نظرة دقيقة ومعمقة للواقع الراهن بعد حرب دامية لازالت مستمرة في بلد نامي فقير وبيئة مجتمعيه يسود فيها نظام القبلية والعصبية والتعصب المناطقي الضيق .. حتما ستجد فوارق وتباينات عدة تتركز في جلها عن ماهية اشكاليات هذا التحول والانعطاف في هكذا مسار قد يتخلله سوء فهم لطبيعة كل مرحلة من تاريخ اليمن الذي آخذت جدرانه بالتآكل والتلاشي والزوال. فعند حدوث أي أزمة سياسيه وتتصارع قوى متخلفة على سده الحكم والزعامة للسيطرة على مقاليد الأمور في البلد .. ولنعطي مقارنه بين صراعات الأمس السياسية بين الأخوة الأعداء وليكن مثالنا هو احداث 13 يناير الدامي 86م.. سنجدها وبأحداثها وطبيعة الصراع السياسي المناطقي ذات الموروث القبلي الأكثر توحشا .. قد اضعفت القوى الوطنية و الديمقراطية وساعدت في تمزيق نسيجنا الوطني وانقسم الطرفان إلى اتجاهين سميت (بالطعمة والزمرة). وبالرغم من حدتها وضراوتها واحتدام الصراع الدموي الحاد ونتائجها الكارثية على المتنافسين والخصمين اللدودين الا ان من أهم مميزاتها واحداثها التاريخية تتلخص بأهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة من السطو والنهب والتدمير .. حتى ان الجثث والقتلى من الطرفين جثمت على الارض لأسبوع واكثر وتحللت الجثث وتعفنت وفاح رائحة الموتى بعد ان أكلها الدود فتورمت وانتفخت وكنا نشاهد القتلى من العسكريين من كلا الطرفين يتساقطون على الارض صرعى وقتلى وبجوارهم سلاحهم الآلي الشخصي ولم يجرؤ أو يقدم كائنا من كان من الاقتراب منهم أو سرقة ما بحوزتهم من مال او مقتنيات خاصة بهم وبقى سلاحهم مرميا على الأرض حتى تمكنت الجهة المنتصرة بعد مرور اسبوعان من حمل جثثهم من الشوارع والازقه والجولات وسحب الاليات ككابوس مرعب طيلة عمرنا الآتي . أقول رغم ما عشناه من مآسي هذه الايام الينايريه الدامية.. وعمق الجراح وصعوبة التئامها.. الا ان بقاء ديمومة الدولة بهيئاتها و مؤسساتها ظلت ثابته .. ولم تمارس النهب والتدمير والتوحش ابدا عكس ما نراه اليوم عند حدوث أي ازمة او صراع أهلي او قبلي مناطقي وابرز مثالا هو ما نراه اليوم كواقع مؤلم وكارثي .. حين يتحول الكل إلى وحوش ضاريه فتمارس التوحش بأبشع صوره وتجثم على مقدرات وممتلكات الدولة ومؤسساتها لنهبها وتدميرها .. ويطال كل منشأة عسكرية أو مدنية فينهالون عليها سطوه ونهبا وتدميرا. وكأننا في غابة .. فيسود قانون القوة والتوحش على قطيع صار له عالمة الخاص.. وقانونه الأوحد. والآنكى من ذلك هو أن هذا النهج الممارس اليوم صار نموذجا يحتذى به وبتحفيز سياسي آخر ممنهج ذات بعد يزداد تبلدا وفاشيه وتوحش شنيع. وبالأمس سمعت حوارا بين شابين لا يتجاوز اعمارهم الثالثة والعشرين وهم مجندين ضمن دائرة الاستقطاب النخبوي الحاصل الآن وقال احدهما للآخر : متى تأتي الحرب الأخرى ونشاهد حربا أهليه دموية بين طرفي الصراع – كي نغنم ونسطو على المعسكرات ونقتحم المؤسسات لنهب كل شيء .. تصوروا هذه هي امنيات جيل تربى وتتلمذ وتعلم على هذه الممارسات والاخلاقيات وفلا قيم لديه ولا انتماء او هوية . صار اكثر توحشا لرغبة القتل والنهب والتدمير فقط .. هذا ما أراه واشاهده واقعا مؤلما يتكرر باستمرار.. ورغم وجود شبابا اكثر وعيا ونضجا ودرايا الا انه لا يشكل النسبة القادرة على احداث التغييرات اللازمة لهكذا سياسات وان استمرت حتما ستؤدي بنا لزلازل قادمة وكوارث أخرى لتمزيق اوصرانا وتدمير ما تبقى لنا من وطن فالاتي يا سادة مخيف ومرعب.. علينا سرعة ايقاف هذا النزيف المجتمعي البليد.. وخلق بدائل اكثر وطنيه ونحاول بناء جيل آخر .. يعشق الحياه ويحب العمل ويحلم بغد آخر أجمل .. بعيدا عن ثقافة الدم والدمار والثأر الملعون .. علينا أن نجدد إيماننا بعدالة قضيتنا ونبتعد عن الآخر المذموم .. القادم من الأدغال. وهكذا نطوي صفحات لوثت بالدماء وبحور من الظلمات . علينا أن نحاول وننقذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.