لقد شكل تحرير مدينة المكلا ومديريات الساحل من سيطرة الجماعات المسلحة ، التي يقال بأنها تابعة لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب ، وهي في حقيقة الأمر لاتخرج عن إطار الصراع العسكري الدائر في البلاد وتخدم طرفيه ، بعد أن سلمتها المنطقة العسكرية الثانية هدية لهذه الجماعات وبدون مقاومة تذكر ، هذه المنطقة التي تمتلك من الرجال والعتاد مايجعلها قادرة على التصدي لأعتى الجيوش وأقواها ، نقلة نوعية متقدمة في الحرب على الإرهاب ، وخطوة مهمة جداً في تخليص حضرموت من سيطرة النظام السابق ، نظام سبعة يوليو ، وألويته العسكرية الكاتمة لأنفاس الحضارمة ، والتي أثبتت التجربة أنها لم تأت من أجل حفظ أمن حضرموت وأهلها ، بقدرماهو من أجل تأمين سرقة ثرواتها وتدفق نفطها لصالح القوى المتنفذة وجنرالات حرب صيف 1994 م هذه الجماعات المسلحة التي دٌحِرَت من مدينة المكلا ومدن الساحل ، ويؤكد من عاصرهم من المواطنين أثناء أحتلالهم للمدينة ، أنّ جلّهم ليسوا من أبناء هذه المحافظة ،والقليل منهم ينتمي إليها ،وخلال فرارهم ، لم يذهبوا بعيدا ، فقد انتشروا في الجبال والوديان المحيطة بالمكلا ، وإلى الوادي حيث البيئة الحاضنة طبيعيا ، حيث تكثر الجبال والوديان الواسعة والطرق المتشعبة ، وكذلك امنيا وسياسيا ،إذ لاتتوفر ارادة حقيقية لمحاربة هذه الجماعات ، كما إنّ هناك مِنْ طرفي الصراع مَنْ يستخدم هذه الجماعات لتحقيق أجندات سياسية خاصة ، ولاسيما هناك مَنْ يتهم الكثير منهم بالإنتماء إلى المؤسسات الأمنية والعسكرية والاستخبارابة التابعة للنظام السابق ولرموزه . وفي الوادي يتعدد اللاعبون السياسيون وتتعدد المصالح ، وهو الحلقة الأضعف في جسم المحافظة ، ويشكل خطرا وتهديدا مباشراً لعاصمة المحافظة وماتحقق فيها من إنجاز أمني وسياسي وعسكري ، ومانسمع عنه من مواجهات واشتباكات بين فترة وأخرى بين هذه الجماعات وقوات النخبة في المكلا وضواحيها ، هي وضع طبيعي وانعكاس للحالة المقلقة والغير مطمئنة ، التي يعيشها الوادي ، عاى الرغم من كثرة النقاط العسكرية وكثافتها عند مداخل الوادي ومخارجه ، طالما ظل الملف الأمني والعسكري يتحكم فيه غير أبنائه ، سيظل التهديد قائماً والخطر محتمل الوقوع في أية لحظة أو ساعة . هناك أطراف عدة تفرض تدخلاتها وتاثيراتها على الوضع في مديريات الوادي والصحراء ، الإنقلابيون لازالت لهم علاقاتهم ببعض الرموز القبلية ، وهناك مِنْ مدراء المرافق مَنْ يتلقى توجيهاته منهم ، رموز عسكرية كبيرة محسوبة على الشرعية ، بحكم علاقاتها الواسعة مع بعض القادة العسكريين الموجودين بالوادي ، وكذلك مع بعض القوى السياسية ، بالإضافة إلى التحالف العربي ، ممثلا بالمملكة السعودية ، التي تربطها علاقات واسعة ببعض الشخصيات القبلية والاجتماعية ، حيث قام قبل عدة شهور وفد بزيارة المملكة ، وفي هذه الأيام هناك وفد آخر يقوم بزيارة لأراضي المملكة بدعوة من السلطات الحاكمة فيها ، من دون ترتبب مسبق على مايبدو مع السلطات المحلية ، ومن غير أن تٌعْرَف أهدافه ، والملاحظ هنا أنّه لايوجد للسعوديين حضور بارز لا على الصعيد الأمني ولا الخدماتي ولا الإنساني في الوادي ، كما هو حاضر للإماراتيين في المناطق المحررة ، ولاسيما في عدنوالمكلا .
الوادي ملعب مفتوح لِمَنْ هبّ ودبّ دون حسيب أو رقيب ، يكثر فيه المتسولون والباعة المتجولون الذين يظهرون فجأة ثم يختفون ، يبيعون بضائعهم بأقل من قيمتها الحقيقية ويسكنون الفنادق ، يفد إليه عشرات الشباب من المحافظات الأخرى والأسر ، لانعرف سبب ذلك ،هل هو هروب من جحيم الحرب وخوف من بطش الإنقلابيين ، أو أنَّ هناك سيناريو معيَّّن يٌحَضَّرٌ للوادي ، نتطلع جميعا لليوم الذي نرى فيه حضرموت واديها وساحلها تخضع لسلطة إدارية وأمنية وعسكرية واحدة ، يديرها أبناؤها ، بدلاً عن الوضع الحالي الشاذ ، الذي يذكرنا بعهدي القعيطي والكثيري .