياسة في علوم السياسة بأنها طريقة او منهج او خطه او برنامج عمل تنفيذي يهدف لمعالجة مسائل في مجالات محدده, آما في اللغة العربية فان اصل مصطلح سياسة من:ساس,يسوس,سياسة يعني: القيام بأمور الناس او تدبير شئونهم بما يحفظ مصالحهم . مضت عدة اسابيع على دعوة (مبادرة ) اللواء عيدروس الزبيدي محافظ محافظة عدن بشأن انشاء (كيان سياسي) يمثل القضية الجنوبية في الداخل والخارج, وكان جوهر الدعوة او المبادرة هو التأكيد على ان الاوان قد حان لكي تتصدر السياسة المشهد كأداة رئيسية في العملية النضالية التي يخوضها شعب الجنوب. واعاد التأكيد مره اخرى على اهمية الانتقال للعمل السياسي في بيانه بمناسبة ثورة 14 اكتوبر. والمقصود هنا بالكيان السياسي هو الاطار او الاداة التي تمثل شعب الجنوب وقضيته العادلة ( حامل سياسي) لها يعبر عنها ويقوم على بناء هيكلي توافقي جامع لمكونات الحراك والقوى والشخصيات والمنظمات المدنية والمقاومة والمراه والشباب يرسم محددات عمله وتوجهاته ورؤاه الفكرية والسياسية والنضالية (برنامج سياسي او ميثاق) يسمى هذا البناء فيما بعد: جبهة وطنيه, ائتلاف وطني, مجلس تنسيق وطني, منظمة وطنية, اتحاد وطني ,حركه شعبيه ..كيفما اتفق). استبشر الجنوبيون خيرا بهذه المبادرة وسمعنا وقرانا ان هناك مشاورات بدأت للتو هنا وهناك في الداخل والخارج لكن الوقت يمضي بسرعه ولم يعرف الجنوبيون الى اين وصلت هذه المشاورات وحتى الامس القريب نسمع احدهم يقول ان المبادرة بحاجة الى المزيد من التشاور.. لابأس في ذلك لننتظر بعض الوقت طالما قد طال الانتظار سنوات. في الماضي القريب عندما جرت محاولات لتوحيد الصف الجنوبي من خلال الدعوة لعقد مؤتمر جنوبي جامع قيل كلام كثير عن المشاورات في الداخل والخارج وبدلا من ان تنتج تلك المشاورات كيان سياسي انتظره الجنوبيون بشوق فوجئ بان تلك المشاورات انتجت مزيدا من الانقسام بين اطراف الحراك, لان (الانا) كان سيد الموقف لكن الحقيقة ايضا كانت تكمن في عدم الجدية وعدم التبصر والمثابرة من قبل الجميع كان الحاضر بين القيادات بقوة هو الشك والارتياب الذي لا اساس له . وتفشت حينها افة القاء المسؤولية كل على الاخر , كان الامر محبط للجميع ومؤسف. بعيدا عن العاطفة والمشاعر لنكن متفائلين هذه المرة لان المعطيات والظروف والاسباب على الارض قد تغيرت بشكل لم يكن يتوقعها احد بفعل الحرب الظالمة في معظمها جاءت لصالح الجنوب والشعب الجنوبي فهل سيستثمر القادة الجنوبيون هذه الفرصة للتوحد ويضعون نصب اعينهم الحقيقة التاريخية التالية: ان كل حركات التحرر الوطني والثورات والشعوب التي نالت حريتها لم يتحقق لها ذلك بالحظ او النبوءة لكن كان وراء هذا الانتصار قوى تقود : جبهات, منظمات, احزاب وزعامات عظيمه (كان يعنيها كل شيء). كانت تقاتل العدو في الجبهات وفي مكان اخر كانت تجري المفاوضات مع العدو ذاته. وهناك عنصر حاسم اخر كان وراء ذلك الانتصار وهو ان هذه الشعوب ما كانت ستنال حريتها واستقلالها بمفردها لولا الغطاء والدعم الذي توفر لها من شعوب ودول حول العالم ,وهناك مسالة يجب التنبه لها وهي ان الشعارات والمفاهيم والمصطلحات ليست مقدسة المهم هو إيجاد مقاربة صحيحه لفهم مدلولاتها وتطويعها تساعد على بلورة صيغ تؤدي الى توحيد اطرها ورؤاها بالنسبة (للهدف والحل) وستجدها في ثنايا هذه المسميات مجتمعه. من دواعي التفاؤل عظمة التضحية التي قدمها شعب الجنوب خلال السنوات الماضية التي توجتها ملحمة المقاومة المجيدة , وايضا الدلائل والمؤشرات التالية: - ان جميع القوى الجنوبية تعلن دائما انها مع وحدة الصف وقيام كيان سياسي واحد وهي تداعت الى تأييد المبادرة. - ان اي من المكونات لا يدعي انه ينفرد في تمثيل الشعب الجنوبي لا بالغلبة العددية ولا بأولوية التأسيس. - جميع المكونات ترفض الاقصاء والتهميش باي شكل من الاشكال لأي كيان جنوبي. هذه الدلائل والمؤشرات لا بد لها ان تؤدي اولا الى بناء اسس الثقة من خلال تدوير الزوايا الحادة التي تؤثر سلبا في عمليه وحدة الصف الجنوبي وولادة الحامل السياسي هذه الزوايا قد ذكر بعضا منها في السياق فيما تقدم منها ايضا : 1- عدم وضع اشتراطات مسبقة والاستعداد لتقديم التنازلات بدلا من القول اما ان تأتو تحت مظلتي والا فلا. 2- العمل على اصلاح الخطاب السياسي والاعلامي وتهذيبه من شوائب الازدراء والعجرفة والتخوين ... 3- قراءه موضوعيه واعيه متوازنة ومتواضعة للوضع الدولي شديد التعقيد وتوازن القوى الدوليه دون المبالغة في التعظيم من شان الجغرافيا بهدف جذب الاهتمام للجنوب كما يعتقد البعض , ما سيجذب اهتمام العالم هو ان تكون للجنوب كينونة سياسية تقود وفق برنامج سياسي واضح المعالم موحده تعبر عن نفسها بثقة وعن قناعاتها الوطنية وتتواصل مع الاطراف الدولية المؤثرة بصورة مباشره وغير مباشره ومن خلال عمل مؤسسي تقنعه بخياراتها وتتفهم مصالحه ولا حاجة بتذكير العالم بأهمية التموضعات الاستراتيجية والاولويات الجيواستراتيجية في المنطقة لان هذا سيبدو ضربا من الحماقة والسذاجة السياسية. 4- الكف عن مخاطبة الشركاء الاقليمين بألشي ونقيضة وعدم اطلاق التحذيرات والتخويف لان مثل هذا القول سيبعث برسائل سلبية معاكسه تزعزع الثقة باحتمالية ان يكون الجنوب شريكا وحليفا موثوقا به في المستقبل . وهناك مسال جوهرية وهامة وهو التأكيد على موقف موحد بشان قيم التصالح والتسامح ببعديها الانساني والاخلاقي كمبدأ يلتزم به الجميع . هذه المره لا مجال للعبث مع الوقت وعلى القيادات الجنوبية ان تدرك بجدية ان الاستحقاقات القادمة ستكون سياسية بامتياز لان الحرب حتما ستنتهي عاجلا ام اجلا لان الجميع في الاقليم والعالم يبحثون عن مخرج ولان الشعب اليمني على حافة المجاعة والمجتمع الدولي قلق ويعاني من ازمة قيميه واخلاقية بسبب تخاذله تجاه ما يجري في اليمن عموما. يجب الاستعداد لكل هذه الاستحقاقات التي قد تكون مخرجاتها احيانا صادمة ( مثل خطة السلام الأممية الاخيرة ) والتعامل مع كل الاحتمالات بواقعيه وعليهم اتخاذ الخطوات الشجاعة التي ستختبر عزيمتهم الوطنية والاخلاقية اولها واخرها (كيان سياسي جنوبي واحد موحد) ,والقدرة على تمييز الخط الفاصل بين ما يطلبونه وبين ما يمكن دفعهم لقبوله. وان يكونوا دائما مثالا للنزاهة والصراحة مع الشعب.