حين تقول أمريكا على لسان نائب مساعد وزير خارجيتها " تيم ليندركينغ" ((أن هناك مجالا للحوثيين في التسوية السياسية باليمن إذا لم يهاجموا السعودية أو يهددوها, و أن المسار الأفضل في اليمن هو الدبلوماسية النشطة )),وحين تقول أمريكا مثل هكذا قول فهي تنطق بلسانٍ سعودي مبين سواء شاءت المملكة ذلك أم لا. وهل بوسعها" وغيرها من دول الجزيرة والخليج الواقعة تحت سطوة الإذلال الأمريكي أن تقول لدولة متعجرفة ويقودها رجل مهووس بالمكاسب المالية كترامب لا؟. فهذا يؤكد قطعاً أن أمن المملكة وبالذات على الحدود الجنوبية ووقايتها عمقها من صواريخ استراتيجية يمنية-مستقبلا- هو الهمّ الرئيس والشغل الشاغل للسلطات السعودية -ليس من هذه الحرب أو من قبلها- بل منذ عشرات السنين,حتى حين كانت المملكة تتمدد جنوباً داخل اليمن سواءً اليمن الشمالي أو الجنوبي, وتبتلع مزيداً من الاراضي اليمنية منذ ثلاثينات القرن الماضي لم يكن هذا التوسع والابتلاع لتلك الارضي بضخامته-لغرض التوسع الجغرافي فقط -على أهميته طبعا- بل كان جزءاً كبيراً منه يأخذ الحسابات الأمنية المحضة. فبالتوازي مع حرص المملكة على إبقاء اليمن -شمالا وجنوبا- ضعيفاً فقيرا ومنشغلا بصراعاته الداخلية السياسية الطائفية (( كما يتم تكريسه اليوم أكثر وأكثر )) كان وما زال الخوف مستبدا بها " المملكة" مِن يمن قويا متماسكا سياسيا وعسكريا وهو البلد الغني بالطاقات الطبيعية والبشرية والموروث التاريخي الضخم, زد على ذلك ما استجد بالسنوات القليلة الماضية لدى العقل السياسي السعودي – ونقصد هنا الحسابات الطائفية, وبات يطفو اليوم على السطح أكثر تحت تأثير "فوبيا إيران ". ولتفادي كل ذلك طفقتْ الرياض تفعل ما تراه ممكنا للحيلولة دون نشوء دولة قوية على تخومها الجنوبية ,كما ظل يحدث معها مرارا بالجهة الشمالية" مع العراق طيلة عشرات السنين حتى غزوه 2003م. فتاريخ التدخل السعودي باليمن لم يخل أبداً من الهواجس المفرطة أمنيا طيلة فترات تداخلاتها, وصولاً الى الحرب الدائرة اليوم منذ 2015م. فهذه الحرب كان البُعد الأمني بمعية التطلعات الاقتصادية والجغرافية الأخرى هو الطاغي والمستحوذ على عقل صناع القرار السعودي, وهو المتسيّد على قائمة الاهتمامات المتوخى تحقيقها من هذه الحرب. وما حكاية إعادة الشرعية اليمنية المنتخبة ديمقراطيا الى صنعاء إلا وسيلة لتحقيق تلك الرغبات وتخطي تلك التخوفات, وعلى رأسها الأمنية.فكيف يمكن تفهّمُ هذه الحرب من مبرر سعودي, وهي المملكة ذات الحكم المطلق التي لا تعترف أصلا بشيء أسمه انتخابات ناهيك عن ديمقراطية وجمهورية, إن لم يكن الغرض منه أمني بشكل أساسي, وقد أجهر ذلك كثيرا من قادة المملكة بالآونة الأخيرة منهم الأمير محمد بن سلمان. أشرنا كثيرا بكتاباتنا السابقة الى أن الهاجس الأمني السعودي هو مؤشر البوصلة السياسية السعودية باليمن, وعلى ضوئه يتم تقييم الأمور الأخرى, وتحدد من خلاله معايير اعداء المملكة وحلفائها. ظللنا نقول هذا لكي نشير للنخب الجنوبية من أين تؤكل الكتف السعودية -والخليجية عموما-,وتتعاطى معه سياسياً بدلاً من الاندلاق مجانا بحض الأخرين بطريقة مهينة, سيما وأن العنصر الجنوبي عسكريا وأمنياً هو الذي أتكئ وما زال يتكئ عليه التحالف " السعودية والامارات" منذ بداية هذه الحرب وحتى اللحظة, وبالتالي يكون الجنوب أولى بالاستفادة من تضحياته طالما وهو يمسك بالورقة الأخطر والأهم في نظر صانع القرار السعودي, وعبر هذه الورقة يتمكن من انتزاع حقه من بين مخالب حلفاء هم أشبه بضواري وسباع كاسرة, ولو على طريقة الابتزاز والضغوطات كما يحصل له من قبل هؤلاء انفسهم دون رحمة ولا شفقة. فمستقبل اليمن السياسي و الشروع بأية تسوية سياسية , أو حتى قرار الاستمرار بهذه الحرب وقتٌ أطول أو إيقافها بأي لحظة, كل هذا مرهونا بمستقبل أمن البوابة السعودية الجنوبية ,وما بعد الجنوبية, أقصد الى العمق السعودي, وبالذات فيما يتعلق بضمان عدم تغلغل الفكر الزيدي الى الداخل السعودي خصوصا بعد إيقاظ الفكر الشيعي بالمملكة بالآونة الأخيرة, والاطمئنان لعدم امتلاك السلطة اليمنية الحاكمة مستقبلاً -حتى وأن كانت موالية لها- أي اسلحة ثقيلة بما فيها بالتأكيد صواريخ استراتيجية, وإجبارها مستقبلا من فوق طاولة التسوية السياسية المرتقبة أو من فوهة المدفعية,على إبقاء مساحة حدودية داخل الأراضي اليمنية منزوعة السلاح الثقيل, ومراقبة تسليح الجيش اليمني. وبالتالي يمكن القول باطمئنان أن التسوية السياسية القادمة للازمة اليمنية ومنها بالطبع القضية الجنوبية أو حتى في حالة تم الحسم العسكري ستكون وفق محددات أمنية خليجية -سعودية-. من المؤكد أن كل الأطراف الشمالية على اختلافاتها الحادة ستتمكن من الإفلات ولو جزئيا من مخالب و أنياب النمر السعودي والاماراتي وستتعايش مع وضع ما بعد هذه الحرب التي لا شك أنها ستتوقف ذات يوم,ولكن ما لستُ متأكدا منه هو الحال الذي سيكون فيه الطرف الجنوبي -مع هكذا تسويات خليجية يتم التخطيط لفرضها- إن ظل يتعامى عن كل هذه الحقائق ويضع جهده وخدماته بالمجان لدى الأخرين نظير فتات من المكاسب, والتي ليس من بينها مكاسب سياسية ترتقي الى حجم قضية سياسية ووطنية عادلة بحجم قضية الجنوب الكبرى,إن لم يحصل مستقبلاً تغيّراً حقيقا بتفكير العقل الجنوبي المسئول- أو "المسطول" أن شئت أن تقول-.