حسام السلاّمي خلال السنوات الماضية تقدم الكثير من المثقفين ، والمنظرين، والسياسيين، والناشطين .... الخ بالكثير من الأفكار والرؤى التي ساهمت وتساهم من جانب في رفع مستوى أداء الحراك الجنوبي، والتي عبرت من جانب آخر عن وجود إجماع حول ضرورة تطوير وتفعيل الأساليب المتبعة للوصول للهدف الجنوبي المنشود وهو ( حق تقرير المصير ) أكان معجّلاً أو مؤجّلاً . واستكمالاً لمقالي الأخير ( ماذا يريد الجنوب ؟ ) رغبت في التوسع قليلاً في طرح بعض التأملات والأفكار التي أعتقد أنها مناسبة لأن تكون محل نقاش لكافة الجنوبيين الساعين للوصول لحل يرضي جميع الأطراف الجنوبية ، ويوصلنا بشكل آمن إلى تشكيل جبهة جنوبية واحدة ، تكون الممثل الرسمي والوحيد للجنوب.
الهدف النهائي ( حق تقرير المصير ) 1) القضية الجنوبية يتجاذبها تياران رئيسيان ، الأول هو تيار ( تقرير المصير، فك الارتباط، الاستقلال ..) المباشر والفوري ، ويطالب باستعادة جمهورية اليمن الديمقراطية، وتارة أخرى الجنوب العربي، ويمثله الرئيس علي سالم البيض، والثاني هو تيار خوض مرحلة انتقالية لخمس سنوات في نظام فيدرالي من إقليمين ضمن الجمهورية اليمنية، يعقبها استفتاء شعبي جنوبي لتقرير المصير إما انفصال والعودة لما قبل العام 1990م ، وإما البقاء في وحدة فيدرالية مع الشمال ( جنوب السودان نموذجاً ) ويمثله الرئيسان علي ناصر محمد وحيدر أبو بكر العطاس ... 2) كلا الطرفان متفقان على الهدف الرئيسي وهو تقرير المصير ، ولكنهما يختلفان في الطريقة المؤدية لذلك الهدف . فكل طرف تمسك بطريقته للوصول للهدف النهائي مما نتج عنه عدم القدرة على عقد مؤتمر وطني جنوبي شامل .
الحل للخروج من المشكلة الحل برأيي يكمن بتأجيل اختيار الطريقة للوصول للحل النهائي في الوقت الحالي طالما أن هذه النقطة هي السبب في عرقلة جهود عقد المؤتمر الوطني الجنوبي، والتركيز فقط حالياً على اجتماع جميع الأطراف في مؤتمر وطني (بدون الدخول في حيثيات مشاريع الأطراف الجنوبية للوصول للحل النهائي ) على أن يدعى لهذا المؤتمر جميع الفصائل والقوى الناشطة في القضية الجنوبية في الداخل والخارج - وأن يكون هناك تمثيل قوي للشباب من خلال انتقاء ممثليهم بعناية، أي انتقاء ذوي الكفاءات والتخصصات والمهارات منهم، فهم من يجب دعمهم، وهم من سيستلم الدفة لقيادة البلاد مستقبلاً خصوصاً بعد تقدم سن أغلبية قيادات الجنوب - لتشكيل مجلس وطني ( جمعية عامة ) . وتشكل تلك الجمعية رئاسة لها مكونة من ممثلين محددين من القيادات التاريخية، القيادات الميدانية للحراك، القيادات الحراكية في الخارج، ممثلين مستقلين وشخصيات اجتماعية، ممثلين عن الناشطين الشباب .... الخ وذلك من خلال الانتخاب . وتقوم رئاسة المجلس الوطني بتوزيع المهام على أعضاءها بحسب التخصص والكفاءة .... الخ وتقوم بتحديد تلك المهام في نظام داخلي محدد.
اختيار الطريق الأنسب للوصول للهدف النهائي بعد أن يتم تشكيل المجلس الوطني وهيئة رئاسته ، تبدأ رئاسة المجلس ببحث الطرق والأساليب المتاحة، والأكثر عملية والأكثر قبولاً محلياً وإقليمياً ودولياً من اجل الوصول للهدف الجنوبي المنشود ( حق تقرير المصير ) وذلك من خلال تشكيل وفد مفاوض يمثل المجلس الوطني الجنوبي مكون من عدد محدد من الأشخاص ممن تتوفر فيهم القدرة على التفاوض، القبول المحلي والدولي، الثقافة والاطلاع ....الخ للقيام بمهمة إجراء مفاوضات مع جميع الأطراف ذات العلاقة محلياً وعربياً ودولياً للترتيب لما بعد سقوط نظام صالح وإيجاد البدائل المناسبة للوصول للهدف النهائي للجنوبيين، وعرض كل ما يتوصل له من مقترحات بعد ذلك على المجلس الوطني للتصويت عليها ، أي أن يتولى المفاوضون عملية التفاوض ورفع النتائج للمجلس الوطني ( الجمعية العامة ) ويقوم المجلس الوطني بمناقشتها والتصويت عليها بقبولها أو رفضها أو تعديلها أو الاستمرار في المفاوضات ...الخ وهذه الطريقة ستجعل قرار اختيار الطريق للوصول للهدف النهائي (أياً كان ذلك الطريق) بيد جميع الأطراف مجتمعة وليست بيد طرف واحد فقط ، وبالتالي ينخرط الجميع بدون استثناء في عملية إدارة أهم مراحل النضال الجنوبي .
بالطبع هناك عدد كبير من المهام التي ستتولاها رئاسة المجلس الوطني، ولكني ارغب في تسليط الضوء على أهم تلك المهام : 3) المفاوضات: مثلما ذكرت سابقاً وهي عملية التفاوض مع جميع الأطراف ذات العلاقة محلياً وعربياً ودولياً للترتيب لما بعد سقوط نظام صالح وإيجاد البدائل المناسبة للوصول للهدف النهائي للجنوبيين ، من خلال مجموعة منتقاة من القيادات الجنوبية تقوم بهذه العملية ، وترفع نتائجها للمجلس لاتخاذ القرارات المناسبة بشأنها. 4)الإعلام: للإعلام دور هام جداً وأساسي لدعم القضية الجنوبية، فنحن في عصر يختلف عن عصر الثورات القديمة، فالصورة لها مفعول السحر في التأثير على الرأي العام العالمي، فمن المهم تشكيل مكتب إعلامي من قبل رئاسة المجلس الوطني (المفترض تأسيسه) يديره مجموعة من الكفاءات المتخصصة في الإدارة والإعلام، مهمته توصيل صوت الجنوب للعالم بأعلى كفاءة ممكنة ، وبحسب سياسة واحدة يكون هدفها ( حق شعب الجنوب في تقرير مصيره ) وإنهاء أسلوب الترويج لأي تيار من تيارات الجنوب، فالسياسة الإعلامية من المهم أن تكون للترويج للمجلس الوطني الواحد ولحق تقرير المصير فقط، وبهذه الطريقة ستأتي القنوات العربية تجري للحصول على حق نقل الأحداث من عدن وبقية مناطق الجنوب، بدلاً من انتقاد القنوات الفضائية على عدم تغطيتها لاحتفالات ثورة أكتوبر في عدن ، فمن الخطأ أن نستعدي مؤسسة إعلامية مهمة - ساهمت في وقت من الأوقات بتسليط الضوء على القضية الجنوبية ، واستضافت العديد من المتحدثين باسم القضية الجنوبية - ونكيل عليها الاتهامات ، بينما القصور والضعف يطغى على كل عمل إعلامي جنوبي منذ خمس سنوات ( مع احترامي وتقديري لكل الجهود التي بذلت ) ولكن لكل زرع حصاد وعلى حسب زرعك ستحصد.
5)التسويق : أقصد هنا بتسويق القضية الجنوبية ، والمجلس الوطني في العالم ، وذلك يتم عبر مكتب للعلاقات العامة تنشئه رئاسة المجلس، يديره مجموعة من المتخصصين وذوي الكفاءة ، يهتم بالقيام بحملة تسويق واسعة للقضية الجنوبية من حيث : تاريخ القضية، تداعياتها على الشعب في الجنوب وحقوقه الإنسانية ، تداعياتها على مصالح القوى الدولية، تداعياتها على الاقتصاد الدولي، تداعياتها على الاستقرار في المنطقة، الفوائد التي ستجنيها دول العالم من الدولة الجديدة في الجنوب، التعهد باحترام كافة المواثيق والاتفاقات والتعهدات الدولية السابقة، التعهد بمحاربة الإرهاب، التعهد باحترام اتفاقيات ترسيم الحدود، التعهد بعدم إنشاء نظام معادي لدول المنطقة والعالم، التلويح بتقديم امتيازات استثمارية خاصة للدول الداعمة لحل تقرير المصير للجنوب ، وبنفس الشكل ولكن للداخل الجنوبي ، أي شرح وتوضيح الوضع القائم ، القيام بحملة ترويجية مكثفة وشاملة في كل مناطق الجنوب للتعريف بالحلول الممكنة والمتوفرة ، ومدى ملائمتها لمصالح الجنوب والقوى العظمى في العالم ، وإعداد الشعب الجنوبي وتهيئته لخوض غمار المرحلة بكل وعي وإدراك لمجريات و مآلات الأحداث و إبقاءه على اطلاع دائم بكل التطورات، وكذلك القيام بحملة للتأثير على المترددين من الانضمام لثوار الحراك الجنوبي ، والمتشككين في إمكانية تحقيق تقرير المصير فهناك العديد من الأشخاص من الذين لا يؤمنون بإمكانية تحقيق الهدف المنشود، والبعض الآخر يتخوف من عدم كفاءة قيادات الحراك لتولي زمام الأمور في الجنوب، خصوصاً بعد التجارب السيئة والمأساوية للجنوبيين في الحروب الأهلية وآخرها وأكثرها ألماً حرب 13 يناير 1986م و كذلك للتأثير على من يشكو إقصاء أبناء عدن وحضرموت من المشهد السياسي الجنوبي ........... وغيرها من الأمور التي تعرقل سير العمل الجنوبي. وهناك عدد من الوسائل الخاصة بالتسويق ووسائل عرض الأفكار لضمان أفضل أداء في هذا المجال ، ليس هنا محل ذكرها . 6) دعم أسر الشهداء والجرحى : مسألة دعم أسر الشهداء والجرحى ليست مسألة تكميلية ، بل مسألة أساسية وأخلاقية تجاه من ضحوا بحياتهم من اجل القضية الجنوبية وهي تبين مصداقية والتزام قيادات الحراك الجنوبي أمام شعب الجنوب .
7) الموارد البشرية : وأقصد به هنا هو أن يكون للمجلس الوطني الجنوبي دور آخر مهم ،وهو البحث عن الكوادر الشابة من أبناء الجنوب في الداخل والخارج، ومحاولة الحصول على دعم من منظمات أهلية دولية أو إقليمية لتدريبهم وتأهيلهم وإعدادهم لتحمل مسؤوليات مهمة ، أي أن يكون المجلس مؤسسة لبناء المواطن الجنوبي الذي سيعول عليه في إدارة الفترات القادمة.
بالطبع هناك مهام وأعمال أخرى ، ولكني سأتجه لإضافة عدد من الملاحظات التي أعتقد بأنها ذات أهمية . من الواضح أن هناك عدم تواصل بين بعض الأطراف مع بعض الجهات المهمة الإقليمية والدولية، بينما حظيت أطراف أخرى بميزة هذا التواصل ، إذاً من المزايا المهمة لتأسيس المجلس الوطني ، أنه سيمكن الأطراف الجنوبية من إعادة التواصل مع تلك الجهات الإقليمية والدولية باعتبارها أصبحت ضمن المجلس الوطني، ففي هذه الحالة ستجبر تلك الجهات الإقليمية والدولية أن تتعامل مع جميع ألوان الطيف الجنوبي، مما يساعد على حلحلة الكثير من الأمور المعلقة، وعدم وجود أي طرف جنوبي خارج دائرة المشاركة في اتخاذ القرار . لقد شهد عام 2011م ما يسمى الربيع العربي، ذلك السيل الجارف الذي لن يتوقف قبل إحداث تغييرات شاملة في كل دول العالم العربي،وقد بدأت شرارات الثورة العربية تصل إلى أوروبا وأمريكا نفسها ، لذلك من المهم على الحراك الجنوبي تبني سياسة مرنة تنسجم وتتماشى مع ذلك التيار الجارف، عبر التركيز على محورين أساسيين ( إسقاط نظام علي صالح و إنشاء المجلس الوطني الجنوبي ) وليس من المفيد استعداء دول أو منظمات عربية أو عالمية ، أو قنوات فضائية مهمة تعتبر من أهم الوسائل الإعلامية الداعمة لذلك الربيع العربي، بل يجب تطوير وتحسين الاتصال بها ، والتعاون معها ، فهي رغماً عن الجميع المنبر الأول الذي يمكن للجنوبيين أن يعبروا عن قضيتهم عبره ، لذلك من المهم التركيز على أنفسنا ونبتعد عن تعليق فشلنا على شماعة جهات معينة.أدعو للإيقاف الفوري لحملات التشكيك والاتهامات للقيادات الجنوبية، فللجميع الحق في انتقاد أي ظواهر سلبية ، ولكن ليس من المفترض خصوصاً في الفترة الحالية أن نعمق الخلاف الجنوبي الجنوبي ، بقدر ما نحن بحاجة لتطبيق فعلي وحاسم لمبدأ التسامح والتصالح الجنوبي ، فالجميع يعمل ويجتهد ، ومن المهم احترام جهود الجميع. من المفيد التركيز في مقالاتنا وكتاباتنا على الوحدة الجنوبية، و إنشاء المجلس الوطني ، وعدم الدخول في مواضيع ليست ذات أهمية للجنوب، أو تظهر فشلنا وتناحرنا ، وفي بعض الأحيان غيرتنا من نجاحات الآخرين ، كما حصل في الانتقادات الغريبة والغير مبررة لحصول توكل كرمان على جائزة نوبل للسلام . القضية الجنوبية قضية عادلة مناهضة للظلم بامتياز ، لذلك من المهم والمفيد إبراز تعاطفنا ودعمنا لجميع حركات التحرر ، والثورات المناهضة للظلم والعنصرية والاضطهاد في جميع أرجاء الأرض ، وأولها ثورة إسقاط نظام علي عبد الله صالح .
خاتمة الأيام تمر كالريح المرسلة، والكل في عدوٍ وهرولة ، وأقدامنا مازالت في القيود مكبلة، قد دنا الراكضون من نهاية المسألة ، فإما أن نعي حجم المعضلة ، ونكون يداً واحدة لخوض المعركة ، و نسبقهم فيها بمرحلة ....... و إلا ستدهسنا خيلهم المحجلة . والسلام