العدوان الأمريكي يستهدف الحزم بالجوف ب15غارة منذ الصباح    مجلس القيادة يؤكد دعم الحكومة لإنهاء التشوهات النقدية ويشدد على انتظام عملها من الداخل    الرهوي يناقش مع الوزير المحاقري إنشاء منصة للأسر المنتجة    بمتابعة من الزبيدي.. إضافة 120 ميجا لمحطة الطاقة الشمسية بعدن    الزعوري يبحث مع الأمم المتحدة تعزيز حماية وتمكين المرأة في اليمن    الكثيري يبحث مع فريدريش إيبرت فتح آفاق دعم دولي للجنوب    وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    عطوان ..لماذا سيدخل الصّاروخ اليمني التّاريخ من أوسعِ أبوابه    مؤسستي الكهرباء والمياه بذمار تحييان الذكرى السنوية للصرخة    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    إلى رئيس الوزراء الجديد    كيف أصبح السيئ بطلاً؟    أرواحهم في رقبة رشاد العليمي.. وفاة رجل وزوجته في سيارتهما اختناقا هربا من الحر    القسام توقع قوة صهيونية بين قتيل وجريح بكمين مركب في خانيونس    الأرصاد تتوقع أمطاراً رعدية بالمناطق الساحلية والجبلية وطقساً حاراً بالمناطق الصحراوية    من أين تأتي قوة الحوثيين؟    تفاصيل جديدة لمقتل شاب دافع عن أرضه بالحسوة برصاص من داخل مسجد    بيع شهادات في جامعة عدن: الفاسد يُكافأ بمنصب رفيع (وثيقة)    تشيلسي يضرب ليفربول ويتمسك بأمل الأبطال    تدشين برنامج ترسيخ قيم النزاهة لطلاب الدورات الصيفية بمديرية الوحدة بأمانة العاصمة    وسائل إعلام غربية: صدمة في إسرائيل..الصاروخ اليمني يحرق مطار بن غوريون    نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور عبدالله العليمي يعزي في استشهاد عمر عبده فرحان    بدء تنفيذ قرار فرض حظر على الملاحة الجوية لمطارات الكيان    رسميًا.. بايرن ميونخ بطلًا للبوندسليجا    ورطة إسرائيل.. "أرو" و"ثاد" فشلا في اعتراض صاروخ الحوثيين    تدمير المؤسسة العسكرية الجنوبية مفتاح عودة صنعاء لحكم الجنوب    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    وزير الصحة ومنظمات دولية يتفقدون مستشفى إسناد للطب النفسي    قدسية نصوص الشريعة    فيما مصير علي عشال ما يزال مجهولا .. مجهولون يختطفون عمه من وسط عدن    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    تطور القدرات العسكرية والتصنيع الحربي    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    ملفات على طاولة بن بريك.. "الاقتصاد والخدمات واستعادة الدولة" هل يخترق جدار الأزمات؟    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    التحذير من شراء الأراضي الواقعة ضمن حمى المواقع الأثرية    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    صنعاء .. طوابير سيارات واسطوانات أما محطات الوقود وشركتا النفط والغاز توضحان    العشاري: احراق محتويات مكتب المعهد العالي للتوجيه والارشاد بصنعاء توجه إلغائي عنصري    وسط إغلاق شامل للمحطات.. الحوثيون يفرضون تقنينًا جديدًا للوقود    نصيحة لبن بريك سالم: لا تقترب من ملف الكهرباء ولا نصوص الدستور    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    لاعب في الدوري الإنجليزي يوقف المباراة بسبب إصابة الحكم    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    - حكومة صنعاء تحذير من شراء الأراضي بمناطق معينة وإجراءات صارمة بحق المخالفين! اقرا ماهي المناطق ؟    "ألغام غرفة الأخبار".. كتاب إعلامي "مثير" للصحفي آلجي حسين    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف ولماذا صارت بريطانيا اللَّاعب الأول في زمن هادي؟؟
تصالح "عثماني/ بريطاني" في اليمن.. لماذا يجب أن تشعر الرياض بالقلق؟
نشر في المنتصف يوم 22 - 02 - 2013

بعكس التصوُّر السائد، افتراضاً، فإن البريطانيين وليس الأمريكيين، هم من يُمسك بزمام الملف اليمني، دولياً، خلال العهد الانتقالي الذي مكَّن للمملكة المتحدة وضاعف رصيدها في البورصة اليمنية. فأين تجد بريطانيا نفسها يمنياً؟ وأين تريد؟ وما هي الفكرة وراء الانسجام بين الرئاستين، البريطانية واليمنية، في هذا المخاض الانتقالي؟
ويترتب على الأسئلة سؤال كبير لا يتوخّى إجابة سريعة ونهائية: ما الذي تقترحه المقاربة البريطانية لليمن (شمالاً وجنوباً)؟ ولماذا يجب أن تشعر الرياض بالقلق حيال الاستجمام القطري التركي في الحديقة الخلفية للمملكة كما درجت السياسة السعودية على النظر إلى اليمن من هذه الزاوية؟؟
منطلقات هادي
أتذكر، في النصف الثاني من عام الأزمة اليمنية الأول 2011، كان اللقاء الذي جمع نائب الرئيس عبدربه منصور هادي، القائم بأعمال الرئيس علي عبدالله صالح الذي كان حينها يتلقى العلاج في السعودية، عقب جريمة الاعتداء على جامع النهدين، ووفداً بريطانياً.. كان لافتاً واستوقفني وأكثر ما عنى لي شيئاً فارقاً هو مضمون كلام الرئيس هادي خلال المقابلة، كما أوردته الوكالة الرسمية "سبأ".
قال هادي، بما معناه، إن بريطانيا صاحبة خبرة وتجربة وأعرف الآخرين باليمن وقضاياه واحتياجاته. وأشياء أخرى عنت لي، حينها.. إن ما يُقال الآن ليس كأي كلام قِيل أو سيُقال. وبدا لي أن البريطانيين يقتربون أكثر من أي وقت مضى ومن أي لاعب خارجي من تسجيل مكاسب نوعية في هذه المرحلة!
دأبت على تتبع لقاءات هادي، النائب، خلال عام الأزمة الأول وتحديداً النصف الثاني منه، مع المسئولين والسفراء الأجانب، وفي الكافة لم يرجّح هادي كفة طرف ومركز خارجي كما فعل مع البريطانيين.
ليس الحاضر وحده من يحدِّد الاتجاهات والتوجُّهات.. الماضي والخلفية التاريخية التي ينطلق منها الأفراد والقادة والجماعات أيضاً عامل أساس في تكوين خارطة الطريق وبرنامج العمل.. آنياً وفي المدى المنظور، بهذه الطريقة تتوافر مواد أولية لمقاربة السبق البريطاني في ماراثون الأزمة اليمنية وسوقها الذي استقطب نحوه الكثير من اللاعبين والمتنافسين الدوليين والإقليميين.
ينطلق هادي من خلفية تجعله أقرب إلى المدرسة البريطانية منه إلى الأمريكية. دراساته العسكرية الأولى في وقت مبكِّر وفَّرت له منحة عسكرية إلى المملكة المتحدة في منتصف الستينيات من القرن العشرين، وهذه حظوة أولى لا تتيسّر لكثيرين، خصوصاً في ظروف كانت سائدة، حينها، والكفاح المسلح على أشدِّه ضد الوجود البريطاني (الاستعمار).
تخرَّج عبدربه منصور عام 1964م من مدرسة (جيش محمية عدن) العسكرية الخاصة بتأهيل وتدريب أبناء ضباط الجيش الاتحادي للجنوب العربي.
ثم ابتعث إلى بريطانيا، فالتحق بدورة عسكرية لدراسة المصطلحات العسكرية، ثم التحق بدورة عسكرية متخصصة لمدة عام ونصف، وفيها أجاد اللغة الإنجليزية، وتخرَّج سنة 1966م.
في عام 70 ابتعث هادي إلى القاهرة، لدراسة عسكرية متخصّصة على سلاح الدبابات. ومتأخراً جداً ابتعث إلى روسيا (الاتحاد السوفييتي) عام 1976م للدراسة في القيادة والأركان. دائماً كانت الجاذبية والمرجعية الأهم للمدرسة البريطانية. باعتبار الأسبقية والقرب والملاصقة الطويلة (الخبرة) والملازمة من وقت مبكر.
استعراض سريع ومركز للسيرة الذاتية أو جزء منها، يساعد، ولابد، في فهم ما يحدث للتوّ وإعطاء فرضيات ومقاربات لما يمكن أن يحدث باطراد منهجي متصل السببية بالتصوُّر الأول.
في البورصة اليمنية
على صلة، حتى تسلَّمت بريطانيا رئاسة مجلس الأمن الدولي، صار ممكناً الحديث عن قدوم (وليس استقدام) مجلس الأمن إلى العاصمة اليمنية صنعاء.. في سابقة لم تعهدها المنطقة والشرق الأوسط بصفة خاصة، على سخونة وتعاقب أزماته وقضاياه والحروب التي نشبت ولا تزال في جنباته ولكنها لم تستوجب انتقال مجلس الأمن، المجموعة الدولية وأعلى هيئة سياسية وقيادية على مستوى العالم، إلى أي من دوله وعواصمه. ويصدف أن المفارقة تتحقق ويقرِّر كبار العالم أخذ رحلة طويلة عبر الجو من نيويورك إلى صنعاء.
بمعزل عن المسوغات والحيثيات التي سِيقتْ هنا وعلى صلة بالحدث الرمزي، الشيء المؤكد (والمغيَّب عن النقاش والتحليل العام) هو أن المملكة المتحدة- رئيس مجلس الأمن الدولي- ألقت بكل ثقلها وراء نظام حليف أنموذجي في طور التمكن والاستواء على ناصية عرش اليمن. في دوائر السياسة الدولية ومطبخ القرار العالمي جرت نقاشات ومفاوضات طويلة وصعبة للوصول إلى هذه السابقة. في النهاية أُعطي البريطانيون الامتياز ولم يكن بوسع الولايات المتحدة أن تفعل شيئاً أفضل من هذا تبعاً لحسبة وقسمة توافقية توزَّعت بموجبها، من وقت مبكر نسبياً، عواصم دولية وإقليمية حليفة مع واشنطن حصص الملف اليمني.
الرئيس أوباما أجاز في مطلع العام 2011( وهو مطلع الأزمة اليمنية في أفق الربيع العربي المجوقل) تفويضاً رسمياً تعهد بموجبه واشنطن لكل من لندن والرياض بصلاحيات التعامل مع الأزمة (القنبلة) اليمنية الموقوتة بفعل فاعل.
كانت لندن من أوائل العواصم الأوروبية والغربية التي رفعت الصوت باتجاه خطوط عريضة وعناوين أولى حيال التعامل مع الأزمة اليمنية... وتبعتها ألمانيا ثم فرنسا (أوروبا الكلاسيكية).
وصولاً إلى يوم مجلس الأمن بصنعاء، المشهود، كانت الدوائر السياسية والاستراتيجية وحتى الاستخباراتية البريطانية قد أنجزت الكثير قبل تعبئة كبار العالم ال15 في طائرات من نيويورك إلى صنعاء.
كانت الوفود البريطانية ورسل حكومة الملكة تقطع الأجواء جيئة وذهاباً من وإلى (لندن صنعاء) بصورة متكررة، جزء منها رسمي ومعلن والأكثر بقي بعيداً عن الواجهة وعدسات المراسلين والصحفيين الفضوليين. زيارة رئيس الاستخبارات البريطانية (SIS)، قبل أسابيع على إعلان الخبر وتفجير الرئيس هادي "قنبلة" رابحة بحسبانه في وجوه الملأ بأن مجلس الأمن بصدد القدوم لصنعاء، كانت حاسمة بنظر خبراء مطلعين في أحاديث جانبية تيسَّر الإصغاء إليها لجهة ترتيب أوراق كثيرة وآلية عمل "توافقية إذا أمكن القول" بين الجانبين للأشهر المقبلة. وفي الصدارة دائماً هناك امتياز قدوم المجموعة الدولية ومجلسها الأمني برعاية ورغبة بريطانية تيسر إنفاذها حال ترؤس المملكة المتحدة لمجلس الأمن الدولي.
الأمريكيون.. الكارت القطري
بناءً على مقدمات واعتبارات موضوعية ومادية وجيهة يمكن القول، دون تردُّد، إن علاقة الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي بالسفير البريطاني بصنعاء لا تُقاس ولا تقارن إلى علاقته بالسفير الأمريكي.
الأمريكيون يدركون ذلك وجزء من إدراكهم ناتج عن تفويض من البيت الأبيض يعطي لندن امتيازاً خاصاً، والجزء الآخر خارج عن إرادة ورغبة واشنطن.
الأمريكيون، أيضاً، لديهم جدول وطريقة عمل في اليمن تختلف نوعاً ما عن الطريقة والحسابات البريطانية.
وهم يعترفون للبريطانيين بأفضلية الخبرة والفهم عن قرب للخارطة اليمنية بحكم الحضور البريطاني في هذه المنطقة لأكثر من 120 عاماً (بداية من 1839م) كدولة استعمارية سابقة وطّدت علاقاتها وخبراتها بدول الشرقين: الأقصى والأوسط.
ينشغل الأمريكيون في هذه الأثناء بترتيب أوضاعهم وتحالفاتهم مع قوى ومجموعات سياسية ومصالحية ومحلية وعسكرية لضمان محاضن نفوذ وأوراق حضور نوعي فاعل ومؤثِّر خلال الملعب اليمني.
استخدم الأمريكيون الكارت القطري ببراغماتية متناهية للتوغُّل في التحالفات اليمنية الشائكة، وبدا أن الأمريكيين خصموا شيئاً مهماً من رصيد ومكاسب (البريطانيين، هادي) ضمن بورصة التحالفات الجديدة التي لم تكن جديدة إلى لجهة الاتجاهات وتنقلات اللاعبين في مربعات موجودة سلفاً، أما الوجوه ومراكز القوى فبقيت هي هي، ولم ينتج فعلياً عن كل ما حدث وشهدته اليمن طوال عامين قوى جديدة يمكن الاعتماد عليها أو الإشارة إليها بوصفها رافعة تغيير وحداثة توفر بقعة ضوء في مشهد معتم يجري تعميمه وإعادة إنتاجه بطريقة تقليدية محفوظة تتحكم بمدخلاتها قوى إقليمية ودولية كما كان الأمر عليه، هكذا، يحدث باستمرار.
قِيل، في صلب المقاربة، إن زيارة الرئيس هادي التي شملت بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وبلجيكا، عقب تولّيه الرئاسة بعد انتخابات توافقية، قد وضعت نقاطاً مهمة على حروف شاغرة بالنسبة للجميع. الأمريكيون كانوا غير مستعدين لرفع سقف التوقّعات والوعود سواءً بسواء. لعل الرئيس هادي سمع كلاماً جافاً وغير متوقع من الراعي الأمريكي. كانت المآخذ الأمريكية على درجة من الحساسية بالنسبة لهادي.
فقضايا مثل تعميق الهوة مع الرئيس السابق وتقليص حضور وتمثيل المؤتمر وكوادره في السلكين: المدني والعسكري، ومنح الإخوان المسلمين مكاسب متزايدة أكثر (وأخطر ربما) من المعقول والمقبول، مثَّلت في وعي ومقاربة المخطط والراصد الأمريكي تهديداً فعلياً للتوازن وتكافؤ القوى المحلية وإخلالاً بمبدأ التوافق الذي تعوِّل عليه واشنطن لصدّ جموح القوى وأن يطغى بعض على بعض.. لا سيما الإسلاميين الذين حالفتهم السياسة الأمريكية ولم تتنازل عن مخاوفها تجاههم كلية أو تأمن جانبهم ومعسكرهم إلى ما لا نهاية. هذا ما فات الرئيس الانتقالي التنبُّه له، وإن اختلف الأمر لديه نسبيَّاً عقب عودته من جولته الخارجية وإصغائه للامتعاض (يصفه بعض الكُتَّاب بالتوبيخ) الأمريكي.
القضية الجنوبية.. القضية الشمالية
في المقابل، وهو مادتنا الرئيس في هذا السياق الخاص، تسرّب عن دوائر بريطانية (نشرت "المنتصف" في عدد واكب زيارة هادي بعضاً منه)، أن البريطانيين باتوا يُمسكون عن اختصاص شبه حصري بأهم وأخطر الملفات، القضية الجنوبية.
ومما قِيل ونُشر متفرقاً، يبدو أن هادي قطع شوطاً لا بأس به (في ذلك التأريخ المبكِّر، فضلاً عن الآن) مع البريطانيين في إنضاج خطوط وتصوّرات حيال وصفة للتعامل مع الملف/ القضية الجنوبية، بالتوازي والتساوق مع خطوات إجرائية وتطورات عملانية على الأرض صدّرها للواجهة عودة رموز وقيادات جنوبية من الخارج صبَّت في حلف الرئيس الانتقالي وبدأت من فورها في بناء محيطها ونفوذها واستقطاب المكونات والحلفاء لتغدو في نهاية المطاف معسكر الموالاة الذي قدَّمه حلف هادي ممثلاً شرعياً للحراك الجنوبي (تيار وجماعة محمد علي أحمد).
جملة ما يستخلص، على قِلّته، مما تسرَّب وحدث وقِيل في هذه الصدد، يذهب إلى التأكيد على حضور جدي لتصورات شبه ناجزة تفترض مساراً متوازياً للحل يلجأ إلى إعادة موضعة مسمى بالقضية الجنوبية في كفة تقابلها في الأخرى ما يمكن وصفها أو تسميتها "القضية الشمالية"، وهذه الأخيرة تمثِّلها (حصرياً) قضية أو مشكلة صعدة وملف الحوثي، في شمال الشمال.
التصوُّر المستخلص، بحسب المعطيات الأولية المتوافرة، يقرن هذه بتلك.. قضيتان وجِهتان على يمين ويسار التسوية الرديفة للتسوية السياسية المتعارفة. التذكير واجب بأن المعلومات الشحيحة لا تساعد على إطلاق مقاربة أوضح وشرح أفضل ممّا نفعل وما هو مُتاح.
أفضل ما يقترحه التصوُّر المغيّب عن الواجهة وتؤشر إليه أصابع بريطانية عن بُعد هو مقايضة صيغة حكم (بطريقة ما)، بموجبها يُمنح الحوثي في شمال الشمال والمكونات السياسية الممثلة للحراك (الواجهة السياسية أياً يكن شاغلها للقضية الجنوبية) في الجنوب صلاحيات وامتيازات تساوي في المحصِّلة صيغة سياسية معادلة لمفهوم "الحكم الذاتي" وإن لم ترشح كثير تفاصيل تفيد للشرح والاستدلال وتقريب الصورة. ويظل التصوّر قيد الكتمان ولا يمكن تأكيده أو نفيه حتى إشعار آخر.
تقليدياً، تتسق هكذا رواية قليلة المعلومات مع طبيعة السياسات البريطانية، محدودة الخيارات والمخارج، في المنطقة عامة وتجاه اليمن خاصة. قد يجد البريطانيون منفعة ترجّح لديهم مقاربة تقليدية كهذه باتجاه القضية اليمنية والقضية الجنوبية ضمنها. وليس عسيراً تجميع واستقراء شواهد كثيرة على هذه الرواية، والأمر نفسه قد يكون كذلك مع روايات أخرى.
الأتراك في الحديقة الخلفية للمملكة
الغريب حقاً أو ما لا نعثر له على إجابات واضحة، هو هل تعمل بريطانيا هنا وتشتغل على الملف بمعيّة النظام الانتقالي الحليف في صنعاء بمعزل عن الرياض، مثلاً، وهذه فاعل ولاعب أساس في الدوري اليمني على اختلاف مواسمه المتعاقبة؟
الأمر لصيق بالحسابات والهواجس السعودية حيال كابوس ملازم للظاهرة الحوثية جنوب المملكة ويقضّ مضاجع السياسي السعودي. من غير الوارد، تلقائياً، أن تتقبَّل الرياض فكرة دويلة أو إقليم يتمتّع بسلطات حكم واسع (أكان فيدرالياً، أو محلياً موسّعاً، أو ذاتياً، كما يفترض بأن المقاربة البريطانية تقترحه) يخضع لسلطة الحوثيين، بما هم حلفاء إيران، شمال اليمن وعلى الحدود الجنوبية للمملكة. إلاّ إذا كانت للرياض حسابات وتوافقات أخرى نحن غير عليمين بها؟
لكن وفي المقابل، ليس سرّاً بأن قطر توغَّلت عميقاً في الشأن اليمني واستطاعت أن تقتطع مناطق ومراكز نفوذ كانت على الحصة السعودية حتى وقت قريب. وأصحاب وجهة النظر الأولى يستشهدون بأن قطر باتت مركز تحالف سياسي، وأكثر منه مالي، للاعبين كُثر في اليمن، وربما يكون النظام الانتقالي (الرئاسة) في صدارة الحلفاء وعلى رأس القائمة. عند هذه الحد يحق، لا بل يجب، على الرياض والعرش السعودي أن يستشعر الخطر تجاه فرضيات ومقاربات احتمالية لا تبعث على الاطمئنان.
فإذا جمعنا هذه إلى الحضور المتزايد للدور والنفوذ التركي في اليمن، وليس سراً أيضا بأن الرياض غير راضية تماماً عن هذا الحضور والمنافس الجديد والقوي، تكون السياسة السعودية على محك واحدة من أدقّ وأخطر امتحاناتها الإقليمية.
زِدْ أن الدولة البريطانية الداعمة لأنقرة في التوجُّه والتوغُّل إقليمياً بدلاً من التعويل الممل والانتظار اليائس لعضوية الاتحاد الأوروبي الممنوعة بالفيتو الفرنسي الألماني تأخذ على عاتق سياساتها، بالتالي، إحضار وإشراك الأتراك (الإسلاميين بالمعنى السياسي الأيديولوجي المرادف للإخوان المسلمين) في قضايا وملفات بلدان الربيع العربي وأهمها للبريطانيين اليمن للاعتبارات سالفة الذكر. من جهة، استقواءً بالدور التركي في مواجهة الدور الإيراني.. ومن جهة ثانية، تكون بريطانيا وتركيا تسوّيان خلافاتهما وحساباتهما التاريخية في اليمن (من أيام الوجود العثماني شمال اليمن والبريطاني في الجنوب اليمني).
ليس القصد مضاعفة القلق لدى السعوديين، فاليمنيون أولى بالقلق على مستقبل لا يعرفون عنه شيئاً ومصير يسيرون أو يُسار بهم إليه مربوطي الأعين، لكن الرياض قد تجد حكمة اليوم تقول: "من مصلحتك أن تشعر بالقلق وأن لا تركن إلى مصداقية كثير من أدواتك وحلفائك طالما وهناك من ينافسك وربما يبتزك في الإنفاق والدفع"؟؟!!
... قصارى القول، الأمور ليست على ما يُرام، بطريقة "جيمس بوند" المثالية في التلخيص.
* صحيفة المنتصف
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.