يحدث أن طالبًا جامعيًا يرسب في مادة أو مقررٍ دراسي ما لمرّة أو لمرّتين، ويحدث أيضًا أن يرسب في بعض المقرّرات نتيجة تغيّبه أو إهماله لدراسته أو نتيجة لارتباطات أخرى ربّما، ولكن أن يعلق مئات الطلاب في مقرّر واحد، ويعجزون عن تجاوز اختباراتها لعدة سنوات، أو أن يتم ترسيبهم لأسباب طائفية، فذلك ما يثير الانتباه في جامعة صنعاء اليمنية. حكايات وقصصٌ مليئة بعلامات الاستفهام والغرابة، حول العلاقة بين الطالب الجامعي في جامعة صنعاء وبين الأستاذ الجامعي، ففي حالات كثيرة يتحوّل الطالب إلى خصم لدود، يوظّف الأستاذ كلّ صلاحياته للإطاحة به.
أسئلة معقّدة: في كليّة التجارة والاقتصاد، هناك مئات الطلاب تُنشر أسماؤهم على قائمة الراسبين في مادة اسمها "التكاليف"، ومن بين هؤلاء الطلاب من احتاج لسنوات دون أن يجتاز الامتحان، هناك من ظل يحمل برنامج هذه المادة معه طوال فترة الدراسة، وهناك أيضًا من حملها لسنوات أخرى بعد الدراسة، والسبب هو الأستاذ الذي قيل إنه يتلذّذ ببقاء الطلاب في مقرّراته الدراسية. يقول الطالب، فكري بجاش، إنه رسب سبع مرّات في مادة "التكاليف"، مبرّرًا أن أستاذ المقرّر الدراسي كان يفاجئهم في كل مرّة بأسئلة معقدة وصعبة، مسائل يتطلّب حلّها أكثر من 12 معادلة رياضية، ويصف أستاذه بأنه أصبح يشكّل عقد آلاف الطلاب في الجامعة، مستطردًا في حديثه مع "جيل"، أنه أنهى دراسته وظلت مادة "التكاليف" الشغل الشاغل له، وحجر عثرة أمام حصوله على الشهادة الجامعية، وأنه تزوّج بعدها واشتغل في أكثر من مؤسّسة، وبعد خمس سنوات تمكّن من تجاوز الاختبار وتخطّى عقدته بحصوله على درجة مقبول على حدّ تعبيره. يعتقد الصحافي صدام النظيف "أن أستاذ المادة يعتقد أنه لا يوجد أحد يستطيع التفوّق في مادته التي لا يجيدها غيره، ولهذا هو لا يقوم بترسيب الطلبة، بحسب معرفتي، وإنما يطرح أسئلة معقّدة للغاية لا يستطيع الطلاب حلّها، ولذلك لا تتجاوز نسبة الناجحين بالمستوى المقبول 30 في المائة". ويضيف النظيف أن أغلب الطلّاب ممن يحملون مادة "التكاليف"، لا يُسعفهم الحظ في النجاح، خاصّة إذا اكتفوا بتصفّحها عشية الامتحان، وهذا الأستاذ الذي يعرف في الأوساط الجامعية بالأرياني، "من الأساتذة الذين لا يتعاملون مع الطلّاب بنوع من الرحمة والتجاوز، وإنما بالأسئلة المعقّدة، ومنح علامة دون أيّ زيادة". سلطة قبلية: على مدى سنوات ظل الأرياني كابوسًا لطلبة التجارة، ومن الطرائف التي تردّد في الساحة الجامعية، أن الأستاذ قال ذات مرّة لطلابه، إنه لم يبكِ في حياتيه إلا مرّتين، مرّة عندما توفّيت أمه، ومرّة عندما حصل طالب عنده على درجة 90%. من جهته، يعتبر الطالب، نشوان المقبلي، أن معضلة استهداف الطالب لها علاقة بمستوى طبيعة التفكير لدى الأكاديمي، موضّحًا أن الأكاديمي، أحيانًا، يتعامل مع الطالب وفق منطق شيخ القبيلة، ويقدم نفسه كسلطة اجتماعية، معلقًا بالقول: "هذا لا ينطبق على الأكاديميين المحترمين، والخلل يكمن في طبيعة العمل التعليمية، التي لا تلتزم باللوائح الناظمة، ولا تلتزم بحقّ التظلّم لدى الطالب، والأمر هنا يأتي بثماره إذا تم تفعيل الحركة الطلابية النقابية الكفيلة". من جانب آخر، يقوم طلاب جامعة صنعاء بحملة كبيرة ضدّ أعضاء هيئة التدريس، الذين يمارسون ما يعتبرونه أساليب مرفوضة وغير مقبولة ضدّهم، خاصّة الأساتذة الذين يعملون لصالح أجهزة الاستخبارات التابعة لصالح، طبقًا لحديث بعض الطلاب. احتجاجات طلّابية قبل فترة، شهدت كلية التجارة بجامعة صنعاء احتجاجات طلابية واسعة ضد أستاذ مادة التكاليف، حيث مَنع الطلاب المتظاهرون الأستاذ من دخول مبنى الكلية، وذلك على خلفية إجراءات تعسفية مارسها ضدهم. الأستاذ وديع العزعزي، وفي تعليقه على عملية ترسيب الطلّاب بشكل تعسفي، قال في حديث مع "جيل": "إن الأستاذ الجامعي يؤدّي عملاً جليلًا ويحمل رسالة عظيمة وأمانة كبيرة نحو أبنائه وطلابه، ومن هذا المنطلق تحدّد آلية التعامل بينه وبينهم، وإن حصل غير ذلك، فهي بالتأكيد حالات استثنائية، فهناك لائحة تنظّم العلاقة بين الأستاذ والطالب وتحفظ للطالب حقوقه، وفي حالة شعور الطالب بظلم وقع عليه، فمن حقه أن يتظلّم أمام لجنة التظلمات، هذا عندما تتوفّر البيئة التعليمية السليمة، أما إذا كانت البيئة الجامعية ملوّثة بالتعصب الحزبي والأمراض الطائفية، فهذا أمرٌ خطير يهدّد العملية التعليمية، وانعكاسات ذلك لا تكون فقط علي الطالب، وإنما أيضًا علي الأستاذ الجامعي نفسه وعلى كل العاملين في الجامعة". جامعة الحوثيين: مؤخرًا، ومنذ أن فرضت جماعة الحوثي سيطرتها على جامعة صنعاء بقوّة السّلاح، تقوم المليشيا بممارسة كل الأساليب التعسفية التي تطاول أساتذة الجامعة وطلاباً أيضًا بكل الوسائل المختلفة، ولا تخلو عملية ترسيب الطلاب من تدخّلات المليشيات وسلوكهم وممارساتهم. فطلاب كلية الشريعة في الجامعة كانوا قد أكدوا ل "جيل"، قيام أساتذة جامعيين بإسقاط بعض الطلاب بشكل تعسّفي محتكمين إلى الجهوية، وأن طلاب محافظة تعز كانوا في واجهة هذا الاستهداف، بحكم أن المليشيا تعرّضت لأقسى المواجهات في منطقة تعز، ولهذا تنتقم المليشيات من أبناء تعزّ على كل المستويات وأينما توفّرت لها فرص ممارسة ذلك. هنا، يعتبر الصحافي، صدام النظيف، أنه بعد استيلاء الحوثيين على الجامعة، انتشرت ظاهرة ترسيب الطلاب من قبل أساتذة موالين للمخلوع صالح ومليشيا الحوثي، مؤكّدًا أنه تم جلب أشخاص يزعمون أنهم دكاترة، وتم استبدالهم بأساتذة من خارج البلاد، أو آخرين أحالوهم إلى التقاعد لأسباب مناطقية وحزبية في المقام الأول، معلقًا بالقول "هؤلاء هم كارثة على الجامعة، فهم يعملون على التعبئة ضد تعز ويطلقون عليها وصف الداعشية، وهذا انعكس على كلية الشريعة والقانون بشكل واضح".