حتمية الضياع في طريق غامض، لا يُعرف أوله من آخره أكيدة، فالقدرة على الثبات والمحاولة تكاد تكون مفقودة؛ لأنك بشكل أو بآخر تسير في سلسلة طرق كلها ضياع؛ هذه الحالة تنطبق على الوضع السياسي الحالي في اليمن عامة والجنوب خاصة، ومع كل هذا الضياع والتيهان، لا يزال البعض مصرّاً على خداع نفسه والآخرين بحلول وهمية ووعود خرافية واستنتاجات سخيفة، يظن بذلك أنه يملك الحل السحري لكل هذا التّيه. ويظن في نفس الوقت أنه على دراية تامة حيال الطريق الذي هو سائر فيه. إننا حقاً تائهون . هذه الحالة تشبه حالة أليس في بلاد العجائب عندما تدحرجت في طريق ملتوي وتاهت فعليا، وعندما (سألت (أليس) القطَّ (تشيتشاير) عن الطريق، قائلة: من فضلك هل لي أن أعرف أي طريق أسلك؟ فرد القط: يتوقف هذا إلى حدٍّ بعيد على المكان الذي تريدين الذهاب إليه. تقول أليس: إنني لا أعبأ كثيرًا بالمكان. ف يرد القط: إذًا؛ فلا تهتمي كثيرًا أي الطرق تسلكين!. المسؤول الحكومي ذاته تائه، لا يضاهيه في الضياع إلا البسطاء والمسحوقين من عامة الناس. ضاعت البوصلة فوقع الجميع في فخ الفشل. نعم الفشل، هي الكلمة الوحيدة التي أبدع فيها كل هؤلاء. كلمة الفشل ركضت كثيرا في ذاكرتي، متبوعة بالسؤال البريء: لماذا نحن فاشلون؟ بالتأكيد لا أقصد الفشل العلمي أو الفشل في سباق التسلح العالمي أو ما شابه ذلك! لا ليس كذلك؟ سؤالي بسيط وبريء حد السذاجة: لماذا فشل ساستنا في توفير أبسط مقومات الحياة؟. من منكم قرأ خبر اكتشاف السبعة الكواكب الأخرى التي يمكن للإنسان العيش فيها؟ هذا الخبر تم تداوله مؤخرا على مستوى العالم...في المجلات العلمية والتلفاز والراديو ووسائل التواصل الاجتماعي، فعيلاً أصبحوا على مقربة من تحقيق هذا الانجاز، العيش في كوكب آخر غير الأرض! وأنت تقرأ هذا الخبر العلمي البحت المبني على دراسات علمية وتجارب مضنية وشاقة طيلة سنين، تندهش لبرهة ثم تفوق من دهشتك لتتذكر أن شعبك لا يزال يحلم بكم ساعة كهرباء؟. الأنكى من هذا كله أن ترى على الجهة الأخرى أناس يتفاخرون بصناعة خيالية بحته أسمها :هدهد، وراصد؟ مجسمات من براميل يستخدمها العامة لخزن المياه يطلقون عليها طائرات ذاتية القيادة؟. وكأننا في ضياعنا هذا كله، كان ينقصنا سطحية هؤلاء!. الكل مجمع على أن الفشل يكمن في هرم السلطة والحكومة، وهذا الرأي حقيقي إلى حد بعيد. فالشعب هو الشعب والجغرافيا هي ذاتها ، لكن من يتحكم بهذا الشعب والجغرافيا هم من يشكلون الفرق. سأضرب مثال ذكره الكاتبان دارون أسيموغلو وجيمس روبنسون في كتابهما الشهير "لماذا تفشل الأمم"! 'Why Nations Fail'. حيث قاما بدراسة تجربة طبيعية في تنظيم المجتمعات البشرية. اختارا مدينة نوغاليس، الواقعة ما بين المكسيكوالولاياتالمتحدة. تنقسم هذه المدينة إلى قسمين يفصلهما سياج، إلى الشمال من السياج يقع الجزء الأمريكي من المدينة ( نوغاليس-أريزونا). وإلى الجنوب يقع القسم المكسيكي (نوغاليس-سونورا). على الجانب الأمريكي، متوسط الدخل ومتوسط العمر المتوقع أعلى، بينما الجريمة والفساد أقل. الصحة والطرق أفضل، كما أن الانتخابات هي أكثر ديمقراطية. على الرغم من أن البيئة الجغرافية هي ذاتها على جانبي السياج، والتكوين العرقي للسكان متشابه. من هنا استنتج الكاتبان أن أسباب هذه الاختلافات يعود إلى الاختلاف في المؤسسات السياسية والاقتصادية في الولاياتالمتحدةوالمكسيك. حتى أن معظم الاقتصاديون حول العالم يختلفون في وجهات النظر حول الأهمية النسبية للظروف والعوامل التي تجعل الدول أكثر ثراء أو أكثر فقرا. لكنهم في نفس الوقت مجمعون على أن أهم عامل يقود إلى التغيير هو ما يسمى ب "المؤسسات الجيدة"، والتي يمكن تعريفها بأنها القوانين والممارسات التي تدفع الناس إلى العمل الجاد، لتصبح منتجة اقتصاديا، وبالتالي إثراء أنفسهم وبلدانهم. المؤسسات والحكومات الجيدة تدفع الناس ليصبحوا عناصر منتجة كما انها مسؤولة على حماية حقوق الملكية الخاصة، الحكومات الجيدة أيضا تدعم الفرص المتاحة للاستثمار والحفاظ على أموال المستثمرين، وتسيطر على التضخم، والتبادل الحر للعملة. الناس يكون لديهم حافز للعمل بجد إذا كان لديهم فرص للاستثمار، وفرص الأرباح مؤكدة، ولكن إذا كان ليس لديهم أي من هذه الفرص أو إذا كان هناك احتمال دخولهم مجال الاستثمار مجرد مجازفة، حيث أن الأرباح يتم مصادرتها، فإنهم لن يغامروا وبالتالي يكون البلد في حالة ركود اقتصادي. أقوى الأدلة التي تؤيد هذا الرأي يأتي من التجارب الطبيعية التي تنطوي على الحدود: أي تقسيم بيئة موحدة والبشر موحد ثم يتم فصلهما لأسباب سياسية ويتم رسم الحدود السياسية ، ليتم بذلك فصل المؤسسات الاقتصادية والسياسية ينتج عن ذلك اختلاف جوهري في الازدهار وتوزيع الثروة. من الأمثلة على هذه التناقضات: كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، ألمانيا الشرقية(سابقا) وألمانيا الغربية.