يعاني الجنوب في هذه المرحله حاله من انعدام الرؤية فهو اصبح متلقي اكثر منه فاعلا مؤثرا في مسار الاحداث .,وهذا ليس بجديد على تاريخه المعاصر فسجله حافل بالمحطات الدراماتيكية المأساوية . فمنذو اجتياح مغول الشمال بالتحالف مع بعض القوى الجنوبيه في العام 94 والذي على اثرها تم اخراج الجنوب نهائيا من المعادله السياسيه ألاستراتيجيه والتكتيكية في المشهد الداخلي الذي تزعمته قوى الشمال مع حلفائها الجنوبيين . ومن حينها جرى التعامل مع الجنوب على انه ارض وثروة بمعزل عن الانسان وكأنه غير موجود . وهكذا جثم نظام الاحتلال الشمالي مهيمنا على كل مقدرات البلاد والعباد ,في اسواء احتلال عرفته البشرية المعاصره ,فمفرده الاحتلال مذمومة لما تحويه من قهر وظلم واستبداد للشعوب المحتله ,ولكن عندما يترافق الاحتلال مع حاله جهل وتخلف اعاد الجنوب عقودا طويلة الى الوراء بعد ان كنا قد قطعنا شوطا لاباس به على طريق التنوير والحداثة العصريه . فقد تم تصدير الينا كل المخزون والإرث المتخلف من عادات وتقاليد شمال الشمال القبلية بصورتها البدائيه ,البعيدة كل البعد عن مفاهيم الدوله والقانون والمدنية . لكن كما يقال دوام الحال من المحال ,فالمواطن الجنوبي لم يعد باستطاعة تحمل نظام الاحتلال البغيض ,وانطلق بفضل الله وأراده ابناء الجنوب المخلصين الحراك الجنوبي المبارك كأول حركه سياسيه وطنيه رافضه للاحتلال الشمالي وتوابعه . لم تستوعب قوى صنعاء هذا الطارئ الجديد في المشهد الجنوبي ,لانها كانت تعتقد بان نخب الجنوب قد تم افسادها كما هو الامر في الشمال ,حيث تمكنت منظومة ال الاحمر من تدجين معظم القوى السياسيه والحزبية في الشمال بما فيها من يسمون انفسهم بالمستقلون ,فهم ايضا على ارتباط وثيق في التركيبه السياسيه اصلاح او مؤتمر ,وكله يصب في المحصله الاخيرة في خدمه المؤسسة القبلية الحاكمه من عائله ال الاحمر . ولكن وبعد ان تثبت عود الحراك الجنوبي على ارض الجنوب بفضل الالتفاف الوطني والشعبي الكبير من حوله ,بدأت قوى الشمال تستشعر الخطر القادم على سلطتها ,وبدأت تطلق العنان لسلطات القمع الذي بين ايديها في محاوله بائسه للنيل من هذا الحراك الرائع ,اما القوى من خارج التركيبه الحاكمه من احزاب اللقاء المشترك وتجنبا للإحراج السياسي لكونها في موقع المعارضه فهي تعاملت مع الحراك من منظور حقوقي مطلبي انساني بحت وليس باعتباره قضيه سياسيه ووطنيه تمثل الشعب الجنوبي كله . وجاءت ما سميت بثوره التغيير في العام 2011 وتفاءل الجنوبيين خيرا منها نظرا للعناوين والشعارات الكبيره الذي رفعتها . ولكن كما يقال تمخض الجبل فولد فارا ,فلم يتغير شي مطلقا بالنسبة للجنوب فالاحتلال ظل باقيا بأدواته وجوهره الهمجي ,وان تغيرت بعض الاسماء في الهرميه العليا للسلطة .,لكن سياساتها القديمه تجاه الجنوب لم تتغير فاستمر النهج القديم وان بإشكال جديدة ولكن بنفس العقليه الحاقدة الذي لا ترى في الجنوب قضيه وطنيه تبحث لها عن التحرر ,بل جميعهم كان ينظر الى الجنوب كفرع من اصل وتفصيل بسيط في مشاكل اليمن الكثيرة . واستمر هذا الحال الا ان عقد ما عرف بمؤتمر الحوار الوطني من دون مشاركه حقيقة لممثلي شعب الجنوب والذي تمخض عنه بالمخرجات ذائعة الصيت والذي تقضي الى اقامه الستة الاقاليم ضمن اليمن الاتحادي المزعوم . وفي هذه المعادله الذي صاغتها نخب الشمال بمشاركه جنوبيه ديكوريه فلكوريه تم شطب المكون الجنوبي الرئيسي من جدول اعمالها ومن شارك منهم لم يكن سواء مجرد واجهه شكليه للتحدث باسم الجنوبيين ,بينما هم لا يمثلونهم البته ,لانهم ببساطه منتدبين من السلطة الحاكمه في صنعاء ,الذي لاتعترف اصلا بالحقوق المشروعه لشعب الجنوب . ولكن الضربه جاءت اليهم من خارج الحسابات والخطط ,فاستطاع تحالف الحوثي عفاش من خلط الاوراق وإعادتها الى نقطه الصفر على اثر اجتياح الحوثي لصنعاء وسط تواطآ واضح ومكشوف ,ليس بمقدورنا حتى اللحظه تفكيك شفراته وألغازه الغامضة والمحيرة . ولكن شهيه الحوثي الشرهه ارادت التهام كل شي وبسرعة زمنيه قياسيه ,فارتكبت حماقتها القاتله بمحاولتها غزو الجنوب بذريعة تواجد الدواعش فيه ,,ولكن الحوثي اخطاء بالحساب والتقدير فاجتياحه لعدن والجنوب لم يكن نزهه سياحية كما كان الحال في محافظات الشمال ,فقد انتفض الجنوب عن بكره ابيه بوجه الغازي المغتصب وتكونت مقاومه شعبيه مسلحه ,قاتلت الحوثي ببسالة , لكن موازين القوى لم تكن في مصلحه الجنوبيين من حيث العدد والعتاد لكن المفاجأة الذي احدثت تغيير في المعادله تمثل بانطلاق عاصفة الحزم في مارس من العام 2015 تحت شعار اعاده الشرعيه والقضاء على الانقلابيين . استفاد الجنوبيين من هذا الزخم الكبير للعاصفة واستطاعوا وبدعم من التحالف ولاسيما الامارات من تحرير العاصمه عدن ومعظم محافظات الجنوب من رجس الاحتلال الحوثي . ومنذوا ذلك التاريخ دخل الجنوب في مرحله تاريخيه جديدة اعتقدنا خلالها بان لحظه الحرية قد حانت وان زمن الاحتلال قد ولى . ولكن شبح الاحتلال لم يترك الجنوبيين وشانهم ,فقد تمكن اللوبي الشمالي برئاسة الجنرال علي محسن من توجيه بوصله العاصفة ليس من اجل تحرير صنعاء كما يفترض ,بل بذل كل طاقاته وجهوده من اجل استعاده الجنوب ,وعدم السماح له بالإفلات من العقال الشمالي ,ووضع فيتو كبير على مستقبل الجنوب فجرى تجميد كل شي فيه . فأصيبت دوره الحياة بالشلل وبدأت تشن على الجنوب حرب من نوع اخر حرب الخدمات والاغتيالات كانت اولى رسائلها الناريه عندما اقدمت بعض العناصر الاجرامية على استهداف رئيس الوزراء السابق خالد بحاح ,وكانت هذه اول الرسائل الذي بعثها اللوبي الشمالي المتواجد في الرياض من خلال تحريك ورقتهم الذهبية ما تسمى بالقاعدة الذي هي في الحقيقة منتوج من صناعه نظام ال الاحمر الرئيس السابق وحليفه علي محسن ,لان مشروع القاعدة الكبير الذي اعدته امريكا للمنطقة استفاد منه نظام ال الاحمر بحيث عمدا الى توظيفها لضرب المشروع الجنوبي عندما تحين الفرصه لذلك . لانه بالعقل والمنطق الخطاب العقائدي والفقهي الذي تتبناه القاعدة هو محاربه الروافض والمجوس الصفويين هذا يعني توجيه سهامها الى الحوثي المحتل لصنعاء ,لكن ما يحدث هو العكس تماما فالقاعده لاتستهدف الى الجنوبيين حصرا وتحديدا من اصحاب المشروع الاستقلالي التحرري فالمحافظ السابق نائف البكري المحسوب على الاصلاح لم تستهدفه القاعدة وأخواتها ولكن عندما عين المحافظ الشهيد جعفر ولان لديه توجهات وطنيه جنوبيه تم اغتياله بصوره وحشيه , دشنت هذه الحادثه تغيير في طبيعة التحالفات بين دول التحالف فانحازت الامارات الى قوى الاستقلال الجنوبي انطلاقا من العداء المستحكم بينها وبين تيارات الاسلام السياسي في كل المنطقه . فعين المحافظ عيدروس الزبيدي محافظا لمدينه عدن والخبجي لمحافظه لحج وشلال مديرا لامن عدن ,ومن يومها بدأت مسيره جديدة في العلاقة بين الشرعيه المتحالفة مع اللوبي الشمالي الاصلاحي المعادي للجنوب وبين دوله الامارات الداعمة للقوى الجنوبيه .لكن القوى المعاديه للجنوب لم تقف مكتوفة الايدي بل استمرت في ممارسه هوايتها المفضله بمحاربه كل ما يسمى ويرمز الى الجنوب بصله ,ومن يومها ويعيش الجنوب في ازدواجية مصطنعه بين مشروعان كبيران الاول يريد ابقاء الجنوب ضمن الجمهوريه اليمنية المتهاوية والذي لم يتبقى منها الا الاطلال ,وهذا المشروع تقوده الشرعيه بمعية اللوبي الشمالي المتواجد في الرياض ومارب . اما المشروع الاخر يمثله المجلس الانتقالي ويتطلع الى استعاده الدوله الجنوبيه المسلوبة وصولا الى الاستقلال الكامل عن الشمال ,وبينهما يقف التحالف حائرا مرتبكا يحاول المزاوجة بين المشروعين دون جدوى . لقد خابت امال الشرعيه والتحالف ومعها الرباعيه باعاده انتاج منظومة تحالف 7 يوليو البائدة وبنسخ جديدة . فالحوثي الذي سيطر على صنعاء وأقام فيها دولته الخاصة بامتداداتها الاقليمية والدولية ,جعل الرباعيه تعيش امام عقده مستعصية ,فالقديم يستحيل استنساخه ,والواقع الحالي غير مقبول ولا يتوافق مع اجندات وتوجهات التحالف ,وهنا تكمن مشكله المشاكل ,ومعها يبدو التحالف لايعرف ما اللذي عليه فعله ؟في ضواء المتغيرات الكبيره والمتسارعة . التحالف لا يريد الاقرار بحقائق الامر الواقع بان الشمال بات حقيقة حوثيه رغم مرارتها اما الجنوب فهو ينبض بنفس المجلس الانتقالي عبر عنها في اكثر من مناسبة من خلال المليونيات المتعاقبة الذي اقيمت لهذا الغرض . فقوى الشمال الذي راهن التحالف عليها لا تزال في تبه نهم وهي اصلا لا ترغب بتحرير صنعاء لان عين الجنرال علي محسن على الجنوب وليس على صنعاء لانه لو اراد الجنرال تحرير صنعاء لصمد فيها ولما فر هاربا الى الرياض لان في قاموس الجنرال لا وجود لمعاني النخوة والشرف العسكري بل في معجمه مفردات مثل السلطة والثروة والجنوب ,اما صنعاء فأمرها متروك للمرجعية القبلية لان الجنرال لو تمكن من احكام قبضته على الجنوب لأمكنه التفاوض مع الحوثي باسم الجنوب لأعاده تقاسم السلطة والثروة وفق المتغيرات الطارئة .حوثي عفاشي في صنعاء علي محسن والإصلاح في الجنوب ,لكن شعب الجنوب وبدعم اماراتي كان لهم بالمرصاد استطاع افشال كل خطط وموامرات الجنرال على الجنوب ,فاضحى يعيش حاله افلاس سياسي اسوه بمصير حليفه السابق الرئيس صالح . ان استمرار الوضع الراهن بالصورة الحاليه لم يعد ممكنا ولا مسموحا ولا مقبولا به لا محليا ولا اقليميا ولا دوليا والكل بات يبحث عن حلول ومعالجات ,ولكن ايا تكن الحلول المقترحه فهي لا يمكنها تجاوز الوقائع القائمه على الارض في الشمال والجنوب وبغض النظر عن رغباتنا وأمنياتنا وأحلامنا . فالحوثي غدى حقيقة ثابتة في صنعاء واما المجلس الانتقالي فهو الاخر حقيقة لايمكن انكارها في واقع الجنوب ,والمطلوب من القوى الفاعله في الاقليم والعالم الاعتراف بها والتأسيس عليها لصياغة حلول واقعيه تراعي مصالح الشعبين في الشمال والجنوب . اما الاستمرار في العناد والمكابرة والمراهنة على الوهم لن يجدي نفعا ولن يستفيد منه احد في الجانبين اللهم سوى تجار الحروب والأزمات .اللذان يريدان ابقاء الحاله الراهنه على ماهي عليه لأطول فتره ممكنه لانها تعيد عليهم بالمكاسب والإرباح الطائله الذي لاتريد التفريط بها . فهل يعي التحالف كل المخاطر المحيطه به ؟هل يفقه التحالف كل هذا قبل فوات الاوان .؟