حماقة أخرى ترتكبها جماعة الحوثي فيما يسمى بمحاكمة رئيس الجمهورية ، فقد عد هذا الحكم صورة هزلية لما تعانيه الجماعة من وضع مأساوي فإلى جانب الوضع السياسي المعقد الذي تعانيه أقدمت على تمثيل مسرحية هزلية اطلق عليها محاكمة رئيس الجمهورية . وددت ان اعرج على تبيان الخلفية القانونية التي تنسف تلك المحاكمة منطلقاً من نصوص الدستور وقانون إجراءات اتهام ومحاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا. يعد القضاء الجهة التي أناطت به الدساتير في مختلف النظم حماية مبدأ المشروعية وسيادة القانون، وذلك لما يمثله من ضمانات الحيدة والنزاهة والاستقلال. وبناء عليه فإن الأصل أن يخضع الجميع حكاماً ومحكومين لجهة قضائية واحدة، وخاصة القيادات السياسية والإدارية العليا في الدولة، وذلك من أصغر موظف وحتى رئيس الدولة تطبيقاً لمبدأ الشرعية والمساواة أمام القانون. وإذا كان رئيس الجمهورية يتحمل المسئولية الجنائية والمدنية عن أعماله، فإن الأصل أن يقوم القضاء بمحاكمته عند ثبوت مسئوليته، وذلك من مرحلة الاتهام حتى إصدار الحكم. وتبدو أهمية قيام القضاء بتولي محاكمة رئيس الجمهورية بأنه الجهة التي قد تثبت إدانة الرئيس بالتهم الموجهة إليه وما يترتب على ذلك من إصدار الحكم عليه بعزله من منصبه، أو تبرئته منها، فالقضاء يقوم بتأثير كبير عليه. أفرد المشرع اليمني نظاماً خاصاً لاتهام ومحاكمة شاغلي وظائف السلطة العليا سواء كان رئيس الجمهورية أم الوزراء أم نوابهم، وهذا التنظيم استمد أساسه وسنده من الدستور، وبناء عليه فإنَّنا سنبين الكيفية التي يتم بها محاكمة رئيس الجمهورية . نصت المادة (128) من الدستور اليمني على أن يتم محاكمة رئيس الجمهورية أمام محكمة خاصة يتم تشكيلها لهذا الغرض بعد توجيه الاتهام إليه، فيكون اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى أو بخرق الدستور أو بأي عمل يمس استقلال وسيادة البلاد بناءً على طلب من نصف أعضاء مجلس النواب، ولا يصدر قرار الاتهام إلاَّ بأغلبية ثلثي أعضائه، وبين القانون إجراءات محاكمته. واستناداً إلى نص المادة (128) من الدستور صدر القرار الجمهوري بالقانون رقم (6) لسنة 1995م بشأن إجراءات اتهام ومحاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا، وقد بين هذا القانون الإجراءات المحددة قانوناً لمحاكمة رئيس الجمهورية ؛ ولذلك فإنَّ المحكمة المختصة بمحاكمة رئيس الجمهورية بموجب هذا القانون هي المحكمة العليا للجمهورية استناداً لنص المادة الثانية منه، ويكون اتهام رئيس الجمهورية أو نائبه بالخيانة العظمى أو خرق الدستور أو بأي عمل يمس استقلال وسيادة البلاد بناء على طلب يقدم من نصف أعضاء مجلس النواب، وذلك إلى رئيس المجلس مشفوعاً بأدلة تؤيد الاتهام، ويعتبر قرار الاتهام إحالة إلى المحكمة المختصة بموافقة ثلثي أعضاء المجلس . وقد بينت المواد (8،7) من قانون إجراءات اتهام ومحاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا الإجراءات التي يتم بها توجيه الاتهام لرئيس الجمهورية حيث يتولى المجلس تشكيل لجنة خاصة مؤقتة مكونة من خمسة أعضاء من بين أعضائه من ذوي التخصصات أو الخبرات عن طريق الاقتراع السري المباشر بالإضافة إلى لجنة الشئون الدستورية والقانونية ؛ وذلك لتتولى فحص وتقييم أدلة طلب الاتهام على أن تقدم اللجنة تقريرها إلى المجلس خلال أسبوع من تاريخ إحالة طلب الاتهام، وعلى إثر ذلك يتولى المجلس مناقشة رأي اللجنة حول موضوع الاتهام، فإذا أقر المجلس بأغلبية ثلثي أعضائه طلب الاتهام اعتبر قرار المجلس إحالة إلى المحكمة المختصة . ومن خلال مطالعة المادة (128) من الدستور اليمني ونصوص قانون محاكمة شاغلي وظائف السلطة العليا في اليمن يتبين بأنه ليس للقضاء أي تأثير على رئيس الجمهورية في مرحلة اتهامه، لأن سلطة توجيه الاتهام هي لمجلس النواب، وهو نفس المعمول به في أغلب النظم الدستورية المعاصرة. ويتم تحريك الاتهام بناء على طلب يقدم من نصف أعضاء مجلس النواب (أي: 150 عضو) إلى رئيس المجلس، ويرفق بالطلب الأدلة والبراهين عليه. وتقوم هيئة رئاسة المجلس بعرض طلب الاتهام على المجلس للبت فيه بصورة عاجلة، ثم يقوم المجلس بتشكيل لجنة خاصة من بين أعضائه بالاقتراع السري تتكون من خمسة أعضاء من ذوي الخبرات، وينضم إليهم أعضاء اللجنة الدستورية والقانونية بالمجلس، وتكون مهمة هذه اللجنة فحص أدلة الاتهام وتقييمها ورفع تقرير بما توصلت إليه إلى المجلس خلال أسبوع من تاريخ إحالة طلب الاتهام إليها. ويقوم أعضاء المجلس بدراسة ومناقشة تقرير اللجنة، ويجب لصدور قرار الاتهام ضد الرئيس موافقة ثلثي أعضاء المجلس على إدانته. وبذلك نجد أن القضاء في اليمن لا يقوم بأي دور، وليس له أي تأثير في مرحلة اتهام رئيس الجمهورية، لأن مجلس النواب هو الادعاء العام الذي يوجه الاتهام لرئيس الجمهورية.
وقد تميز الدستور اليمني المعدل الصادر عام 2001 عن غيره من دساتير الدول المقارنة، بل وأغلب دول العالم فيما يتعلق بمحاكمة رئيس الجمهورية، حيث لم يجعل محاكمته من قبل محاكم خاصة مختلطة يتم تشكيلها لهذا الغرض كما هو حال مصر وفرنسا، مما يؤدي إلى طغيان الطابع السياسي عليها، بل أسند محاكمة رئيس الجمهورية اليمنية إلى القضاء ممثلاً في المحكمة العليا، والتي تأتي على رأس الجهاز القضائي، فاليمن تأخذ بالنظام القضائي الموحد، فلا وجود لقضاء إداري مستقل، وبالتالي فالمحكمة العليا هي أعلى هيئة قضائية، وتعد هذه الخطوة فريدة من نوعها، لأنها محكمة قضائية خالصة لا وجود لأي طابع سياسي فيها، وتتسم بالديمومة والاستمرارية، فليست على غرار المحاكم المختلطة التي يتم إنشاؤها في كل حالة على حدة، وبالتالي فإن أعلى هيئة قضائية في السلطة القضائية هي المحكمة العليا تحاكم أعلى رأس في السلطة التنفيذية وهو رئيس الجمهورية. ومما لاشك فيه أن تولي القضاء العادي محاكمة رئيس الجمهورية من شأنه تحقق العديد من المزايا، وتتطلبه الكثير من الاعتبارات، وتؤيده العديد من المبررات. وبالتالي فإن القضاء يتمتع بتأثير كبير على رئيس الجمهورية، لأنه يتولى محاكمته، فإدانة الرئيس بالتهم الموجهة إليه أو تبرئته منها يقع على عاتق القضاء، بل إن مستقبله السياسي كرئيس للدولة مرهون بالحكم الذي ينطق به القضاء عليه، وليس للصراعات الحزبية ذات الطابع السياسي. وتضمن قانون محاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا بعض الضمانات لرئيس الجمهورية أثناء محاكمته، حيث يتمتع بكافة الحقوق والضمانات المقررة للدفاع وفقاً لأحكام الإجراءات الجزائية، كما أن لرئيس الجمهورية الحق في الدفاع سواءً يدافع عن نفسه بنفسه، أو أن يؤكل محامياً يتولى الدفاع عنه، بشرط أن يكون المحامي من المجازين للمرافعة أمام المحكمة العليا. وينعقد الاختصاص بمحاكمة رئيس الجمهورية للدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، فكما هو معروف بأن المحكمة العليا تتكون من ثمان دوائر طبقاً للقانون، ومن غير المعقول أن تقوم المحكمة العليا بجميع دوائرها المختلفة بمحاكمة الرئيس، لذلك تتولى الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا مهمة محاكمة رئيس الجمهورية، وتتألف هذه الدائرة الدستورية من سبعة من القضاة، وهي الدائرة الوحيدة التي تتألف من هذا العدد، بينما بقية الدوائر الأخرى تتألف من خمسة قضاة. وتعد الإجراءات والقواعد المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية هي ذاتها التي تتبع أمام المحكمة العليا عند محاكمة رئيس الجمهورية، وبما لا يتعارض مع أحكام قانون اتهام ومحاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا. وتصدر المحكمة العليا الخاصة بمحاكمة رئيس الجمهورية أحكامها بالأغلبية المطلقة ، ثم ما لبثت أن تغيرت هذه النسبة بصدور قانون اتهام ومحاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا، فأصبحت أغلبية الثلثين، مما يعد تشديداً وعائقاً أمام صدور حكم على رئيس الدولة، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن رئيس الجمهورية هو من يعين أعضاء المحكمة العليا. ويتم الطعن في أحكام المحكمة الخاصة برئيس الجمهورية من خلال طريق خاص ووحيد هو تقديم طلب التماس من المحكوم عليه أو من ينوب عنه في أحكام الإدانة، والمدة اللازمة للالتماس هي تلك الواردة في قانون الإجراءات الجنائية، ويجب أن يشمل الطلب على أسبابه، وما يستجد من أدلة بعد صدور الحكم، ويقدم الطلب إلى المحكمة المختصة التي تقوم بدراسته، فإن قبلته تم إعادة المحاكمة من جديد.
* د. علي الطلي أستاذ القانون الجنائي كلية الحقوق جامعة عدن