اعتقدت أننا فعلا في زمن الثورات السلمية والتسامح وثورات الملح والخبر والبن والورود والياسمين وأننا في زمن يحكمه عقل(غاندي) وقوة حكمته التي أدهشت العالم أجمع لا بندقية الثورة الممتدة في عروق الثائر الأرجنتيني(جيفارا) فقد وقف العالم بأسره بين نضال رجلين أتخذ الأول مبدأ التسامح والسلام واللاعنف شعاراً لثورته السلمية فأضرب عن الطعام والشراب والكلام ولبس أبسط الثياب التي كان يحيكها بنفسه فمشى حافياً على امتداد بلاده الهند في ثورة الملح خاصته التي تحدى بها غطرسة المستعمر البريطاني ونال بها حرية شعبه واستقلاله ودفع حياته ثمنا لذلك وبين الرجل الثاني الذي مات مغتال أيضاً في أحدى غابات (بوليفيا) في العام 1967م بالتعاون من القوات البوليفية والمخابرات الأمريكية(السي أي إيه). والوطن يقف اليوم حائراً ومصدوماً بعد خروج(علي صالح) في يوم مؤلم لأبناء الجنوب خرج علينا محرقا ومشوهاً لكنه متمسكاً أكثر بمواجهة التحدي بالتحدي. إننا نتردى وبامتياز على شفير الهاوية في وطن لا يؤمن بحكمة(غاندي) ولا ببندقية(جيفارا) التي تنصر المظلوم لا الظالم. لا تنفع الحكمة ولا التسامح ولا سياسة الحوار وحتى البندقية لم تعد اقصر وأسرع الطرق المؤدية للحرية ولنجاح الثورات.
نحن في زمن قاسي أصبحت البنادق تغني أصوات نشاز وتعزف ألحان صاخبة لكنها لا تعزف للثورة وللحرية أي نوتة تذكر. نحن في زمن أصبحت البندقية سلاح للشر وللعشوائية بينما يعبث الحكام بكرامتنا ويلعبون الشطرنج على جماجم الشعوب.
وأنا أقف اليوم بين رجلين ألهموني كثيرا في حياتي وكتاباتي , أقف مفتقدة لحكمة غاندي وتسامحه ومبدأه النبيل حيث (ليست القوة هي الحق بل الحق هو القوة )والرجل الثاني جيفارا الثائر ولو كنت رجلاً لارتديت كوفيته و لحملت بندقيتي مثله وتشردت في أصقاع الأرض بحثاً عن كل مظلوم لنصرته. لكني أعيش أيضا في وطن قد كفر بحكمة غاندي وثورة جيفارا وأمن (بالحكم العفاشي) حيث أحكمكم أو أقتلكم جميعا وما أريكم إلا ما أرى ولا أفعل إلا ما أريد.
أنه لا زمن جيفارا ولا غاندي انه زمن(عفاش) الذي عاود الظهور متعمداُ في يوم مؤلم وتوقيت مشؤوم ليذكي بكلماته الجراح النائمة ويؤجج النيران الخامدة فلم تعد الرصاصات تنتصر للثورات وللمظلومين بل الرصاص يفتك بالأبرياء الباحثين عن الحرية في أبين وتعز وعدن وصنعاء والضالع والحديدة, إنها اللغة (العفاشية) الهيروغليفية الجديدة العصية على الفهم على المناضلين الأحرار الذين قدموا وما زالوا يقدمون أرواحهم رخيصة من أجل الوطن.
لا حكمة لا تسامح لا حوار ولا سلمية لثورة في بلد مشنوق على فوهات المدافع..وأعقاب البنادق عذراً انه لا زمن غاندي ولا جيفارا بل زمن (قيران ومقوله والجندي واليماني والصوفي والشامي). انه الزمن( العفاشي ) وبامتياز.