نصائح من كاتب محب لوطنه    الجنوب على مفترق طرق: الشراكة أو الضياع    الذهب عند ذروته: ارتفاع قياسي في الأسعار    الإمارات تدعو مجددًا مجلس الأمن لتحمل مسؤولياته لردع إسرائيل    مقتل 24 شخصا بانفجارات في باكستان    تعرف على هوية الفائز بجائزة الكرة الذهبية 2025    يامال وفيكي يتوجان بجائزة «كوبا».. ودوناروما الحارس الأفضل    ديمبيلي.. المهرج الأنيق يتوج بالكرة الذهبية    بعد 14 عاما.. مارسيليا يُسقِط باريس في ال«فيلودروم»    قوات الإصلاح في تعز تحمي قتلة "افتهان المشهري"    احترام القانون اساس الأمن والاستقرار ..الاجراءات تجاه ماموري الضبط القضائي انموذجا    الرئيس الزُبيدي يلتقي رئيس اللجنة الدولية للإنقاذ ويشيد بجهودها الإغاثية والتنموية في بلادنا    الرئيس الزُبيدي: مشاركتنا في الجمعية العامة للأمم المتحدة لعرض الحقائق على الأرض ونقل تطلعات شعبنا بالاستقلال والسلام    المقالح: الولاية هلاك متعمد لسلطتكم    في عيدها الوطني الحادي عشر .. 21 سبتمبر.. ثورة انتصار الإرادة واستعادة السيادة    في تقرير لها حول استهداف مقر صحيفتي " 26 سبتمبر " و" اليمن ".. لجنة حماية الصحفيين الدولية: "إسرائيل" تحولت إلى قاتل إقليمي للصحفيين    في مهرجان شبابي كشفي شهدته العاصمة صنعاء احتفاءٍ بالعيد ال 11 لثورة 21 سبتمبر..    عبقرية "سورج" مع برشلونة جعلته اقوي جهاز فني في أوروبا..!    الدوري الايطالي: نابولي يواصل انطلاقته المثالية بانتصار مثير على بيزا    حين تُغتال الكلمة.. وداعاً عبدالعزيز الشيخ    تجارب سيادية لا تُنسى: ثروة الجنوب السمكية    جدد موقف اليمن الثابت لنصرة فلسطين .. قائد الثورة: مسارنا الثوري مستمر في مواجهة الأعداء    غموض يكتنف اختفاء شاعر في صنعاء    إلى أرواح أبنائي الشهيدين    رئيس مجلس القيادة يصل نيويورك للمشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة    حين يُتّهم الجائع بأنه عميل: خبز حافي وتهم بالعمالة..!    ثورة ال 21 من سبتمبر .. تحول مفصلي في واقع القطاع الزراعي    ريال مدريد لن يرسل وفدا إلى حفل الكرة الذهبية    منارة عدن المنسية.. إعادة ترميم الفندق واجب وطني    صحة بنجلادش : وفاة 12 شخصًا وإصابة 740 آخرين بحمى الضنك    التحويلات المالية للمغتربين ودورها في الاقتصاد    11 عاما على «نكبة» اليمن.. هل بدأت رحلة انهيار الحوثيين؟    وزارة الاقتصاد: توطين الصناعات حجر الزاوية لبناء الاقتصاد    القاتل الصامت يودي بحياة خمسة أطفال من أسرة واحدة في محافظة إب    لقاء تشاوري بين النيابة العامة وهيئة الأراضي لمناقشة قضايا أملاك الدولة بالوادي والصحراء    انتقالي مديرية الضالع يكرم طلاب الثانوية المتفوقين للعام الدراسي 2024/2025    نائب وزير الإعلام والثقافة والسياحة ومدير صيرة يتفقدان أعمال تأهيل سينما أروى بصيرة    صحة البيئة بالمنصورة تشن حملة واسعة لسحب وإتلاف "شمة الحوت" من الأسواق    وفاة خمس نساء من أسرة واحدة غرقا في أبين    عدن.. البنك المركزي يكشف عن استخدامات المنحة السعودية ومستقبل أسعار الصرف خلال الفترة القادمة    خبير طقس: اضطراب مداري يتجه تاثيره خلال الساعات القادمة نحو خليج عدن    هبوط جماعي للأسهم الأوروبية!    اجتماع للجان الفنية لدمج وتحديث الهياكل التنظيمية لوحدات الخدمة برئاسة الحوالي    براءة العلويين من البيع والتنازل عن الجولان لإسرائيل    "إنهم يقومون بكل الأعمال القذرة نيابة عنا"    الراحلون دون وداع۔۔۔    السعودية تسرق لحن زامل يمني شهير "ما نبالي" في عيدها الوطني    عبد الملك في رحاب الملك    التعايش الإنساني.. خيار البقاء    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    موت يا حمار    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بدر باسنيد.. نورس العدالة الذي رحل قبل أن يراها!
نشر في عدن الغد يوم 03 - 04 - 2018

اسمه يحيل الى حضرموت التليدة، فحيث ما توجد الباء في ذيل الاسماء العربية الأصيلة تتجلى الهوية المرجعية لاصحابها من الحضارم الاقحاح اينما حلوا أو أرتحلوا في بلاد الله الفسيحة، (باسنيد، باذيب، باخشب، بلخشر، باصره ، باحاج، باقزقوز، باعبيد، باناجه، باحشوان ..الخ ) وهكذا صار حرف (الباء) ميسم الحضرميين في رحلتهم الحضارية المضنية لبذر ونشر وتنمية قيم السماحة والعقلانية والاعتدال والسلام والثقة والأمانة والنظام والقانون والحرص والادخار والمدنية والعلم والتعليم والألتزام الحميد والتجارة والاستثمار؛ رسالة حضرموت الأبدية التي تسري في عروق الارخبيل الهندي وشبه الجزيرة العربية وفِي العالم كله مسرى الروح في الجسد.
في عدن شقيقة المكلا، عدن المتقاسمة مع حضرموت البحر والساحل ذاته، عدن التي عشتقتها حضرموت منذ الازل وتبادلت معها الأفراح والأتراح والخير والشر، والحلم والأمل. ولد وترعرع وعاش هذا النورس الحضرمي العدني بدر باسنيد الذي رحل في الليلة الظلماء! وهو الشخصية الوطنية والمثقف المدني وأحد رجالات القانون والعدالة المخضرمين في مدينة عدن الحبيبة التي أحبها وأحبته، وفي أحضانها وفضاءها لمع أسمه ونجمه ونال شهرته القانونية والسياسية والثقافية من الطراز الرفيع. عرفت الراحل العزيز بدر باسنيد في لحظة الانكسار والندم المريرة بعد حرب اجتياح الشمال العصبوي التقليدي للجنوب المدني الحديث، في حرب التكفير والاحتلال عام 1994م. كنا حينها نعيش حالة ساحقة من الشعور بمرارة الهزيمة والخذلان ونضرب الأخماس في الأسداس! في حيص بيص من أمرنا ونعض أصابع الندم بما إقترفته قيادتنا السياسية الغبية في الزج بالبلاد والعباد في نفق الاندماج الوحدوي المظلم! كنا في تلك الأيام الموحشة وقد تقطعت بنا السبل وضاعت حيلتنا وفتيلتنا! ونحن نشاهد بأم أعيننا جحافل الناهبين المحتلين القادمين من أقاصي الشمال اليمني التقليد بزنادنهم وزناتهم وجنابيهم وسحناتهم الغريبة الرهيبة وهم ينهبون المؤسسات والمتاحف والمكتبات ويتجوّلون في شوارع المدينة المغتصبة بوقاحة واستعلاء فاحش ويبترعون على شواطئنا بخناجرهم المعكوفة فرحا بالنصر والغنيمة، وتأكيدا للقوة والهيمنة في مدينتنا الحزينة. كنا نحن معشر الشباب الحالم بالوطن الخراب في حالة يأس واحباط وضياع شديد السطوة والخطر أفضى بالكثيرين من جيلنا الى الدخول في حالة من عدم القدرة على التكيف مع الوضع الاستعماري الدخلي البالغ القسوة والقرف! الذي تسبب بموت الكثيرين وإصابة غيرهم بحالات نفسية مرضية متعددة القلق والاكتئاب والجنون والرغبة في الانتحار، والعزلة والانعزال، أو النكوص الثقافي والأخلاقي ومسايرة وتمثل وتقليد قيم الغالبين، في الدحبشة والنفاق وتغيير الهيئات والأزياء، إذ سرعان ما طالت لحي الرجال واختفت ابتساماتهم وتغيرت سحناتهم وطريقة كلامهم ونبرة أصواتهم، وبدلا (صباح النور) العدنية الجميلة حلت (السلام عليكم المتجهمة) وبدلا من الدعابة والسماحة والاناقة المدنية حلت قيم وأخلاق متكلفة وسمجة مشبعة بالتكفير والتخويف والعنف والتجسس والتدخل في خصوصيات حياة الناس الحميمية في منتزهات المدينة، فانتشر اللون الأسود انتشار النار في الهشيم واختفت ألوان الطيف في المدينة البحرية الكسموبوليتية، وتم تدمير ومسح كل المعالم والأثار التي كانت تدل على تاريخ دولة الجنوب، إذ استبدلت اسماء المعسكرات والشوارع والمؤسسات، فصار معسكر العند، يسمى معسكر7/7، وصار معسكر بدر ، قاعدة الديلمي، وصار مستشفى الصداقة ، مستشفى الوحدة، وصارت قناة عدن، قناة 22مايو واشياء بأسماء الاحمر والصالح والرموز القادمة من الشمال. في أيام الجمر والرماد تلك كنا نبحث عن بارقة أمل ومواساة تسندنا في تجاوز محنتنا، فكان الراحل بدر باسنيد أحد الرجال الذين أوقدوا الشمعة في دياجير ظلام تلك اللحظة العصيبة!
اتذكر أنني التقيته أول مرة في ديوان مؤسسة الأيام مطلع 1996م، عرفني به المرحوم هشام باشراحيل الف رحمة ونور تَغْشَاه، كان بشوشا وتبدو عليه ملامح الثقة بنفسه، استمعت اليه وهو يتحدث عن وضع عدن في ظل الاحتلال وكيف يمكن مقاومته مدنيا وسلميا، قال: ليلتها هذا الوضع لن يدوم لانه باطل وما بني على باطل فمصيره الزوال! كان واثقاً مما يقوله وتحدث عن جملة من قضايا النهب والحقوق التي تم اغتصابها من متنفذين شماليين وكيف تصدي لهم بالقانون والقضاء حتى أعادها الى أصحابها. خرجنا من ذلك اللقاء بحالة مختلفة عما كنا عليه قبله كنت برفقة عدد من الاصدقاء الذين كانوا يبحثون عن أي سبيل لمقاومة الاحتلال الغاشم.
ثم تكررت لقاءتنا في خورمكسر وكريتر والشيخ عثمان، في جلسات كانت شبه سرية في منزل المقاوم عمر الكثيري ومنزل الدكتور صالح طاهر العيسائي وفِي بيت جمال عبادي، وفِي الأيام، وفِي منتديات ثقافية عديدة، كان المرحوم بدر باسنيد والدكتور ابوبكر السقاف أطال الله عمره والحاج صالح باقيس والمرحوم هشام باشراحيل وغيرهم من الجيل الذي يكبرنا كانوا يمنحونا الكثير من روح الأمل والمقاومة المدنية، بحكم خبرتهم السياسية الواسعة بالحالة اليمنية.
واتذكر بانني لم أجد المحامي الراحل بدر باسنيد في أي يوم من أيام المِحنة والا وهو شديد التفاؤل بالمستقبل. كان دائم الابتسامة الساخرة مما يحدث، وكانت كتاباته الصحفية في صحيفة الأيام وتصريحاته ومعاركه القانونية في اروقة العدالة تمنحنا الزاد المعنوي الذي كنا نحتاجه في تلك الأيام.
كان رحمة الله عليه يراهن على القانون والعدالة ويلح على ضرورة النضال من أجل الحفاظ على المؤسسات وعدم تدميرها حتى وأن كانت مؤسسات بيد أعداءنا. ولن أنسى قوله في نقد النخب السياسية التي تسلمت مقاليد الأمور في الجنوب من الاستعمار البريطاني في 1967م قال بالحرف الواحد (( لو إنهم حافظوا على المؤسسات التي تركها الانجليز في عدن واستفادوا من كوادرها التكنوقراطية وخبراتهم الإدارية في النظام والقانون، لكان حال عدن اليوم أفضل من دبي ومثيلاتها.. وأضاف الدول لا يمكن بناءها بالايديولوجيات والشعارات الفضفاضة، بل بالعلم والقانون والعدالة والمؤسسات الرشيدة) كان رحمة الله عليه مثقفا ليبراليا أرستقراطيا لا يرى بغير الدستور والقانون بديلا لحل أزمة الحكم في اليمن، ولم يتسامح ابدا مع التهريج والهوشلية والفساد. ورحل وهو مسكون بالقيم والمبادئ التي كان يُؤْمِن بها وينافح من أجل تحقيقها. الف رحمة ونور تَغْشَاه
في مثواه. كم هو جدير بالإنصاف والاعتراف
وأتمنى من أولاده وأصدقاءه وزملاءه العمل على نشر سيرته وجمع أعماله في كتاب يحفظ أثره وهذا أقل ما يمكن فعله للوفاء له.
[2/‏4 9:47 م] د. قاسم المحبشي قاسم: بدر باسنيد.. نورس العدالة الذي رحل قبل أن يراها!
أين يمكن لي العثور على ما يشبع المقال عن الراحل العظيم المحامي بدر باسنيد أحد رجالات القانون المعاصرين في جنوب الجزيرة العرب أنه بدر باسنيد رحمة الله عليه فارس العدالة والقضاء في عدن. منذ فجعت بنبأ رحيله الفاجع وأنا أبحث عن سيرته الذاتية في الشبكة العنكبوتية، فلم أَجِد غير برقيات التعازي من الرئيس وأنت نازل! معظم القابعين هناك من نفايات السياسيين اليمنيين، ارسلوا تعازيهم بوفاته، رغم إنهم لا يعرفون؛ من هو هذا الذي مات؟ وماذا كان؟ لم أَجِد غير التعازي التقليدية البليدة التي لا تعرف عماذا تتحدث! وكما تم تهميش المرحوم بدر باسنيد وإسدال الستار عليه في الواقع السياسي العدني، فكذلك تم تغييب الرجل من النص والفضاء العام بعد رحيله. أيعقل أن نجد سيّر ذاتية منشورة لأولاد كانوا يلعبون ببولهم حينما كان الراحل العظيم بدر باسنيد يجلجل بصوته في ساحات المحاكم دفاعا عن حقوقهم ويقاوم المغتصبين لمدينتهم بكل أشكال المقاومة المدنية والقانونية منذ نصف قرن! العيال الذين صاروا الْيَوْمَ وزراء ووكلاء ومدرا وسفراء وسماسرة سياسة، ومعظمهم لا يعرفون الف باء السياسة والقانون ولا يعرفون أسطورة القانون المدني الرحل بدر باسنيد! في زمن الانحطاط اليمني الشامل! ورغم كل شيء علينا أن نتشبث بأخر رمق للحس السليم وتأنيب الضمير حتى في أحلك الظروف والأحوال، ومن المهم إنصاف من رحل وايفاءه المكانة التي يستحقها بالذكر والذاكرة.
وكم مات قوم وما ماتت فضائلهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات!
بدر باسنيد رمز عدني ثقافي قانوني لا يشق له غبار، والرموز خالدة لا تموت! من لديه سيرة المحامي الراحل بدر باسنيد يتكرم بنشرها فهذا هو وقتها هنا والآن. نريد أن نكتب ما يليق به وبمكانته بعد رحيله، طالما وقد عجزنا عن منحه المكانة التي يستحقها في حياته. مع خالص الشكر والتقدير. فهل من مجيب؟!
وعلى الرغم من جهلي بتفاصيل حياته. سأكتب عنه ما أعرفه بما يمليه عليّ ضميري وما تجود به ذاكرتي. وألف ورحمة ونور تغشاه في مثواه!
ولا يموت المرء طالما وهناك قلوب وعقول حية تتذكره!
فمن هو المحامي الراحل بدر باسنيد؟
اسمه يحيل الى حضرموت التليدة، فحيث ما توجد الباء في ذيل الاسماء العربية الأصيلة تتجلى الهوية المرجعية لاصحابها من الحضارم الاقحاح اينما حلوا أو أرتحلوا في بلاد الله الفسيحة، (باسنيد، باذيب، باخشب، بلخشر، باصره ، باحاج، باقزقوز، باعبيد، باناجه، باحشوان ..الخ ) وهكذا صار حرف (الباء) ميسم الحضرميين في رحلتهم الحضارية المضنية لبذر ونشر وتنمية قيم السماحة والعقلانية والاعتدال والسلام والثقة والأمانة والنظام والقانون والحرص والادخار والمدنية والعلم والتعليم والألتزام الحميد والتجارة والاستثمار؛ رسالة حضرموت الأبدية التي تسري في عروق الارخبيل الهندي وشبه الجزيرة العربية وفِي العالم كله مسرى الروح في الجسد.
في عدن شقيقة المكلا، عدن المتقاسمة مع حضرموت البحر والساحل ذاته، عدن التي عشتقتها حضرموت منذ الازل وتبادلت معها الأفراح والأتراح والخير والشر، والحلم والأمل. ولد وترعرع وعاش هذا النورس الحضرمي العدني بدر باسنيد الذي رحل في الليلة الظلماء! وهو الشخصية الوطنية والمثقف المدني وأحد رجالات القانون والعدالة المخضرمين في مدينة عدن الحبيبة التي أحبها وأحبته، وفي أحضانها وفضاءها لمع أسمه ونجمه ونال شهرته القانونية والسياسية والثقافية من الطراز الرفيع. عرفت الراحل العزيز بدر باسنيد في لحظة الانكسار والندم المريرة بعد حرب اجتياح الشمال العصبوي التقليدي للجنوب المدني الحديث، في حرب التكفير والاحتلال عام 1994م. كنا حينها نعيش حالة ساحقة من الشعور بمرارة الهزيمة والخذلان ونضرب الأخماس في الأسداس! في حيص بيص من أمرنا ونعض أصابع الندم بما إقترفته قيادتنا السياسية الغبية في الزج بالبلاد والعباد في نفق الاندماج الوحدوي المظلم! كنا في تلك الأيام الموحشة وقد تقطعت بنا السبل وضاعت حيلتنا وفتيلتنا! ونحن نشاهد بأم أعيننا جحافل الناهبين المحتلين القادمين من أقاصي الشمال اليمني التقليد بزنادنهم وزناتهم وجنابيهم وسحناتهم الغريبة الرهيبة وهم ينهبون المؤسسات والمتاحف والمكتبات ويتجوّلون في شوارع المدينة المغتصبة بوقاحة واستعلاء فاحش ويبترعون على شواطئنا بخناجرهم المعكوفة فرحا بالنصر والغنيمة، وتأكيدا للقوة والهيمنة في مدينتنا الحزينة. كنا نحن معشر الشباب الحالم بالوطن الخراب في حالة يأس واحباط وضياع شديد السطوة والخطر أفضى بالكثيرين من جيلنا الى الدخول في حالة من عدم القدرة على التكيف مع الوضع الاستعماري الدخلي البالغ القسوة والقرف! الذي تسبب بموت الكثيرين وإصابة غيرهم بحالات نفسية مرضية متعددة القلق والاكتئاب والجنون والرغبة في الانتحار، والعزلة والانعزال، أو النكوص الثقافي والأخلاقي ومسايرة وتمثل وتقليد قيم الغالبين، في الدحبشة والنفاق وتغيير الهيئات والأزياء، إذ سرعان ما طالت لحي الرجال واختفت ابتساماتهم وتغيرت سحناتهم وطريقة كلامهم ونبرة أصواتهم، وبدلا (صباح النور) العدنية الجميلة حلت (السلام عليكم المتجهمة) وبدلا من الدعابة والسماحة والاناقة المدنية حلت قيم وأخلاق متكلفة وسمجة مشبعة بالتكفير والتخويف والعنف والتجسس والتدخل في خصوصيات حياة الناس الحميمية في منتزهات المدينة، فانتشر اللون الأسود انتشار النار في الهشيم واختفت ألوان الطيف في المدينة البحرية الكسموبوليتية، وتم تدمير ومسح كل المعالم والأثار التي كانت تدل على تاريخ دولة الجنوب، إذ استبدلت اسماء المعسكرات والشوارع والمؤسسات، فصار معسكر العند، يسمى معسكر7/7، وصار معسكر بدر ، قاعدة الديلمي، وصار مستشفى الصداقة ، مستشفى الوحدة، وصارت قناة عدن، قناة 22مايو واشياء بأسماء الاحمر والصالح والرموز القادمة من الشمال. في أيام الجمر والرماد تلك كنا نبحث عن بارقة أمل ومواساة تسندنا في تجاوز محنتنا، فكان الراحل بدر باسنيد أحد الرجال الذين أوقدوا الشمعة في دياجير ظلام تلك اللحظة العصيبة!
اتذكر أنني التقيته أول مرة في ديوان مؤسسة الأيام مطلع 1996م، عرفني به المرحوم هشام باشراحيل الف رحمة ونور تَغْشَاه، كان بشوشا وتبدو عليه ملامح الثقة بنفسه، استمعت اليه وهو يتحدث عن وضع عدن في ظل الاحتلال وكيف يمكن مقاومته مدنيا وسلميا، قال: ليلتها هذا الوضع لن يدوم لانه باطل وما بني على باطل فمصيره الزوال! كان واثقاً مما يقوله وتحدث عن جملة من قضايا النهب والحقوق التي تم اغتصابها من متنفذين شماليين وكيف تصدي لهم بالقانون والقضاء حتى أعادها الى أصحابها. خرجنا من ذلك اللقاء بحالة مختلفة عما كنا عليه قبله كنت برفقة عدد من الاصدقاء الذين كانوا يبحثون عن أي سبيل لمقاومة الاحتلال الغاشم.
ثم تكررت لقاءتنا في خورمكسر وكريتر والشيخ عثمان، في جلسات كانت شبه سرية في منزل المقاوم عمر الكثيري ومنزل الدكتور صالح طاهر العيسائي وفِي بيت جمال عبادي، وفِي الأيام، وفِي منتديات ثقافية عديدة، كان المرحوم بدر باسنيد والدكتور ابوبكر السقاف أطال الله عمره والحاج صالح باقيس والمرحوم هشام باشراحيل وغيرهم من الجيل الذي يكبرنا كانوا يمنحونا الكثير من روح الأمل والمقاومة المدنية، بحكم خبرتهم السياسية الواسعة بالحالة اليمنية.
واتذكر بانني لم أجد المحامي الراحل بدر باسنيد في أي يوم من أيام المِحنة والا وهو شديد التفاؤل بالمستقبل. كان دائم الابتسامة الساخرة مما يحدث، وكانت كتاباته الصحفية في صحيفة الأيام وتصريحاته ومعاركه القانونية في اروقة العدالة تمنحنا الزاد المعنوي الذي كنا نحتاجه في تلك الأيام.
كان رحمة الله عليه يراهن على القانون والعدالة ويلح على ضرورة النضال من أجل الحفاظ على المؤسسات وعدم تدميرها حتى وأن كانت مؤسسات بيد أعداءنا. ولن أنسى قوله في نقد النخب السياسية التي تسلمت مقاليد الأمور في الجنوب من الاستعمار البريطاني في 1967م قال بالحرف الواحد (( لو إنهم حافظوا على المؤسسات التي تركها الانجليز في عدن واستفادوا من كوادرها التكنوقراطية وخبراتهم الإدارية في النظام والقانون، لكان حال عدن اليوم أفضل من دبي ومثيلاتها.. وأضاف الدول لا يمكن بناءها بالايديولوجيات والشعارات الفضفاضة، بل بالعلم والقانون والعدالة والمؤسسات الرشيدة) كان رحمة الله عليه مثقفا ليبراليا أرستقراطيا لا يرى بغير الدستور والقانون بديلا لحل أزمة الحكم في اليمن، ولم يتسامح ابدا مع التهريج والهوشلية والفساد. ورحل وهو مسكون بالقيم والمبادئ التي كان يُؤْمِن بها وينافح من أجل تحقيقها. الف رحمة ونور تَغْشَاه
في مثواه. كم هو جدير بالإنصاف والاعتراف
وأتمنى من أولاده وأصدقاءه وزملاءه العمل على نشر سيرته وجمع أعماله في كتاب يحفظ أثره وهذا أقل ما يمكن فعله للوفاء له.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.