اشتباكات مسلحة عنيفة بين فصائل المرتزقة في عدن    صحيفة روسية تكشف من هو الشيباني    بايرن ميونخ يكتسح توتنهام الإنجليزي برباعية نظيفة    تفشي فيروس خطير في ألمانيا مسجلا 16 إصابة ووفاة ثلاثة    نص كلمة قائد الثورة حول آخر مستجدات العدوان على غزة والتطورات والدولية    فياريال الإسباني يعلن ضم لاعب الوسط الغاني توماس بارتي    الفاو: 86٪ من الأراضي الزراعية في غزة مدمّرة    ما سر قرار ريال مدريد مقاطعة حفل الكرة الذهبية 2025؟    اكتشاف معبد عمره 6 قرون في تركيا بالصدفة    تحقيق استقصائي يؤكد تعطل سلاسل الإمداد الدفاعي للكيان بسبب الحصار اليمني    دراسة تحذّر من خطر شاشات الهواتف والتلفاز على صحة القلب والشرايين!    المحتجون الحضارم يبتكرون طريقة لتعطيل شاحنات الحوثي المارة بتريم    باوزير: تريم فضحت تهديدات بن حبريش ضد النخبة الحضرمية    الراجع قوي: عندما يصبح الارتفاع المفاجئ للريال اليمني رصاصة طائشة    في تريم لم تُخلق النخلة لتموت    إنسانية عوراء    يحق لبن حبريش قطع الطريق على وقود كهرباء الساحل لأشهر ولا يحق لأبناء تريم التعبير عن مطالهم    لماذا يخجل أبناء تعز من الإنتساب إلى مدينتهم وقراهم    وتؤكد بأنها على انعقاد دائم وان على التجار رفض تسليم الزيادة    تغاريد حرة .. عندما يسودنا الفساد    تضامن محلي وعربي واسع مع الفريق سلطان السامعي في وجه الحملة التي تستهدفه    وسط تصاعد التنافس في تجارة الحبوب .. وصول شحنة قمح إلى ميناء المكلا    فوز شاق للتعاون على الشروق في بطولة بيسان    رونالدو يسجل هاتريك ويقود النصر للفوز وديا على ريو آفي    كرة الطائرة الشاطئية المغربية.. إنجازات غير مسبوقة وتطور مستمر    إب.. قيادي حوثي يختطف مواطناً لإجباره على تحكيمه في قضية أمام القضاء    منظمات مجتمع مدني تدين اعتداء قوات المنطقة العسكرية الأولى على المتظاهرين بتريم    القرعة تضع اليمن في المجموعة الثانية في تصفيات كأس آسيا للناشئين    من الذي يشن هجوما على عضو أعلى سلطة في صنعاء..؟!    وسط هشاشة أمنية وتصاعد نفوذ الجماعات المسلحة.. اختطاف خامس حافلة لشركة الاسمنت خلال شهرين    الرئيس المشاط يعزي في وفاة احد كبار مشائخ حاشد    تعاون الأصابح يخطف فوزاً مثيراً أمام الشروق في بطولة بيسان الكروية 2025    الرئيس الزُبيدي يشدد على أهمية النهوض بقطاع الاتصالات وفق رؤية استراتيجية حديثة    محافظ إب يدشن أعمال التوسعة في ساحة الرسول الأعظم بالمدينة    كنت هناك.. وكما كان اليوم، لبنان في عين العاصفة    إجراءات الحكومة كشفت مافيا العملة والمتاجرة بمعاناة الناس    عصابة حوثية تعتدي على موقع أثري في إب    الصراع في الجهوية اليمانية قديم جدا    رصاص الجعيملاني والعامري في تريم.. اشتعال مواجهة بين المحتجين قوات الاحتلال وسط صمت حكومي    الأرصاد الجوية تحذّر من استمرار الأمطار الرعدية في عدة محافظات    وفاة وإصابة 9 مواطنين بصواعق رعدية في الضالع وذمار    الريال اليمني بين مطرقة المواطن المضارب وسندان التاجر (المتريث والجشع)    الفصل في 7329 قضية منها 4258 أسرية    جامعة لحج ومكتب الصحة يدشنان أول عيادة مجانية بمركز التعليم المستمر    خطر مستقبل التعليم بانعدام وظيفة المعلم    من الصحافة الصفراء إلى الإعلام الأصفر.. من يدوّن تاريخ الجنوب؟    طالت عشرات الدول.. ترامب يعلن دخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ    صنعاء تفرض عقوبات على 64 شركة لانتهاك قرار الحظر البحري على "إسرائيل"    دراسة أمريكية جديدة: الشفاء من السكري ممكن .. ولكن!    هيئة الآثار تنشر قائمة جديدة بالآثار اليمنية المنهوبة    اجتماع بالمواصفات يناقش تحضيرات تدشين فعاليات ذكرى المولد النبوي    مجلس الوزراء يقر خطة إحياء ذكرى المولد النبوي للعام 1447ه    لا تليق بها الفاصلة    حملة رقابية لضبط أسعار الأدوية في المنصورة بالعاصمة عدن    ( ليلة أم مجدي وصاروخ فلسطين 2 مرعب اليهود )    رئيس الوزراء: الأدوية ليست رفاهية.. ووجهنا بتخفيض الأسعار وتعزيز الرقابة    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بدر باسنيد.. نورس العدالة الذي رحل قبل أن يراها!
نشر في عدن الغد يوم 03 - 04 - 2018

اسمه يحيل الى حضرموت التليدة، فحيث ما توجد الباء في ذيل الاسماء العربية الأصيلة تتجلى الهوية المرجعية لاصحابها من الحضارم الاقحاح اينما حلوا أو أرتحلوا في بلاد الله الفسيحة، (باسنيد، باذيب، باخشب، بلخشر، باصره ، باحاج، باقزقوز، باعبيد، باناجه، باحشوان ..الخ ) وهكذا صار حرف (الباء) ميسم الحضرميين في رحلتهم الحضارية المضنية لبذر ونشر وتنمية قيم السماحة والعقلانية والاعتدال والسلام والثقة والأمانة والنظام والقانون والحرص والادخار والمدنية والعلم والتعليم والألتزام الحميد والتجارة والاستثمار؛ رسالة حضرموت الأبدية التي تسري في عروق الارخبيل الهندي وشبه الجزيرة العربية وفِي العالم كله مسرى الروح في الجسد.
في عدن شقيقة المكلا، عدن المتقاسمة مع حضرموت البحر والساحل ذاته، عدن التي عشتقتها حضرموت منذ الازل وتبادلت معها الأفراح والأتراح والخير والشر، والحلم والأمل. ولد وترعرع وعاش هذا النورس الحضرمي العدني بدر باسنيد الذي رحل في الليلة الظلماء! وهو الشخصية الوطنية والمثقف المدني وأحد رجالات القانون والعدالة المخضرمين في مدينة عدن الحبيبة التي أحبها وأحبته، وفي أحضانها وفضاءها لمع أسمه ونجمه ونال شهرته القانونية والسياسية والثقافية من الطراز الرفيع. عرفت الراحل العزيز بدر باسنيد في لحظة الانكسار والندم المريرة بعد حرب اجتياح الشمال العصبوي التقليدي للجنوب المدني الحديث، في حرب التكفير والاحتلال عام 1994م. كنا حينها نعيش حالة ساحقة من الشعور بمرارة الهزيمة والخذلان ونضرب الأخماس في الأسداس! في حيص بيص من أمرنا ونعض أصابع الندم بما إقترفته قيادتنا السياسية الغبية في الزج بالبلاد والعباد في نفق الاندماج الوحدوي المظلم! كنا في تلك الأيام الموحشة وقد تقطعت بنا السبل وضاعت حيلتنا وفتيلتنا! ونحن نشاهد بأم أعيننا جحافل الناهبين المحتلين القادمين من أقاصي الشمال اليمني التقليد بزنادنهم وزناتهم وجنابيهم وسحناتهم الغريبة الرهيبة وهم ينهبون المؤسسات والمتاحف والمكتبات ويتجوّلون في شوارع المدينة المغتصبة بوقاحة واستعلاء فاحش ويبترعون على شواطئنا بخناجرهم المعكوفة فرحا بالنصر والغنيمة، وتأكيدا للقوة والهيمنة في مدينتنا الحزينة. كنا نحن معشر الشباب الحالم بالوطن الخراب في حالة يأس واحباط وضياع شديد السطوة والخطر أفضى بالكثيرين من جيلنا الى الدخول في حالة من عدم القدرة على التكيف مع الوضع الاستعماري الدخلي البالغ القسوة والقرف! الذي تسبب بموت الكثيرين وإصابة غيرهم بحالات نفسية مرضية متعددة القلق والاكتئاب والجنون والرغبة في الانتحار، والعزلة والانعزال، أو النكوص الثقافي والأخلاقي ومسايرة وتمثل وتقليد قيم الغالبين، في الدحبشة والنفاق وتغيير الهيئات والأزياء، إذ سرعان ما طالت لحي الرجال واختفت ابتساماتهم وتغيرت سحناتهم وطريقة كلامهم ونبرة أصواتهم، وبدلا (صباح النور) العدنية الجميلة حلت (السلام عليكم المتجهمة) وبدلا من الدعابة والسماحة والاناقة المدنية حلت قيم وأخلاق متكلفة وسمجة مشبعة بالتكفير والتخويف والعنف والتجسس والتدخل في خصوصيات حياة الناس الحميمية في منتزهات المدينة، فانتشر اللون الأسود انتشار النار في الهشيم واختفت ألوان الطيف في المدينة البحرية الكسموبوليتية، وتم تدمير ومسح كل المعالم والأثار التي كانت تدل على تاريخ دولة الجنوب، إذ استبدلت اسماء المعسكرات والشوارع والمؤسسات، فصار معسكر العند، يسمى معسكر7/7، وصار معسكر بدر ، قاعدة الديلمي، وصار مستشفى الصداقة ، مستشفى الوحدة، وصارت قناة عدن، قناة 22مايو واشياء بأسماء الاحمر والصالح والرموز القادمة من الشمال. في أيام الجمر والرماد تلك كنا نبحث عن بارقة أمل ومواساة تسندنا في تجاوز محنتنا، فكان الراحل بدر باسنيد أحد الرجال الذين أوقدوا الشمعة في دياجير ظلام تلك اللحظة العصيبة!
اتذكر أنني التقيته أول مرة في ديوان مؤسسة الأيام مطلع 1996م، عرفني به المرحوم هشام باشراحيل الف رحمة ونور تَغْشَاه، كان بشوشا وتبدو عليه ملامح الثقة بنفسه، استمعت اليه وهو يتحدث عن وضع عدن في ظل الاحتلال وكيف يمكن مقاومته مدنيا وسلميا، قال: ليلتها هذا الوضع لن يدوم لانه باطل وما بني على باطل فمصيره الزوال! كان واثقاً مما يقوله وتحدث عن جملة من قضايا النهب والحقوق التي تم اغتصابها من متنفذين شماليين وكيف تصدي لهم بالقانون والقضاء حتى أعادها الى أصحابها. خرجنا من ذلك اللقاء بحالة مختلفة عما كنا عليه قبله كنت برفقة عدد من الاصدقاء الذين كانوا يبحثون عن أي سبيل لمقاومة الاحتلال الغاشم.
ثم تكررت لقاءتنا في خورمكسر وكريتر والشيخ عثمان، في جلسات كانت شبه سرية في منزل المقاوم عمر الكثيري ومنزل الدكتور صالح طاهر العيسائي وفِي بيت جمال عبادي، وفِي الأيام، وفِي منتديات ثقافية عديدة، كان المرحوم بدر باسنيد والدكتور ابوبكر السقاف أطال الله عمره والحاج صالح باقيس والمرحوم هشام باشراحيل وغيرهم من الجيل الذي يكبرنا كانوا يمنحونا الكثير من روح الأمل والمقاومة المدنية، بحكم خبرتهم السياسية الواسعة بالحالة اليمنية.
واتذكر بانني لم أجد المحامي الراحل بدر باسنيد في أي يوم من أيام المِحنة والا وهو شديد التفاؤل بالمستقبل. كان دائم الابتسامة الساخرة مما يحدث، وكانت كتاباته الصحفية في صحيفة الأيام وتصريحاته ومعاركه القانونية في اروقة العدالة تمنحنا الزاد المعنوي الذي كنا نحتاجه في تلك الأيام.
كان رحمة الله عليه يراهن على القانون والعدالة ويلح على ضرورة النضال من أجل الحفاظ على المؤسسات وعدم تدميرها حتى وأن كانت مؤسسات بيد أعداءنا. ولن أنسى قوله في نقد النخب السياسية التي تسلمت مقاليد الأمور في الجنوب من الاستعمار البريطاني في 1967م قال بالحرف الواحد (( لو إنهم حافظوا على المؤسسات التي تركها الانجليز في عدن واستفادوا من كوادرها التكنوقراطية وخبراتهم الإدارية في النظام والقانون، لكان حال عدن اليوم أفضل من دبي ومثيلاتها.. وأضاف الدول لا يمكن بناءها بالايديولوجيات والشعارات الفضفاضة، بل بالعلم والقانون والعدالة والمؤسسات الرشيدة) كان رحمة الله عليه مثقفا ليبراليا أرستقراطيا لا يرى بغير الدستور والقانون بديلا لحل أزمة الحكم في اليمن، ولم يتسامح ابدا مع التهريج والهوشلية والفساد. ورحل وهو مسكون بالقيم والمبادئ التي كان يُؤْمِن بها وينافح من أجل تحقيقها. الف رحمة ونور تَغْشَاه
في مثواه. كم هو جدير بالإنصاف والاعتراف
وأتمنى من أولاده وأصدقاءه وزملاءه العمل على نشر سيرته وجمع أعماله في كتاب يحفظ أثره وهذا أقل ما يمكن فعله للوفاء له.
[2/‏4 9:47 م] د. قاسم المحبشي قاسم: بدر باسنيد.. نورس العدالة الذي رحل قبل أن يراها!
أين يمكن لي العثور على ما يشبع المقال عن الراحل العظيم المحامي بدر باسنيد أحد رجالات القانون المعاصرين في جنوب الجزيرة العرب أنه بدر باسنيد رحمة الله عليه فارس العدالة والقضاء في عدن. منذ فجعت بنبأ رحيله الفاجع وأنا أبحث عن سيرته الذاتية في الشبكة العنكبوتية، فلم أَجِد غير برقيات التعازي من الرئيس وأنت نازل! معظم القابعين هناك من نفايات السياسيين اليمنيين، ارسلوا تعازيهم بوفاته، رغم إنهم لا يعرفون؛ من هو هذا الذي مات؟ وماذا كان؟ لم أَجِد غير التعازي التقليدية البليدة التي لا تعرف عماذا تتحدث! وكما تم تهميش المرحوم بدر باسنيد وإسدال الستار عليه في الواقع السياسي العدني، فكذلك تم تغييب الرجل من النص والفضاء العام بعد رحيله. أيعقل أن نجد سيّر ذاتية منشورة لأولاد كانوا يلعبون ببولهم حينما كان الراحل العظيم بدر باسنيد يجلجل بصوته في ساحات المحاكم دفاعا عن حقوقهم ويقاوم المغتصبين لمدينتهم بكل أشكال المقاومة المدنية والقانونية منذ نصف قرن! العيال الذين صاروا الْيَوْمَ وزراء ووكلاء ومدرا وسفراء وسماسرة سياسة، ومعظمهم لا يعرفون الف باء السياسة والقانون ولا يعرفون أسطورة القانون المدني الرحل بدر باسنيد! في زمن الانحطاط اليمني الشامل! ورغم كل شيء علينا أن نتشبث بأخر رمق للحس السليم وتأنيب الضمير حتى في أحلك الظروف والأحوال، ومن المهم إنصاف من رحل وايفاءه المكانة التي يستحقها بالذكر والذاكرة.
وكم مات قوم وما ماتت فضائلهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات!
بدر باسنيد رمز عدني ثقافي قانوني لا يشق له غبار، والرموز خالدة لا تموت! من لديه سيرة المحامي الراحل بدر باسنيد يتكرم بنشرها فهذا هو وقتها هنا والآن. نريد أن نكتب ما يليق به وبمكانته بعد رحيله، طالما وقد عجزنا عن منحه المكانة التي يستحقها في حياته. مع خالص الشكر والتقدير. فهل من مجيب؟!
وعلى الرغم من جهلي بتفاصيل حياته. سأكتب عنه ما أعرفه بما يمليه عليّ ضميري وما تجود به ذاكرتي. وألف ورحمة ونور تغشاه في مثواه!
ولا يموت المرء طالما وهناك قلوب وعقول حية تتذكره!
فمن هو المحامي الراحل بدر باسنيد؟
اسمه يحيل الى حضرموت التليدة، فحيث ما توجد الباء في ذيل الاسماء العربية الأصيلة تتجلى الهوية المرجعية لاصحابها من الحضارم الاقحاح اينما حلوا أو أرتحلوا في بلاد الله الفسيحة، (باسنيد، باذيب، باخشب، بلخشر، باصره ، باحاج، باقزقوز، باعبيد، باناجه، باحشوان ..الخ ) وهكذا صار حرف (الباء) ميسم الحضرميين في رحلتهم الحضارية المضنية لبذر ونشر وتنمية قيم السماحة والعقلانية والاعتدال والسلام والثقة والأمانة والنظام والقانون والحرص والادخار والمدنية والعلم والتعليم والألتزام الحميد والتجارة والاستثمار؛ رسالة حضرموت الأبدية التي تسري في عروق الارخبيل الهندي وشبه الجزيرة العربية وفِي العالم كله مسرى الروح في الجسد.
في عدن شقيقة المكلا، عدن المتقاسمة مع حضرموت البحر والساحل ذاته، عدن التي عشتقتها حضرموت منذ الازل وتبادلت معها الأفراح والأتراح والخير والشر، والحلم والأمل. ولد وترعرع وعاش هذا النورس الحضرمي العدني بدر باسنيد الذي رحل في الليلة الظلماء! وهو الشخصية الوطنية والمثقف المدني وأحد رجالات القانون والعدالة المخضرمين في مدينة عدن الحبيبة التي أحبها وأحبته، وفي أحضانها وفضاءها لمع أسمه ونجمه ونال شهرته القانونية والسياسية والثقافية من الطراز الرفيع. عرفت الراحل العزيز بدر باسنيد في لحظة الانكسار والندم المريرة بعد حرب اجتياح الشمال العصبوي التقليدي للجنوب المدني الحديث، في حرب التكفير والاحتلال عام 1994م. كنا حينها نعيش حالة ساحقة من الشعور بمرارة الهزيمة والخذلان ونضرب الأخماس في الأسداس! في حيص بيص من أمرنا ونعض أصابع الندم بما إقترفته قيادتنا السياسية الغبية في الزج بالبلاد والعباد في نفق الاندماج الوحدوي المظلم! كنا في تلك الأيام الموحشة وقد تقطعت بنا السبل وضاعت حيلتنا وفتيلتنا! ونحن نشاهد بأم أعيننا جحافل الناهبين المحتلين القادمين من أقاصي الشمال اليمني التقليد بزنادنهم وزناتهم وجنابيهم وسحناتهم الغريبة الرهيبة وهم ينهبون المؤسسات والمتاحف والمكتبات ويتجوّلون في شوارع المدينة المغتصبة بوقاحة واستعلاء فاحش ويبترعون على شواطئنا بخناجرهم المعكوفة فرحا بالنصر والغنيمة، وتأكيدا للقوة والهيمنة في مدينتنا الحزينة. كنا نحن معشر الشباب الحالم بالوطن الخراب في حالة يأس واحباط وضياع شديد السطوة والخطر أفضى بالكثيرين من جيلنا الى الدخول في حالة من عدم القدرة على التكيف مع الوضع الاستعماري الدخلي البالغ القسوة والقرف! الذي تسبب بموت الكثيرين وإصابة غيرهم بحالات نفسية مرضية متعددة القلق والاكتئاب والجنون والرغبة في الانتحار، والعزلة والانعزال، أو النكوص الثقافي والأخلاقي ومسايرة وتمثل وتقليد قيم الغالبين، في الدحبشة والنفاق وتغيير الهيئات والأزياء، إذ سرعان ما طالت لحي الرجال واختفت ابتساماتهم وتغيرت سحناتهم وطريقة كلامهم ونبرة أصواتهم، وبدلا (صباح النور) العدنية الجميلة حلت (السلام عليكم المتجهمة) وبدلا من الدعابة والسماحة والاناقة المدنية حلت قيم وأخلاق متكلفة وسمجة مشبعة بالتكفير والتخويف والعنف والتجسس والتدخل في خصوصيات حياة الناس الحميمية في منتزهات المدينة، فانتشر اللون الأسود انتشار النار في الهشيم واختفت ألوان الطيف في المدينة البحرية الكسموبوليتية، وتم تدمير ومسح كل المعالم والأثار التي كانت تدل على تاريخ دولة الجنوب، إذ استبدلت اسماء المعسكرات والشوارع والمؤسسات، فصار معسكر العند، يسمى معسكر7/7، وصار معسكر بدر ، قاعدة الديلمي، وصار مستشفى الصداقة ، مستشفى الوحدة، وصارت قناة عدن، قناة 22مايو واشياء بأسماء الاحمر والصالح والرموز القادمة من الشمال. في أيام الجمر والرماد تلك كنا نبحث عن بارقة أمل ومواساة تسندنا في تجاوز محنتنا، فكان الراحل بدر باسنيد أحد الرجال الذين أوقدوا الشمعة في دياجير ظلام تلك اللحظة العصيبة!
اتذكر أنني التقيته أول مرة في ديوان مؤسسة الأيام مطلع 1996م، عرفني به المرحوم هشام باشراحيل الف رحمة ونور تَغْشَاه، كان بشوشا وتبدو عليه ملامح الثقة بنفسه، استمعت اليه وهو يتحدث عن وضع عدن في ظل الاحتلال وكيف يمكن مقاومته مدنيا وسلميا، قال: ليلتها هذا الوضع لن يدوم لانه باطل وما بني على باطل فمصيره الزوال! كان واثقاً مما يقوله وتحدث عن جملة من قضايا النهب والحقوق التي تم اغتصابها من متنفذين شماليين وكيف تصدي لهم بالقانون والقضاء حتى أعادها الى أصحابها. خرجنا من ذلك اللقاء بحالة مختلفة عما كنا عليه قبله كنت برفقة عدد من الاصدقاء الذين كانوا يبحثون عن أي سبيل لمقاومة الاحتلال الغاشم.
ثم تكررت لقاءتنا في خورمكسر وكريتر والشيخ عثمان، في جلسات كانت شبه سرية في منزل المقاوم عمر الكثيري ومنزل الدكتور صالح طاهر العيسائي وفِي بيت جمال عبادي، وفِي الأيام، وفِي منتديات ثقافية عديدة، كان المرحوم بدر باسنيد والدكتور ابوبكر السقاف أطال الله عمره والحاج صالح باقيس والمرحوم هشام باشراحيل وغيرهم من الجيل الذي يكبرنا كانوا يمنحونا الكثير من روح الأمل والمقاومة المدنية، بحكم خبرتهم السياسية الواسعة بالحالة اليمنية.
واتذكر بانني لم أجد المحامي الراحل بدر باسنيد في أي يوم من أيام المِحنة والا وهو شديد التفاؤل بالمستقبل. كان دائم الابتسامة الساخرة مما يحدث، وكانت كتاباته الصحفية في صحيفة الأيام وتصريحاته ومعاركه القانونية في اروقة العدالة تمنحنا الزاد المعنوي الذي كنا نحتاجه في تلك الأيام.
كان رحمة الله عليه يراهن على القانون والعدالة ويلح على ضرورة النضال من أجل الحفاظ على المؤسسات وعدم تدميرها حتى وأن كانت مؤسسات بيد أعداءنا. ولن أنسى قوله في نقد النخب السياسية التي تسلمت مقاليد الأمور في الجنوب من الاستعمار البريطاني في 1967م قال بالحرف الواحد (( لو إنهم حافظوا على المؤسسات التي تركها الانجليز في عدن واستفادوا من كوادرها التكنوقراطية وخبراتهم الإدارية في النظام والقانون، لكان حال عدن اليوم أفضل من دبي ومثيلاتها.. وأضاف الدول لا يمكن بناءها بالايديولوجيات والشعارات الفضفاضة، بل بالعلم والقانون والعدالة والمؤسسات الرشيدة) كان رحمة الله عليه مثقفا ليبراليا أرستقراطيا لا يرى بغير الدستور والقانون بديلا لحل أزمة الحكم في اليمن، ولم يتسامح ابدا مع التهريج والهوشلية والفساد. ورحل وهو مسكون بالقيم والمبادئ التي كان يُؤْمِن بها وينافح من أجل تحقيقها. الف رحمة ونور تَغْشَاه
في مثواه. كم هو جدير بالإنصاف والاعتراف
وأتمنى من أولاده وأصدقاءه وزملاءه العمل على نشر سيرته وجمع أعماله في كتاب يحفظ أثره وهذا أقل ما يمكن فعله للوفاء له.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.