للحروب آثار مدمرة وكارثية على المجتمعات البشرية ، وعلى البيئة والإنسان ، وهي للأسف من صنع الإنسان نفسه ، وأكبر خسارة هي فقدانه ، حيث تؤدي الحروب إلى قتل العشرات ، وفقدان الآلاف ، بالإضافة إلى ماتسببه من اعاقات ومشاكل إجتماعية وإقتصادية ًومالية وسياسية ونفسية ، تترك آثارها الخطيرة والمدمرة على حياة الشعوب واستقرارها وعلاقاتها الإجتماعية ،لسنوات طويلة، وتمثل عبئا ثقيلا على الحكومات والأنظمة وعلى إقتصادياتها ونموها . ولنأخذ مثلا تأثيرات الحروب إجتماعياً، فهي تتسبب في بروز مشكلات كبيرة لاحصر لها ، ومن أبرزها وأخطرها انقسام المجتمعات الى فئات وطوائف متناحرة بتصنيفات مختلفة، إثارة الأحقاد والضغائن والانتقام ، زيادة مساحة الفقر والفقراء ، واتساع ظاهرة التسول وزيادة عدد المتسولين ، في المساجد والأسواق ، وكل واحد يروي معاناته بشكل مؤثر ، لاستعطاف الناس ، حتى يغدقوا عليه بالعطاء ، ومن المشكلات الإجتماعية أيضا ، التي تسببها الحروب ، هي زيادة جرائم القتل والتقطع والسطو على أملاك الآخرين بالقوة ، وانتشار ظاهرة الثأر ، نتيجة لانتشار السلاح بكثرة وسهولة الحصول عليه ، وغياب الدولة القوي بأجهزتها الأمنية والقضائية والعسكرية ، أضف إلى ذلك ظاهرة التشرد والهجرة إلى حيث المناطق الآمنة ، مما تؤدي إلى تمزق الأسر وتشتتها ، ووجود العشرات من الأطفال الذين فقدوا ذويهم في هذه الحروب . أما على الصعيد الإقتصادي والمالي ، فالحروب تؤدي إلى توقف كافة الأنشطة الإقتصادية ، من تجارة وصناعة وزراعة ، والبحث عن ثروات البلاد واستغلالها ، بالإضافة إلى ضرب البنية التحتية للإقتصاد الوطني ، من خلال الاستهداف المتعمد للمصانع والمعامل ، ومحطات المياه والكهرباء وغيرها من المؤسسات الحيوية الهامة ، التي ترفد الإقتصاد الوطني ، وبالتالي دخول البلاد في أزمة إقتصادية وإنهيار إقتصادي ، تكون نتائجها ارتفاع في الأسعار ، انتشار المجاعة ، وقوع البلاد تحت هيمنة القوى الخارجية الطامعة ، انخفاض قيمة العملة الوطنية ، مقارنة بالعملات الإجنبية ، وعجز الدولة عن الإيفاء بمسؤلياتها المالية تجاه مواطنيها وغيرها من الآلتزامات المالية الإخرى للشركات والدول ، فلننظر ماهو حاصل في اليمن ،منذ سقوط البلاد في أيدي الإنقلابيين واستحواذهم على كل كبيرة وصغيرة فيها واستنزافهم قدراتها الضعيفة ، لتمويل حربهم العبثية ، لتثبيت انقلابهم وسلطتهم على حساب السلطة الشرعية المنتخبة ، لنجد نتائج هذه الحرب وانعكاساتها واضحة لنا في كل المجالات ، حيث بدأت تتخذ طابعا كارثيا ، بظهور بدايات لمجاعة في بعض مناطق البلاد ، وانتشار ظاهرة التسول بشكل واسع فوق ماكان معتادا ، بالإضافة إلى بروز ظاهرة الفساد الخلقي والإداري ، إلى جانب تأخير دفع مرتبات الموظفين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين ، بل العجز عن دفعها لفئة من المتقاعدين ، وهم منتسبو الدفاع والداخلية ، الذين أفنوا حياتهم وتحملوا الأخطار والمتاعب في خدمة البلاد ، حيث يأتي عليهم الشهر الرابع ،وهم من دون مرتبات ، ويقال بأنه تم دفع مرتب شهرأكتوبر فقط في بعض المحافظات ، تصور أخي الكريم ، كيف يعيش هؤلاء المساكين وأسرهم في ظل الإرتفاع الجنوني للأسعار ، علماً بأن الكثير منهم لادخل لهم ، غير هذا الراتب الضئيل ، فهم عفاف الأنفس لايمكن أن يمدوا أيديهم إلى أحد ، لاحيلة لهم إلا أن أن يرفعوا أكفهم تضرعاً إلى المولى الكريم ، الذي لا يٌظْلَمٌ عنده مخلوق ، بالدعاء على من كان سببا فيما وصلت إليه أحوالهم ، لاإنقلابيين لديهم ذرة من أخلاق وإنسانية واحساس بالمسؤلية ، تجعلهم يحسون بمعاناة هذه الفئة من البشر ،ولاسلطة شرعية تثبت شرعيتها من خلال اهتمامها بهم ،تقديراً لجهودهم وتضحياتهم ، التي قدموها أثناء خدمتهم ، الكل يتفرج على معاناتهم وبؤسهم . ليس من الأخلاق والمروءة والإنسانية والوفاء ، أن يتركوا هكذا من دون أن يحصلوا على حقهم القانوني ، هذا الراتب التقاعدي ، لعله يٌعِيْنَهم هم وأسرهم على مواجهة تكاليف الحياة ، ولو جزءًا بسيطا منها . نحن نعتقد جازمين أنّ السلطات المحلية في الوادي والصحراء وفي المحافظة ، وعلى رأسهم المحافظ ، يتحملون المسؤلية القانونية والأخلاقية تجاه مثل هذه الحالات ، والمسؤلية المباشرة في البحث عن حلول عاجلة ، من خلال تواصلهم مع الجهات ذات العلاقة ، لأنه ليس من المنطق والإنصاف والعدل أن يظل هؤلاء الناس ، البعض منهم قد فارق الحياة ، وترك أباً وأما وزوجة واولادا من دون معيل ، والبعض الآخر صار عاجزا لكبر سنه ، من دون راتب لهذه الفترة كلها ، في الوقت نفسه زملاؤه المتقاعدون في القطاعات المدنية ، يستلمون مرتباتهم ولو متأخرة .